يمر الاقتصاد المصرى بظروف استثنائية تتمثل فى تباطؤ معدلات النمو إلى أقل من قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل المطلوبة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وكذا قدرته على توليد الفوائض المالية الكافية للوفاء بالاحتياجات التمويلية، سواء لسد فجوة العجز بالموازنة العامة للدولة أو احتياجات القطاع الخاص لتمويل أنشطته المختلفة. وقد تزامن ذلك مع التراجع الكبير فى التدفقات المالية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من الخارج. وبالرغم من اتخاذ الحكومة عدة تدابير فى أثناء إعداد مشروع الموازنة للعام المالى 2011/ 2012 فى صورة خفض للإنفاق العام بجانب اتخاذ بعض الإجراءات لزيادة الإيرادات العامة؛ حيث تم خفض العجز الكلى من نحو 171 مليار جنيه فى المشروع الأول إلى 134 مليار جنيه، فإنه لا تزال هناك فجوة تمويلية لا يستهان بها إذ تقدر بنحو 8 إلى 9 مليارات دولار على أقل تقدير، ليس بمقدور الاقتصاد المصرى تمويلها ذاتيّا.
وقد سبق أن عرض صندوق النقد الدولى برنامجا ماليّا لمساعدة مصر فى صورة تسهيل انتمائى ليكون تحت تصرف مصر؛ حيث أعدت الحكومة المصرية والبنك المركزى المصرى عناصر ومكونات هذا البرنامج، ويعد هذا البرنامج فى الوقت نفسه بمثابة شهادة ثقة فى أداء واستقرار الاقتصاد المصرى، وسلامة السياسات الاقتصادية والمالية المتبعة واستدامتها فى المدى الزمنى المتوسط والبعيد، وبحيث يسهم ذلك الاتفاق فى تشجيع الدول والمؤسسات الدولية الأخرى، والمستثمرين على ضخ المزيد من الموارد المالية فى الاقتصاد المصرى سواء كانت هذه الموارد فى صورة تمويل ميسر أو منح أو استثمارات مباشرة أو غير مباشرة فى سوق الأوراق المالية الحكومية وغير الحكومية؛ وهو ما سيعنى سد هذه الفجوة التمويلية من المصادر المختلفة.
وفى ضوء ما تقدم، تتلخص أهم عناصر العرض المقدم من قبل صندوق النقد الدولى فى النقاط التالية:
أ البرنامج المقترح يأتى بمثابة خط ائتمان متاح ليكون تحت تصرف الحكومة المصرية، وبحيث يتم السماح بالسحب منه على شرائح ربع سنوية موزعة خلال المدة الزمنية للبرنامج، وعند الضرورة فقط، حيث لا يوجد أى التزام على مصر بأى صورة من الصور لإتمام سحب أى شريحة. وهو ما يعنى ترك كامل الحرية للحكومة والاستفادة من كامل قيمة التمويل المتاح أو الاكتفاء بجزء منه أو عدم السحب منه على الإطلاق، وذلك طبقا لظروف ومعطيات تعافى الاقتصاد المحلى.
ب برنامج التمويل ليس مرتبطا «بمشروطيات»، وإنما تقوم الحكومة بتحديد مجموعة من السياسات والأهداف المطلوب تنفيذها لمصلحة الاقتصاد المصرى على أى حال؛ سواء كان هناك برنامج مع الصندوق من عدمه. وفى هذا الصدد، فإنه سيتم الالتزام بالعناصر نفسها التى سبق الاتفاق عليها مع المؤسسة الدولية فى وقت سابق نظرا إلى أهميتها من جانب، وإلى سهولة تنفيذها من جانب آخر، ومع الأخذ فى الاعتبار أن بعضا من هذه الإجراءات تم تنفيذها بالفعل مثل زيادة ضريبة المبيعات على السجائر من 40٪ إلى 50٪، وإضافة شريحة بنسبة 25٪ على الوعاء الضريبى أكثر من 10 ملايين جنيه.
ج البرنامج المقترح قصير الأجل (12 18 شهرا)
د حد السحب الذى يتم الاتفاق عليه لن يزيد على 3 مليارات دولار، أى ما يعادل 200٪ من حصة مصر فى ملكية رأسمال صندوق النقد الدولى.
ه يتميز البرنامج بشروط تمويل ميسرة؛ حيث يبلغ سعر الفائدة نحو 1.5٪ تقريبا (بخلاف 1٪ مصاريف إدارية لمرة واحدة).
و ويتم سداد القرض من خلال أقساط ربع سنوية على مدى 5 سنوات، وبعد فترة سماح مداها 39 شهرا.
وتتمثل أهم مكونات برنامج الحكومة المصرية فى هذا الصدد فى الآتى:
أ الحفاظ على مستوى آمن من الاحتياطات الدولية بما يضمن للبلاد وقاية كافية من تبعات الصدمات الخارجية، وهو ما يعزز فى الوقت نفسه من ثقة المستثمرين المصريين والأجانب فى استقرار الأوضاع المالية فى مصر.
