(الثوار الذين شهدوا معارك التحرير، وماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، سنراهم بعد شهور أو سنين فى عيادات الطب النفسى). الدكتورة منال عمر أستاذة الطب النفسى، أسست مع 8 أطباء نفسيين من قصر العينى وجامعة عين شمس مبادرة (أنت مش لوحدك)، لعلاج المتضررين نفسيا من أحداث الثورة.
المبادرة ظهرت بعد فض اعتصام التحرير بالقوة فى نوفمبر الماضى، ومنذ الإعلان عن أرقام الخطوط الساخنة للمبادرة، انهالت مئات المكالمات تكشف عن الآثار النفسية الهائلة للثورة على المصريين الذين شاركوا فى المظاهرات والصدامات.
تشير منال إلى أن الكثير من الذين يعانون نفسيا من آثار صدمات الثورة يترددون فى الحديث عن معاناتهم ويرددون: (أمال المصاب يعمل إيه، واللى فقدوا عيونهم يعملوا إيه)، فيتحاملون على أنفسهم ويتراجعون عن استشارة طبيب نفسى. تقول منال إن الثوار عليهم ملاحظة أعراض (كرب ما بعد الصدمة) الذى قد يتطور لاكتئاب، ومحاولة مواجهة الأعراض والتغلب عليها واللجوء للأطباء النفسيين إن لزم الأمر.
التحفز
(كرب ما بعد الصدمة) هى حالة نفسية ناتجة عن القلق المرضى الذى يشعر به الإنسان بعد مرور فترة تتراوح بين شهر و6 أشهر من التعرض لأحداث صادمة. وفى حالة عدم التعامل مع هذه الأعراض من الممكن أن تتطور إلى اكتئاب.
أثناء اعتصام نوفمبر، كانت الدكتورة منال فى المستشفى الميدانى بصينية ميدان التحرير، حين فوجئت باجتياح الميدان وقنابل الغاز تنهال عليها من كل جانب.
(بعد 40 يوما بدأت أحس إنى منفعلة، وبارد بتحفز ومش باخد كلام الناس ببساطة)، لاحظت منال أنها كلما تحكى قصة ما حدث، تتسارع دقات قلبها، وتتهدج أنفاسها، وترد بعصبية شديدة وصوت عالٍ وترفض أى محاولة للمزاح حول ما حدث.
التحفز هو استنفار دائم للجهاز العصبى، وتوقع حدوث كارثة أو أمر جلل طول الوقت، (مثلا تسمع صوت سيارة تتخيل إنها عربة إسعاف. تنتفض لما تسمع جرس التليفون أو الباب).
التحاشى
قد يحاول المتظاهرون نسيان لحظات الخوف من الخرطوش والرصاص، لكن هناك عشرات الأشياء التى تذكرهم بما واجهوه، فيسترجعون ذات الأحاسيس التى شعروا بها. مثلا، يتضرر المصدوم من رؤية الملابس التى كان يرتديها وقت الحدث، أو يشعر المتظاهرون بتسارع دقات القلب وضيق التنفس بمجرد المرور جانب شارع محمد محمود أو العباسية أو غيرها من الأماكن التى شهد فيها أحداثا جسيمة.
بدلا من مواجهة المخاوف، قد يلجأ المصدوم إلى تحاشى وتجنب المرور بالأماكن التى تذكره بالصدمات.
(لازم الإنسان يحاول يتغلب على مخاوفه دى، ويبدأ يقول لنفسه إنه متضايق من المكان علشان بيفكره بذكريات وحشة، لكن لازم يهدى نفسه ويتحدى خوفه)، كما تنصح الدكتورة منال.
وتحذر أن تجاهل هذ النوع من التحاشى، وعدم التعامل مع المخاوف قد يتطور إلى مرض (الأجورافوبيا) أو الخوف المرضى من الأماكن المزدحمة والشعور بالفزع من الوجود فى مساحات مفتوحة، وتفضيل المكوث فى المنزل عن الخروج إلى الشارع.
كوابيس مزعجة
أحد الأعراض المهمة لكرب ما بعد الصدمة هو الأحلام شديدة الوضوح التى تتكون من خليط من أحداث حقيقية فى ترتيب غير منطقى.
يعانى المصدوم من كوابيس مرعبة، تتكون من خليط من أحداث حقيقية، (مثلا يأتى الكابوس فى صورة أحداث مختلطة من اعتصام مجلس الوزراء ومعارك محمد محمود وفرم المدرعات للمتظاهرين فى ماسبيرو فى حلم واحد).
هذا (الحلم الحى) المكون من صور شديدة الوضوح والواقعية ترهق الجهاز العصبى بشدة، فإن كان المصدوم يعانى من مثيرات تذكره بما حدث وتجبره على إعادة معايشة الحدث أثناء النهار، فإن الأحلام الواقعية تقض مضجعه وتطارده فى الليل.
اضطراب التفكير
تروى منال أن إحدى الطبيبات المتطوعات فى المستشفيات الميدانية فى اعتصام مجلس الوزراء الأخير تعرضت للاختطاف والضرب والإهانة على يد جنود الجيش. منذ ذلك الحين والطبيبة تعانى من اكتئاب، وترفض الحديث عما حدث لها وتتهرب من المكالمات الهاتفية من الذين حضروا الواقعة.
(الإنسان يبدأ يلوم نفسه بدل لوم اللى تعدى عليه بالضرب)، تشرح منال أن التعرض لحادث شديد العنف أو حادثة تتعلق بهتك العرض والشرف قد تؤدى بالمصدوم إلى تغير طريقة تفكيره بشكل سلبى، فيشعر أنه المخطئ ويلازمه شعور بالعار قد يؤدى به إلى اكتئاب.
(كلما زاد إيمان الإنسان بالسبب الذى شارك بسببه فى المظاهرة، قلت احتمالات اضطراب التفكير والمعاناة من الصدمة)، كما تؤكد منال، مشيرة إلى أن الإيمان بالأديان عموما يزيد من قدرة الإنسان على تحمل المصاعب.
يمكن الاتصال بمبادرة (إنت مش لوحدك) على الأرقام الآتية: