يعتبر تخصيص مقاعد نيابية للمرأة خطوة إيجابية فى اتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين المرأة المصرية من المشاركة السياسية الفعالة، وبدون الإقدام على مثل هذه الخطوة لن تتاح للمرأة إمكانية المشاركة الجادة. وقد يستاء البعض من فكرة التخصيص أو التمييز الإيجابى، واتباع منطق الكوتة لتشجيع المشاركة السياسية للنساء. ولدينا فى مصر تجربة سابقة مع فكرة الكوتة متمثلة فى تخصيص نسبة مقاعد مجلس الشعب للعمال والفلاحين. هو وضع أصابه الجمود وأُفرِغ من مضمونه، فلا العمال عمال بحق ولا الفلاحين يمثلون مصالح الفلاح. ويشوب نظام التخصيص الحالى أوجه عدة للقصور: أولا، فشل النواب فى تكوين كتلة داخل مجلس الشعب أو فى داخل الأحزاب أو التيارات التى يمثلونها لتدافع عن مصالح العمال أو الفلاحين، وتعمل على رفع شأن الجماعة، والتأكد من توافق السياسات والقرارات مع رؤيتهم واحتياجاتهم..ويبقى تغيير قوانين الإيجارات الزراعية مثالا صارخا على ضعف النواب والفلاحين، وعلى فشلهم فى تكوين تحالفات من أجل الدفاع عن مصالح الفلاح، وإيجاد صيغة تحمى مكاسب المزارع الصغير أو تعوضه عن فقدان حق فلاحة الأرض المستأجرة. ثانيا، مشكلة أخرى لتخصيص مقاعد للعمال والفلاحين تتمثل فى تعريف الفلاح وتعريف العامل. فقد تغير الوضع كثيرا منذ العقود الماضية ولم تعد التعريفات والهويات ثابتة كما فى الماضى. وأصبح من الممكن أن يكون فلاحا متعلما يعمل فى مصلحة حكومية ويمارس الفلاحة فى نفس الوقت أو يكون الشخص «عاملا» بالإدارة ولا ينتمى لفئة العمال فى شىء. ثالثا: برغم أهمية الانحياز الإيجابى كمدخل لتحقيق العدل، لم ينجح التخصيص فى هذه الحالة لأن النواب اختاروا تأكيد هويتهم الشخصية، فارتبطوا بأهل الحى أو القرية أو المركز، وعملوا على خدمتهم وذلك فى أفضل الحالات أو خدموا مصالح الحزب أو الكتلة البرلمانية، ولكن فى أغلب الأحيان نسوا هويتهم العملية والتى من أجلها تم التخصيص فى الدستور. ولكن يختلف الوضع بالنسبة لكوتة النساء، فالقانون المقدم يقترح تخصيص بعض الدوائر للتنافس النسائى، وذلك عن طريق زيادة مقاعد مجلس الشعب إلى 500 مقعد، حتى تخصص دوائر إضافية للنساء بناء على الكثافة السكانية والحدود الإدارية. وسيكون هذا ترتيبا مؤقتا يبقى إلى أن تقوى الخبرة السياسية للنساء وتمتد شبكاتهن وتحالفاتهن حتى يستطعن المنافسة مع الرجال دون الحاجة إلى أى تحيز أو تمييز. وقد أجمع الخبراء على صعوبة التنافس السياسى فى غياب الترتيبات البنيوية التى تمكن الضعيف من المنافسة. لذلك تبنى كثير من الدول مثل هذه الترتيبات وأوصت بها منظمات حقوقية والأمم المتحدة، وليس هذا الترتيب كما كتب فى إحدى الجرائد المستقلة خطة خبيثة وفريدة من أجل حل البرلمان!! فالتحيز هنا ليس من باب المجاملة أو الانصياع إلى قرارات نخبوية، وإنما من باب الواقعية والعدالة. كيف تستطيع النساء الحصول على الخبرة والموارد والمساندة والمعارف وتعبئة الناخبين وهى جديدة فى لعبة السياسة؟ وقد لاحظت الدكتورة سلوى جمعة فى إحدى مؤلفاتها، أن السياسة لعبة ذكورية طاردة للنساء، وإذا حاولت النساء دخولها فلابد أن يكون لديهن ميزة خاصة، فمثلا نجد بعض النساء اللاتى نجحن فى منافسة الرجال كان لديهن المال أو القوى أو المساندة التى مكنتهن من ذلك. وهذا القانون يضع النساء فى دوائر نسائية حتى يحقق التساوى بين المنافسين فكلهن جدد على العبة السياسية، وبذلك تتجنب الأحزاب المجازفة بترشيح امرأة ضد رجل فتصنع فرصة الفوز والحصول على المقعد المتنافس عليه. فالناخب يفضل التصويت للرجل لاعتقاده بأن الرجل أقوى وأقدر على ممارسة لعبة السياسة وعلى الدفاع عن مصالح دائرته وأهلها. إذا اختيار الناخب ليس بالضرورة اختيارا متحيزا وإنما هو اختيار عاقل وله أسبابه العملية، فتخصيص دوائر بعينها للمنافسة النسائية سيجبر جميع الأحزاب والمشاركين فى الانتخابات على ترشيح العدد المطلوب من النساء، وبذلك يضع المسئولية عن إيجاد من يصلحن لدخول المعركة الانتخابية على الأحزاب، فلن تكون المرأة هى التى فى مأزق إيجاد وسيلة لدخول حلبة السياسة، بل ستكون الأحزاب هى التى تدافع عن هؤلاء المرشحات وعن مدى تمكينهم من لعب دور إيجابى فى حالة نجاحهن. وبذلك تتحول مسألة المشاركة السياسية للمرأة من مطلب نسائى إلى ضرورة شعبية. أيضا، لن تكون هناك مشكلة فيما يخص تعريف «المرأة»، وهو ما سيجعل هذا التخصيص أسهل فى تطبيقه من تخصيص مقاعد للعمال والفلاحين. لكن ستبقى مشكلات التخصيص الأخرى، وهى مدى فاعلية هؤلاء النائبات ككتلة برلمانية ومدى تمثليهن لمصالح النساء. هل سنرى وجودا سياسيا قويا للنساء فى هذا البرلمان الجديد؟ أعتقد أن هذه المسألة جديرة النقاش. هل ستكون المرأة فى البرلمان ممثلة لمصالح النساء أم ستكون الممثل النسائى لسياسة حزبها ومواقفه؟ إن مصالح النساء والرجال لا تنفصل ولا تتعارض، لكن للمرأة خصوصية وتجربة مختلفة عن الرجل. فقانون الجنسية مثلا لم يكن مشكلة تؤرق الغالبية من الرجال بينما كانت مشكلة للنساء اللاتى تزوجن من أجانب. كذلك النقاش الدائر حول الدعم والاستهداف له بعد نسائى، لأن المرأة مستفيدة من وجود الدعم العينى، فهى التى تشترى العيش والتموين والغاز السائل، وإذا تحول هذا الدعم إلى دعم نقدى سيذهب إلى رب الأسرة وتخسر المرأة القدرة على توفيق أوضاع المنزل إذا ما تخاذل زوجها عن إعطائها المصروف الشهرى. على النائبات الجديدات واللاتى سيترشحن التوفيق بين احتياجات الدائرة المحلية واحتياجات النساء على المستوى القومى. سوف يكون عليهن تعلم العبة السياسة ليستطعن تكوين كتلة برلمانية تؤثر على القرار السياسى للمجلس وتمثيل أحزابهن، ولكن بدون تغافل احتياجات المرأة المصرية أيضا. وأخيرا عليهن العمل على تثقيف الأحزاب والشبكات التى ينتمين إليها بحيث تكون قضايا المرأة على أجندة الأحزاب والمحافل السياسية، فلا تكون المرأة قد حازت مقعدا برلمانيا فقط، ولكنها تكون أسهمت فى بناء برلمان جديد يهتم بقضايا العدالة، ولا يكتفى بالتغيير الشكلى وضم بعض النساء، بل يحقق التغيير الموضوعى وينحاز إلى قضايا العدالة للنساء والرجال أيضا.