بعد أن أصابت حملة لثلاث سنوات ضد أحد أكبر المستثمرين الأجانب بالجزائر مناخ الاستثمار هناك بالجمود بدأ البلد يبعث بإشارات بأنه قد يكون مستعدا لإحداث انفراجة. ورغم فترة من التأميم الاقتصادى الدؤوب والتى كان رمزها مساعى الدولة للسيطرة على جيزى لاتصالات الهاتف المحمول والمملوكة لشركة فيمبلكوم التى مقرها فى أمستردام أخفق ذلك فى توفير فرص العمل التى يطالب بها المواطنون. والآن تمضى التطورات بجيزى صوب التسوية مما قد يتزامن مع اعادة تفكير أوسع فى طريقة تعامل حكومة الجزائر الغنية بالطاقة مع الاستثمار الخاص.
وقال بشير مصطفى الاقتصادى الجزائرى «من الواضح أن الاستثمار الاجنبى شرط أساسى لخلق الوظائف بما يخفف الضغوط الاجتماعية.. لذا أتوقع تغيرات اقتصادية فى 2012 ... ستعود الجزائر الى اقتصاد السوق قريبا جدا».
كانت أوراسكوم تليكوم المصرية فازت بحق إقامة شركة جيزى فى الجزائر عام 2001 وسط موجة انفتاح اقتصادى اضطرت البلاد اليها تحت وطأة ديون ثقيلة وتراجع أسعار صادراتها الرئيسية النفط والغاز الطبيعى. لكن بحلول 2008 أصبحت الجزائر تتمتع بسيولة وفيرة بفضل ارتفاع أسعار الطاقة ورأى حكامها بميولهم الاشتراكية فى الازمة المالية العالمية دليلا على أن اقتصادات السوق معيبة فتبنوا حزمة قوانين جديدة تقيد الاستثمار الخاص.
وفى تطورات متلاحقة فرضت على جيزى ضرائب متأخرة بملايين الدولارات وتعرضت مكاتبها للنهب وخضعت للتحقيق بشأن معاملاتها فى العملة وأعلنت الحكومة الجزائرية أنها ستؤمم الشركة.
والان ربما تتحرك الاحداث فى الاتجاه المعاكس اذ يجرى المسئولون الجزائريون محادثات مع المالك الجديد لجيزى، فيمبلكوم، بشأن اتفاق تشترى بموجبه الحكومة 51 بالمائة من جيزى وتستمر فيمبلكوم فى الاضطلاع بدور المشغل.
وتعقدت المفاوضات جراء قرار محكمة جزائرية الشهر الماضى فرض غرامة 1.3 مليار دولار على جازى بشأن معاملاتها فى العملة. وقال وزير المالية كريم جودى إن محادثات الملكية قد تستغرق عدة أشهر وأحجم عن الكشف عن أى تقييم للشركة التى يرى بعض المحللين انها تساوى عدة مليارات من الدولارات. لكن محللين يتابعون القضية يقولون ان الاتجاه العام يبدو ايجابيا. ويمكن لاى اتفاق مع فيمبلكوم أن ينهى مشكلة نالت من صورة الجزائر فى أعين المستثمرين الاجانب وأن يسمح باعادة بناء سمعتها.
وقال سايمون كيتشن المحلل فى بنك الاستثمار المصرى المجموعة المالية هيرميس «انه لامر مشجع أن الحكومة الجزائرية... ومالكى جيزى يجرون محادثات فيما يبدو .. مر وقت كان هناك تبادل للسباب ولا شىء يحدث». وقال إن المفاوضات قد تكون مؤشرا على انفراجة أوسع نطاقا فى المواقف ازاء القطاع الخاص. وقال «قد يكون هناك اعتراف بأن أموال النفط الوفيرة لا تكفى وحدها».
ولا يتوقع أحد أن تغير النخبة الحاكمة للجزائر مواقفها بالكامل وتتبنى الرأسمالية دون تحفظات.
ومن بين المستثمرين الذين لن يعودوا على الارجح نجيب ساويرس رئيس مجلس ادارة أوراسكوم تليكوم، فتقييمه للطريقة التى عوملت بها جيزى من قبل السلطات الجزائرية سلبى تماما.
