سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أفلام الثورة التسجيلية حائرة بين التوثيق المباشر وجماليات اللغة السينمائية رءوف توفيق: لابد من الإمساك باللحظات السريعة .. والأفلام الحقيقية لم تظهر بعد .. ورأفت بهجت: الرؤية هى الفاصل
فى الذكرى الأولى للثورة ظهر عدد كبير من الأفلام التسجيلية التى تباينت مستوياتها الفنية بصورة كبيرة، ما بين أعمال كان الهدف الوحيد منها هو التوثيق السريع والمجرد للأحداث، وأخرى وضع صناعها لها وجهات نظر، وهو الشىء الذى جعلنا نبحث عن الدور الحقيقى للفيلم التسجيلى فى هذه المرحلة؟ سؤال وجهناه لبعض النقاد وصناع السينما التسجيلية لنعرف إجابتهم. يقول الناقد رءوف توفيق مجيبا عن هذا التساؤل: التسجيل الآن مهم للغاية لأنها تمسك بلحظات من الواقع لتعيش سنوات طويلة، ومعظم الأفلام الآن التى خرجت بعد الثورة حاولت طوال الوقت اللحاق بالحدث بشكل خاص دون رؤية خاصة بمخرج الفيلم التسجيلى..
وعن تقييمه لتلك الحالة يقول: لو حاولت تقييم الأفلام التى خرجت على مستوى الأفلام التسجيلية وليس على مستوى التوثيق السريع أعطيها 7 درجات من 10 لأن الفيلم التسجيلى كما يعرف الجميع له أصول وقواعد تبدأ من رؤية المخرج ورسالته التى يريد إرسالها للناس ولا تنتهى ببناء الفيلم وتكوينه وجمالياته، وأشعر أن التوثيق الحقيقى بلغة السينما لم يظهر بعد حتى الآن أو ظهر على استحياء فى بعض الاعمال، ولنا فى أفلام كثيرة لمخرجين كبار كأفلام خيرى بشارة مثلا دروس فى الفيلم التسجيلى.
ويتفق معه فى رؤيته الناقد أحمد رأفت بهجت والذى يقول: لابد الآن أن يحاول الجميع إمساك تلك اللحظات وحتى وإن تأخر ظهور الأعمال الفنية الحقيقية، وثانى شىء نحتاجه من المخرجين سواء كانوا من صناع الروائى أو التسجيلى هو استيعاب اللحظة دون انفعال أو انحياز، ولابد أن يتعاملوا مع اللحظة بحالة من الثبات والاستقراء للماضى والحاضر والمستقبل أيضا، وكل ما سبق معناه هو كيف يكون لدى المخرج رؤية خاصة، وهذا من أهم الأشياء ويجب أن تكون تلك الرؤية غير غاضبة وموضوعية تماما..
ويضيف بهجت: ولكن للأسف أقول كل ما سبق لشعورى أننا نفتقد الإمساك بتلك الخيوط التى تشكل الرؤية الخاصة، وأشعر أننا نعمل بشكل ارتجالى، وأنا لست ضد هذا ولكن لابد أن تكون هذه الخطوة الأولى أن نمسك باللحظات ولكن بعد ذلك لابد من أن يبنى المخرج على تلك اللحظات رؤية خاصة ليحولها لاستقراء وليس فقط تسجيلا.. ولكى أكون منصفا لن أقول إن كل مخرجى الساحة التسجيلية، وقعوا فى هذا الفخ، ولكن هناك بعض منهم ولو كانوا قلائل يستطيعون تضفير كل هذه الخيوط معا..
ومن النقاد للمخرجن نحاول استقراء محاولاتهم وكيف جرفتهم الاحداث، وكيف تعاملوا مع مفاجأة اللحظة من خلال التوثيق وصناعة الأفلام.
المخرج أحمد رشوان يقول عن تجربته: لم أفكر فى صناعة «مولود فى 25» إلا بعد التنحى بعدة أيام، ولكنى وبداية من 27 يناير كنت أتحرك بالكاميرا بشكل دائم وتدفعنى الرغبة للتوثيق فقط، ولم أفكر فى تنفيذ الفيلم إلا بعد ما شعرت برؤية ما أريد طرحها فيه..
ويضيف رشوان: الحديث عن الفرق بين التوثيق المجرد وصناعة الفيلم التسجيلى يقودنا إلى فكرة مشابهة بصناعة فيلم جيد وصناعة فيلم سيئ، فصناعة الفيلم تعود الى المخرج، فبعيدا عن الثورة لو جاء مخرج موهوب بكاميرته سواء عن الثورة أو عن غيرها فسيصنع فيلما جيدا، والعكس صحيح اذا كان المخرج ضعيفا فسيخرج فيلما ضعيفا حتى لو كان عن الثورة، وأنا ظللت 10 اشهر بعد الثورة أكتب فى الفيلم وأصيغ رؤيته وتعليقه والرسالة التى أنوى طرحها فيه وإذا كنت فى البداية أوثق فقط إلا أنى عندما فكرت فى صناعة فيلم بنيته على رؤية محددة وواضحة وليست توثيقا فقط وقضيت وقتا طويلا أصيغه على الورق، والأزمة فى بعض المتعجلين الذين قرروا صناعة فيلم عن الثورة بأى شكل..
ومن أحمد رشوان إلى المخرج الشاب أحمد صلاح الذى شارك أخاه رمضان فى صناعة فيلم بعنوان «18 يوم فى التحرير»، وهو فيلم عن مشاركة السينمائيين فى الثورة ودورهم فيها، وعن تلك التجربة يقول: فى البداية أحب أقول إن هناك مجموعة أساءت للثورة وللفيلم التسجيلى بشكل عام، وقادتهم رغبتهم السريعة فى صناعة أى شىء عن الثورة إلى صناعة أعمال اساءت للثورة، فكما شاهدنا أفلاما ذات رؤية ناضجة كفيلم «الطيب والشرس والسياسى» و«مولود فى 25 يناير» و«برد يناير» و«نصف ثورة»، شاهدت أيضا العشرات من الأفلام المسيئة التى أتت خالية من الرؤية بشكل كبير..
ويضيف: لم تكن هناك نية لصناعة فيلم عن الثورة إلا فى نهاية يوم 28 يناير جمعة الغضب رغم أنى كغيرى من شباب وشيوخ السينمائيين كنا نجرى فى الشوارع بكاميراتنا ولا ننوى إلا التسجيل والتوثيق ولكن فى لحظة ما تشكلت لدىّ رؤية خاصة لفيلم فقررت تنفيذة وبدأت أوجه نفسى لصناعة هذا العمل.. على عكس ما حدث فيما بعد عندما أردت فقط التسجيل وبث ما تخفيه الفضائيات فأنشأت أنا وأخى قناتين عبر اليوتيوب نضع فيهما يوميا ما نسجله من الشارع فى الأحداث والمظاهرات المختلفة لنكشف للناس الحقائق أولا بأول، والرؤية التى تحكمنا هنا هى التسجيل والكشف فقط دون رؤية الفيلم التسجيلى التى تكون مختلفة، لذا أستطيع القول بأن التوثيق والتسجيل والبحت مكانهم اليوتيوب، أما صناعة الفيلم فتتطلب رؤية من نوع آخر خاصة بتقاليد بناء الفيلم التسجيلى.