قالت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار محمد فهيم درويش، في كلمة لها في أعقاب النطق بالحكم في قضية أرض جزيرة البياضية، التي أصدرت حكمها فيها مساء اليوم الخميس: "إن تلك القضية كانت قد أحيلت إلى المحكمة منذ بداية العام القضائي، ونظرت أولى جلساتها في 18 أكتوبر الماضي، وتداول نظر القضية أمام المحكمة، حيث أجابت المحكمة الدفاع الموكل إليه طلباته الجوهرية المنتجة في الدعوى، واستمعت إلى شهود الإثبات والنفي وعملت بصحيح حكم القانون". وأوضحت المحكمة أنها: "أوقفت الدعوى حين قدم إليها طلب برد رئيس المحكمة حتى صدر الحكم فيه برفضه، ثم قدم طلب رد ثان"، مشيرة إلى أنها: " كانت حريصة على حسن سير العدالة الجنائية وعلى الحيدة التامة، فبادرت قبل نظر القضية بإبلاغ رئيس محكمة استئناف القاهرة، بوجود حرج يستشعره عضو اليمين المقيم بالفيوم، وطلبت تنحيه عن الدعوى، غير أن إدارة المحكمة تجاهلت هذا الطلب".
وأكدت محكمة الجنايات أنها: "استمرت في نظر الدعوى، بالرغم من طلب الرد الثاني إعمالا لصحيح القانون في المادة 162 مكرر من قانون المرافعات".
وأكدت المحكمة أنه: "في سبيل إعمال معايير العدالة فقد كفلت حق الدفاع لإظهار الحق من الباطل، ولما كان لهذا الحق ضوابط مقررة ليست مطلقة، فإنه ليس لأحد أن يستعمله لتحقيق أغراض أخرى في الدعوى غير الغرض الأصلي له، لتطبيق الفصل في الدعوى أو منع قاضي من الفصل فيها أو لتضليل العدالة، حيث يعتبر ذلك من قبيل الاستعمال غير المشروع لحق الدفاع وهو ما يوجب تدخل القاضي".
وأشارت المحكمة إلى أن: "الدفاع عن المتهمين الأول والثاني عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق ويوسف والي وزير الزراعة الأسبق، قد استخدم وسيلة الرد لعرقلة الفصل في الدعوى ولمحاولة الإقصاء حتى لا يتم الفصل في القضية بغير مسوغ مشروع، وتجاهل دفاع المتهمين، القوانين المنظمة لسير العمل القضائي والأعراف المهنية، والإخلال بالواجب الملقى على عاتق المحامين الموكلين".
وذكرت المحكمة أنها: "رفضت الاستجابة لطلبات الدفاع الموكل لتأجيل الدعوى لسماع الشهود، كونها رأت أن هذه الطلبات غير جوهرية ويقصد بها تعطيل الفصل في الدعوى، حيث عمد دفاع المتهمين، يعاونهم جمهرة من المحامين إلى إحداث الإخلال الجسيم بالجلسة والنظام والهرج والتشاجر، على نحو لم تستطع معه المحكمة مباشرة عملها بساحة العدالة ولم يتمكن الأمن والحراسة من المحافظة على النظام، وازداد ما حدث خلال تلك المحاكمة من أحداث، ولوحظ تزايد ظاهرة استغلال حق الرد والإسراف فيه على نحو ما يحدث بالمحاكم من عبث وفوضى، مستغلين هذه الفترة من الانفلات الأمني".
وأهابت المحكمة بالسلطة التشريعية، بالإسراع في إصدار قانون السلطة القضائية لحماية العدالة والمحاكم من استمرار الفوضى والإخلال بالنظام العام، على أن يتضمن هذا القانون تعديلا بخصوص المواد التالية (تعديل المادة 18 من قانون السلطة القضائية بإضافة فقرة جديدة تجعل نظام الجلسة وضبطها منوطًا برئيسها وله في سبيل ذلك أن يُخرج من قاعة الجلسة كل من أخل بنظامها دون تمييز، ومعاقبة كل من أهان بالقول أو الإشارة أو التهديد للمحكمة أثناء جلساتها، أو بمناسبة أدائها لعملها على أن تكون العقوبة السجن).
كما طالبت المحكمة بإضافة مادة جديدة برقم 35 مكرر، بأن تؤلف في كل محكمة لجنة برئاسة رئيس المحكمة وعضوية أربعة رؤساء من أقدم رؤسائها، وتفوضها الجمعية العامة للمحكمة، فيما فوضت من رئيسها ولا يعتد بأي قرار يأخذه رئيس المحكمة منفردًا دون موافقة اللجنة.
ودعت المحكمة إلى استحداث نص جديد يوجب إنشاء شرطة قضائية، تابعة لوزير العدل تحمي القضاة والمحاكم من الاعتداء، وتعديل المادة 357 من قانون السلطة القضائية بإضافة فقرة جديدة لتحديد مدة للانتهاء من المحاكمة التأديبية للمحامي، وأن تكون خلال شهر من تاريخ الإبلاغ عن الواقعة".
وطالبت المحكمة بإجراء تعديل للمادة 377 من قانون السلطة القضائية لجعل المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة النقض والاستئناف مختصين دون غيرهم للمرافعة أمام محكمة الجنايات، كما نبهت على ضرورة استحداث جريمة تضليل العدالة والنص عليها في قانون العقوبات وتغليظ العقاب بها.
وأهابت المحكمة بالصحافة: "أن تلتزم الموضوعية وأن تقصر نشر الأخبار القضائية على الخبر الحقيقي، فلا تضيف ما يحدث داخل الجلسة بما يحدث خارجها وآراء المحامين وآراء القانون، وإلا وضع تحت طائلة القانون المتعلق بالنشر بغير أمانة وبسوء قصد، وما جرى بالجلسات العلنية بالمحاكم بما يعد إهانة للقضاء" - على حد قول المحكمة -.
يُشار إلى أن المحكمة عاقبت كلا من الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، والدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الأسبق بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات، وذلك إثر إدانتهما في قضية بيع محمية الأقصر الطبيعية جزيرة البياضة بمحافظة الأقصر ومساحتها 36 فدانًا، على نحو أهدر ما يزيد عن 700 مليون جنيه من المال العام.
كما تضمن الحكم معاقبة كل من: أحمد عبد الفتاح المستشار القانوني السابق لوالي، ورجل الأعمال حسين سالم رئيس مجلس إدارة شركة التمساح للمشروعات السياحية، ونجله خالد العضو المنتدب للشركة (هاربان) بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا، فيما عاقبت المحكمة سعيد عبد الفتاح المدير السابق لأملاك الدولة الخاصة بوزارة الزراعة بالسجن لمدة 3 سنوات، وبرأت المحكمة محمود عبد البر المدير التنفيذي للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، من الاتهامات المسندة إليه في القضية.
وألزمت المحكمة المتهمين جميعًا، عدا محمود عبد البر، بدفع مبلغ 796 مليون جنيه، قيمة ما تم إهداره من المال العام، جراء بيع جزيرة البياضة، وتغريمهم مبلغًا مساويًا.