مفارقة لافتة أن نرى الوجوه التى التقت بمكتبة الشروق يوم 23 يناير 2011 فى مناسبة مشابهة هى ذاتها تقريبا الوجوه التى التقت بنفس المكان 23 يناير 2012. وجوه العام الماضى، لم يكن من بينها د. محمد البرادعى. كان يستعد للمجىء والمشاركة، فلحق بجمعة الغضب. لكنه كان موجودا أمس الأول، والنقاط الخمس التى لفت لها، اعتبرها الحاضرون مطالب أساسية لن يتم التنازل عنها اليوم، وضعوها فى سطر واحد يحمل هتافهم: «يسقط يسقط حكم العسكر».
● مشاركة ممثلون للثورة فى صياغة الدستور بشفافية كاملة
● تطهير وزارة الداخلية تماما
● العمل على استقلال القضاء
● العمل على استقلال الإعلام وحريته وتغيير منهجه
● التكاتف من أجل الارتقاء بمستوى الاقتصاد المصرى
المناسبة كانت حفل توقيع الكتاب الأحدث للدكتور علاء الأسوانى «هل أخطأت الثورة المصرية؟»، ولكنه، بطبيعة الحال، لم يكن توقيعا عاديا، فى حضور عدد كبير من وجوه الثورة:
والدة الشهيد خالد سعيد وشقيقته، د.محمد أبوالغار، المستشار زكريا عبدالعزيز، جورج إسحق، الفنان على الحجار، وسميرة إبراهيم، ومعهم آثار الحكيم، وحنان مطاوع.
فى البداية أشار الكاتب وائل قنديل، إلى أن الكتاب يعد إطلالة على 12 شهرا مرت من عمر ثورة يناير، ومسحة صاغها علاء الأسوانى، واصفا إياه بالمثقف: «الناطق حينما سكت الآخرون، وأحد الذين لم يشعروا بالتغيير إلى الآن، فراح يطرح سؤالا، تم طرحه فى اليوم ذاته من العام الماضى، يوم 23 يناير، ماذا بعد غد؟».
وفى سياق مشابه تحدث البرادعى موضحا دور المثقف من القضايا الوطنية، وكيف أن الأسوانى: «لم تؤثر فيه الحملات الإيذائية، فأصر على موقفه».
والبرادعى ليس بعيدا عن الآداب والفنون، تلمح اطلاعه عندما يستشهد بعبارت لكبار الأدباء والفنانين، يتذكر المسرحى النرويجى الأشهر «إبسن» وهو يقول: «أقوى شخص هو الذى يقف وحيدا».
الزحام الشديد اضطر القائمين على مكتبة الشروق إلى وضع شاشات عرض فى أرجاء المكتبة حتى يستطيع الحضور مشاهدة وسماع ما يقوله الضيوف، ففرحوا كثيرا عندما أبدى البرادعى موافقته على طلب الأسوانى وجورج إسحق، العمل على تشكيل هيئة منتخبة لتعبر عن الثورة، وقيادة هذه الهيئة، كان مترددا فى البداية، متعففا كعادته عن طرح نفسه، قال: «إن هذه الهيئة لابد وأن تكون منتخبة من الميدان»، فحاصره وائل قنديل بسؤال:
إذا اجتمع الميدان على عدد من الأشخاص لتمثيله، وطلبوا من د. محمد البرادعى أن يكون على رأس هذه الهيئة، فهل يوافق؟. فوافق بحرج.
لكن فكرة انتخاب عدد من الأشخاص لتمثيل الثورة، سبقها عرض الأسوانى للمشاكل التى تعرضت لها الثورة، والتى كان من أبرزها عدم صياغة هيئة أو مجلس قيادة للتحدث باسم الثورة، إضافة إلى عدد من الاخطاء التى وقعت فيها الثورة، منها مثلا، الانصراف عن الميدان يوم 11 فبراير، الأمر الذى أعطى الشرعية للمجلس العسكرى فى إدارة شأن البلاد، أيضا من الأخطاء التى وقع فيها الثوار فى رأى الأسوانى، هو استعجال البعض لأخذ الغنائم وتفضيل أهدافهم الشخصية على المصلحة العامة، إلى جانب عدم بذل الثوار مجهودا فى التقرب من المواطن الذى تعرض «لغسيل دماغ» من أعداء الثورة، هذا المواطن: «الذى هو مع الثورة ذهنيا، لكنه مؤهل لعدم تلقيها فى مكانها الصحيح، خوفا على عجلة الإنتاج ولقمة العيش».
وبالطبع، لم يغب عن الندوة جو السخرية من بعض ردود الأفعال على انتهاك العسكر لآدمية المواطن المصرية، فتهكم الأسوانى على تلقى البعض لمشهد الفتاة المعراة والمسحولة وصاحبة الصورة الشهيرة، وسمى ردود فعلهم ب«نظرية الكباسين»، مشيرا إلى أن هناك من يبرر تعريتها بأنها لم تكن ترتدى عباءة بأزرار بدلا من الكباسين.
نهاية، خرج الحضور من الندوة، بالنقاط الخمس التى ذكرها البرادعى، وهم يهتفون «يسقط يسقط حكم العسكر»، وذلك بعد أن تم تفنيد المشاكل التى عانت منها الثورة خلال العام الماضى، سواء تلك التى وقع فيها الثوار بأنفسهم عن طريق الخطأ، أو التى تسببت فيها أجهزة القمع، والتى زادت بعد الثورة: «فبعدما كان هناك جهاز أمن الدولة فقط، باتت تقف بجانبه قوات الشرطة العسكرية، والتى أبت على نفسها ألا تثبت أن موهبتها فى قمع المواطنين وانتهاكهم لا تقل عن موهبة أمن الدولة، بل إن الأغرب هو إننا عندما نقرأ التاريخ، فلن نجد أن الفتيات المصريات انتهكن بهذه الطريقة من قبل حتى على يد القوات الإنجليزية التى احتلتنا سنوات طويلة».
من جانبه أبدى المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاة الأسبق موافقته على المشاركة فى الهيئة المقترحة، مشيرا إلى أنه فى حالة ثورة منذ عام 2005 إبان معركة نادى القضاة الشهيرة.
فيما تحدثت الفنانة آثار الحكيم والفنان على الحجار الذى أثرى الأمسية بالغناء بدون موسيقى، عن أهمية أن يدرك الدكتور البرادعى أنه وحده المؤهل لجمع الناس حول قضية كبرى وأهداف ومطالب واضحة مرة أخرى، كما فعل قبل 25 يناير من العام الماضى.