وكان ساويرس قال فى مقابلة مع تليفزيون الجزيرة فى يناير إن الشركة تعرضت لاستفزازات وان «النظام الجزائرى لا يختلف عن الانظمة الديكتاتورية التى وقعت كالنظام المصرى والقذافى والتى لا تزال مثل النظام اليمنى والسورى».
وينفى المسئولون الجزائريون أن تكون جيزى تعرضت لمعاملة ظالمة ويقولون ان الشركة انتهكت مرارا قواعد مزاولة الاعمال مما لم يدع للحكومة خيارا الا التحرك فى اطار القانون ضد الشركة.
لكن من الصعب أن يشكك أحد فى أن النخبة الحاكمة مازالت ذات توجه قومى متشدد وأنها ترتاب ازاء الرأسمالية وتبدى تحفزا ازاء ما تعتبره امبريالية اقتصادية. فالرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة (75 عاما) يعتبر الزعيم الكوبى فيدل كاسترو صديقا شخصيا له. وعندما استقبل بوتفليقة وزيرا من احدى دول شرق أوروبا فى الجزائر قبل بضعة أشهر سأله ان كانت بلاده نادمة على تخليها عن الاقتصاد الاشتراكى الموجه حسبما ذكر شخص حضر الاجتماع.
ولا يخفى أسعد ربراب مالك سيفيتال احدى أكبر الشركات الخاصة الجزائرية خيبة أمله ازاء مناخ الاستثمار فى بلاده. وفى وقت سابق هذا العام قال ربراب الذى تغطى استثماراته مجالات متعددة من انتاج السكر الى متاجر التجزئة «تريد الحكومة أن تسيطر على كل شىء». «نحن البلد الوحيد أو أحد البلدان القليلة فى العالم الذى يتعين عليك فيه طلب الاذن لخلق الوظائف والثروة ولا توجد أى ضمانة للحصول عليه».
وفى مؤشر البنك الدولى «مزاولة الاعمال» لعام 2012 والذى يصنف مناخ الاستثمار حلت الجزائر فى المرتبة 148 بين 183 دولة. وفى العام الماضى كان الاستثمار الاجنبى المباشر المتدفق على المغرب مثلى ما استقطبته الجزائر رغم أن اقتصاد المغرب أصغر, لكن اذا كان حكام الجزائر غير متحمسين للرأسمالية فانهم أيضا أناس عمليون يتفهمون الحاجة الى توفير فرص عمل ولاسيما فى ضوء انتفاضات «الربيع العربى فى سائر أنحاء المنطقة.
وتبلغ البطالة نحو عشرة بالمائة اجمالا وحوالى 21 بالمائة بين الشبان خريجى الجامعات وهى الشريحة التى أوقد غضبها ثورات العام الماضى فى مصر وتونس. وكانت السياسة الجزائرية للاعوام القليلة الماضية هى استخدام الاحتياطيات النقدية لتنشيط النمو الاقتصادى وخلق الوظائف عن طريق مشاريع كبيرة للبنية التحتية ورفع أجور القطاع العام ودعم أسعار المواد الغذائية وتقديم مساعدات للنهوض بالشركات الصغيرة. وفى حين ساعد كل هذا على خفض البطالة ورفع الدخل فانه ثمة تساؤلات بشأن الى متى يمكن الاستمرار فى هذا النهج؟.
ويتجاوز انفاق الحكومة ايراداتها مما يؤدى الى تقلص الاحتياطيات النقدية. ولضبط ميزانيتها على مدى أربع سنوات من الان ستحتاج الجزائر سعرا للنفط قدره 110 دولارات للبرميل مقارنة مع 44 دولارا للبرميل فى 2006 حسبما أفاد تقرير لصندوق النقد الدولى فى يناير, وبالنسبة لاحمد بن بيتور رئيس الوزراء فى بداية حكم بوتفليقة عامى 1999 و2000 عندما كانت الاجواء مواتية أكثر للاستثمار فان تحقيق انفراجة ينبغى أن يكون فى أسرع وقت.