قبل ما يزيد على ثمانية أعوام كانت سوزان مبارك فى زيارة إلى العاصمة البريطانية وكانت تستعد لإلقاء محاضرة فى مدرسة لندن للاقتصاد تلك التى طرد منها وزير المالية السابق يوسف بطرس غالى قبل أسابيع. «يبدو أن فريقها مارس ضغوطا كبيرة وأقنعوا بطريقة ما أنطونى جيدنز، عميد مدرسة الاقتصاد بالفكرة»، يقول دبلوماسى مصرى. «قبل المحاضرة جلست مع جيدنز فى دردشة غير رسمية وحكت له إزاى هى كمان خواجاية. قالت له أمى كانت ممرضة بريطانية ووالدى كان طبيبا متدربا فى ويلز وعندى ولدان، علاء وجمال اسم دلعهم: أولى وجيمى»، هذا ما قاله انتونى جيدنز وهو يقدم السيدة الأولى للمنصة، ويرويه الدبلوماسى الذى خدم فى العاصمة البريطانية. توترت سوزان توترا شديدا، وهى تتحدث عن «الحروب الصليبية والخوف والعنف وأفغانستان والعراق والأمن والسلام». وعندما حان وقت الأسئلة سألها أحد الحاضرين بأى صفة تتحدثين إلينا اليوم؟
أجابت: أنا عندى حركة سوزان مبارك الدولية من أجل السلام.
كانت هذه الجمعية قد تأسست قبل أشهر قليلة من هذا اليوم، وكانت صاحبتها تبحث عن اعتراف دولى بها.
«كنا فى عز الانتفاضة والحرب على العراق، لكنها رفضت الخوض فى القضية: أنا ما بتكلمش فى السياسة».
نسيت السيدة الأولى أو ربما لم يخبرها أحد حينها أنها كانت فى أحد أبرز معاقل الحركة اليسارية الطلابية فى بريطانيا، حيث الطلاب لديهم تراث نضالى طويل. لم تعجبهم المحاضرة ولا صاحبتها فقرروا إفساد الجلسة. «بدأوا يتصلوا ببعض على الموبايل فى آن واحد ويتركوه يرن فكان ما يقرب من 50 جهاز موبايل ترن فى نفس الوقت»، يتابع الدبلوماسى المصرى.
ثارت «الهانم»، التى كانت «محبة جدا للإطراء»، كما يكشف المقربون منها، واعتبرت أن الفريق الذى عمل على كتابة كلمتها هو المسئول عما تعرضت له من إحراج وضحت بهم «وأشار أحدهم عليها أن تستعين بسفير بريطانيا السابق فى القاهرة، ديفيد بلاترويك، ليصبح كاتب خطب لها». لكنها استعانت لاحقا وفى مناسبات مختلفة بسكرتير الرئيس السابق مصطفى الفقى ووزير الإعلام أنس الفقى.
ويقول مسئول سابق عمل بالقرب منها فى رئاسة الجمهورية إن «سوزان مبارك كانت لديها رغبة دائمة فى الحديث وإلقاء الخطب وكانت مغرمة بالإعلام والظهور، وتزايدت هذه الرغبة مع تراجع الرئيس وتقدمه فى العمر».
فى مكتبها بالدور الأول بأحد قصور الرئاسة جلست الدبلوماسية الشابة، سكرتيرة سوزان مبارك، تراجع الأسئلة التى ستطرح على «الهانم» لموقع الصليب والهلال الأحمر ضمن وجوه نسائية أخرى. سألت السكرتيرة: مين تانى ضمن الشخصيات؟ الملكة رانيا؟.
ولم تخف السكرتيرة رأيها، وانطلقت فى مقارنة بين ما تقوم به الهانم وما تقوم به الملكة. لم يكن باديا أنها تعبر فقط عن مجرد رأى شخصى، بل تخدم الصورة التى تحاول سوزان أن ترسمها عن نفسها.
«هى شديدة التطلع للآخرين وعدلت فى بروتوكول الخطب لتتحدث هى فى البداية بدلا من التقليد المتبع من أسفل إلى أعلى»، يقول المصدر الرئاسى السابق مفضلا عدم كشف هويته «كانت بتخاف حد يحرق كلامها».
فى الجلسات، كانت تطرح موضوعا أو فكرة أو تشترك فى الحديث لكن سرعان يختفى النقاش ويتوقف معظم المشاركين عن المجادلة خشية إزعاجها.
«فى البداية كانوا متواضعين جدا وعاديين، لكن المؤسسة بكل ما فيها من ترتيبات ومراسم وإطراء تصيب أى شخص بالجنون وتحوله إلى إله. المؤسسة مفسدة وكل شىء كان يؤدى إلى طريقة كن فيكون»، يقول على الدسوقى، نجل صديقة الطفولة لسوزان مبارك وزميلتها فى مدرسة «سانت كلير» بمصر الجديدة.
حافظت سوزان ثابت على صديقات الدراسة وبعض زوجات زملاء زوجها فى القوات الجوية. كانت تدعوهن للعشاء فى منزلها ليلة الكريسماس وكانت تتريض مع إحداهن لمدة ساعة يوما بعد يوما فى القصر. لاحقا ضمت الدائرة الأوسع زوجات لرجال أعمال ووزراء.
السيدة التى تجاوزت السبعين من عمرها كانت ترى نفسها «ملكة»، زوجة الملك أو أما للملك القادم، رغم أن حلمها وهى فى سنوات المراهقة كان أن تصبح «مضيفة جوية». قبل أسابيع قليلة أفردت لها مجلة نيوزويك الأمريكية خمس صفحات مدعمة بصورة قديمة وحديثة وعنونت للملف «سوزان مبارك: ملكة مصر الشريرة».