سيناء.. تبدو أن أبواب الجحيم تقوى عليها، فكل محاولة لتعميرها أو خدمة أهلها البدو المصريين تفشل بفعل فاعل. آخر هذه المحاولات التى فشلت، قامت بها باحثة مصرية من جامعة ألمانية، لم تجد حلا أمامها إلى تقديم بلاغ إلى النائب العام بوقائع فساد مالى وإدارى أرتكبها مركز توثيق التراث التابع لمكتبة الإسكندرية. ولهذا البلاغ حكاية تقول إنه فى 2006 أجرت د. مونكيا سمير حنا الباحثة بقسم دراسات شمال أفريقيا وعلم المصريات بجامعة همبولت بألمانيا دراسة أثرية عن «تحويل المجتمعات البدوية لمجتمعات منتجة من خلال تفعيل البعد الثقافى لسيناء، حيث إن منطقة معبد سرابيت الخادم تعد دليلا حاسما على مصرية سيناء». ثم تقدمت د. مونيكا بفكرة هذه الدراسة إلى مركز توثيق التراث التابع لمكتبة الإسكندرية، التى كانت تعمل به، وتمت الموافقة على فكرتها ومولها الاتحاد الأوربى فى 2007 تحت اسم المشروع رقم 350 الذى كانت مدته 30 شهرا تبدأ من أغسطس 2007 وحتى فبراير 2010، وكانت ميزانيته الأصلية 350 ألف يورو (نحو 4 ملايين جنيه). واكتشفت د. مونيكا بدلا من تنفيذ فكرتها، وخدمة أهالى سيناء الخاسرين دائما فى أى مشروع تنموى يتوقف، فضرر د. مونيكا معنوى. لكن الضرر الحقيقى يقع على البدو أنفسهم، أن أموال المنحة ذهبت لأمور أخرى بعيدة عن تنفيذ نتائج المشروع رقم 350، التى كان من أهمها دراسة وتوثيق وتنفيذ خطة لإدارة التراث الثقافى المادى والمعنوى (الأثرية والشعبية) فى سرابيت الخادم، وبناء قدرات وتدريب 10 من البدو فى المناطق المحيطة بسرابيت الخادم، فضلا عن إقامة متحف لتراث سرابيت الخادم، وأمور أخرى كثيرة تصب فى النهاية لصالح بدو سيناء.
د. مونيكا تؤكد أن هناك وقائع فساد مالى وإدارى شهده المشروع، بلغت نحو 11 نقطة، منها أن عقد المشروع ينص على أن التدريب للبدو كان يجب أن يكون 12 شهرا، لكن التدريب الفعلى كان 3 أسابيع لتحجج بأن المكتبة لم تحول الأموال اللازمة للعمل الميدانى. وتدريب مفتشى الآثار تم من خلال مهندس فى المركز وليس أثريا، ولم يتم التدريب على المهارات المدرجة فى العقد، موضحة أنه كان من المخطط فى عقد المشروع هو تسليم بيت حتحور للبدو بعد الإنتهاء من العرض المتحفى والتدريب من خلال عمل جمعية تشرف عليها المحافظة، مكتبة الإسكندرية والمجلس الأعلى للآثار وهو ما لم يحدث، حيث اتخذته مكتبة الاسكندرية مقرا تابع لها.
وطالبت د. مونيكا التحقيق مع مدير المشروع شريف فرحات ومدير مركز التراث الدكتور فتحى صالح ومدير مكتبة الاسكندرية د.إسماعيل سراج الدين لعلمهم بهذا الفساد المالى والإدارى وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنعه. وفى اتصال هاتفى مع صاحبة البلاغ، التى أرسلت إلينا نسخة من العقد الأصلى الذى تم بناء عليه منح المشروع لمركز توثيق التراث، وكذلك الميزانية الأصلية، أكدت أنه كان من الأولى الاهتمام ببدو المنطقة؛ لأنهم الحامى الرئيسى لهذا التراث الذى يكون التاريخ المجتمعى للمعبد وليس إهدار موارد هذا المشروع الحيوى وترك يد الفساد تعبث به.