ب زيادة الإنفاق الاجتماعى لتعزيز العدالة الاجتماعية التى تضمنها مشروع موازنة العام المالى 2011/ 2012 فى العديد من برامجه؛ ومنها إقرار حد أدنى للأجور، وإتاحة موارد إضافية لدعم الموارد الغذائية، وزيادة الاستثمارات الحكومية الموجهة لمشروعات الإسكان منخفض التكاليف، والتعليم، وزيادة مخصصات قطاع الصحة للإنفاق على برامج العلاج على نفقة الدولة والدواء، وكذلك زيادة اعتمادات المشروعات العامة كثيفة التشغيل؛ من أجل رفع معدلات النمو وزيادة فرص العمل. (تم، ومستمر)
ج القيام ببعض الإجراءات على صعيد السياسة الضريبية التى تضمنها مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى (2011/ 2012)، وأهمها إقرار شريحة إضافية بنسبة 25٪ على ضريبة الدخل المستحقة على الشركات والأفراد الذين يزيد وعاؤهم الضريبى على 10 ملايين جنيه، وزيادة ضريبة الإنتاج على السجائر من 40٪ إلى 50٪ (تم).
د زيادة الشفافية وتهيئة مناخ أكثر تنافسية لممارسة الأعمال، وإعطاء أهمية خاصة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لخفض معدلات البطالة (جارٍ).
ه إعداد التعديلات التشريعية المطلوبة لترشيد الإعفاءات المقررة فى قانون الجمارك، وقصرها على أغراض الدفاع والأمن والاتفاقات الدولية بشرط المعاملة بالمثل (جارٍ).
و إعداد التعديلات التشريعية المطلوبة بهدف تطوير منظومة ضريبة المبيعات وتبسيطها، وجعلها أكثر ارتباطا بالنشاط الاقتصادى، مع العمل على ترشيد الإعفاءات وتوحيد سعر الضريبة (تم تنفيذ مراحل كبيرة من هذا الإعداد).
ز تعزيز أطر وآليات الرقابة المالية العامة وإدارة أموال الدولة (جارٍ، ومستمر).
ح التوجه التدريجى لإصلاح منظومة الدعم خاصة دعم الطاقة، وتحسين آليات وصوله للفئات المستهدفة، وإعداد منظومة متكاملة لمظلة الضمان الاجتماعى. (جارٍ).
ط العمل على خفض معدلات العجز بالموازنة العامة والدين العام من خلال سياسات وإجراءات إصلاحية، والوصول بمعدلات الدين إلى 65٪ بحلول عام 2015/ 2016، وعلى أن تتضمن موازنة العام المالى 2012/ 2013 إجراءات تعزز من هذا التوجه. (جارٍ، ومستمر)
ى استمرار حرص السياسة النقدية على خفض معدلات التضخم ومعالجة الأسباب المتعددة لهذه المشكلة، وتحسين أطر إدارة السيولة بالاقتصاد القومى، وتباع سياسات مرنة للنقد الأجنبى تعكس قوى السوق (جارٍ، ومستمر).
ك استمرار البنك المركزى المصرى فى متابعة مؤشرات سلامة القطاع المصرفى عن كثب، خاصة فى ضوء الظروف الاقتصادية الراهنة، واستمرار تعزيز أطر الرقابة على الجهاز المصرفى (جارٍ، ومستمر)
ل استمرار تطبيق البرنامج الطموح للمشاركة بين القطاعين العام والخاص (جارٍ، ومستمر)،
وبالتالى فإن الاتفاق على البرنامج المقترح يحقق المزايا التالية:
إتاحة موارد مالية سائلة أصبح الاقتصاد المصرى فى أشد الحاجة إليها، بجانب تميزها بتكلفة وشروط ميسرة.
من المتوقع أن يؤدى توقيع الاتفاق مع الصندوق إلى تشجيع الدول المانحة على مساندة مصر، فضلا على ما قد يحققه هذا البرنامج من زيادة الضغط الأدبى على الدول العربية على وجه الخصوص لتنفيذ تعهداتها التى أعلنتها فى السابق.
بعث الرسالة المناسبة للمستثمرين بالخارج والمؤسسات الدولية حول أداء الاقتصاد المصرى.
لا يوجد التزام على الحكومة باستخدام هذه الميزة إلا فى الوقت الذى تحدده.
وفى ضوء ما تقدم، فإننا نوصى بالموافقة على إتمام برنامج التمويل المقترح، وفى هذه الحالة سيتم توجيه الدعوة لصندوق النقد الدولى لإرسال بعثة للاتفاق حول هذه العناصر والسير فى الإجراءات اللازمة، وعلى ألا يتم السحب من هذا القرض إلا بعد التشاور مع السلطات العليا.
والأمر مرفوع لسيادتكم للتكرم بالإحاطة والتوجيه، مع عظيم الاحترام.
محافظ البنك المركزى د. فاروق العقدة نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية د. حازم الببلاوى تحريرا فى: 3/ 10/ 2011