نزلت آليات الجيش المصري وأفراده إلى الشارع مساء الثامن والعشرين من يناير، وسط هتاف الجماهير التي اعتلت مركباته ودباباته وصافحت رجاله وقدمت لهم الورود.. وأعلن الجيش أنه لن يطلق الرصاص على صدور المصريين مهما كانت الظروف وأن مطالب المتظاهرين مشروعة ولابد من تحقيقها. وصعد المجلس العسكري إلي قمة السلطة، بعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك، ليقود البلاد في هذه المرحلة الانتقالية "الحرجة". ولكن مع توليه أمور البلاد، وقعت أحداث وسالت دماء عكرت صفو العلاقة بين المجلس العسكري الحاكم وبعض قوى الشعب المصري.
تلك العلاقة التي بدأت بهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" وتحولت في نهاية العام مع أحداث دامية كانت قوات الجيش طرفا فيها أمام مبنى التليفزيون في ماسبيرو، وفي شارع محمد محمود، ومحيط مجلس الوزراء بهتاف "قول ما تخافشي العسكر لازم يمشي".
بينما كان مئات الآلاف من المصريين يملئون جنبات ميدان التحرير بعد ما سمي إعلامياً ب"موقعة الجمل" وبعد تبادل الرشق بالحجارة والمولوتوف بين مؤيدي مبارك والمطالبين برحيله، وقف اللواء حمدي بدين قائد المنطقة الشمالية العسكرية يضمد جراح أحد المصابين من المتظاهرين في ميدان التحرير.
في هذه اللحظة، تجمع المتظاهرين حول بدين يسألونه: "لماذا لا يتدخل الجيش ويجبر مبارك على ترك الحكم؟ وكان بدين يبتسم فقط". ويكمل المشهد أحد الضباط فيطلق الرصاص في الهواء ليصد هجوماً جديداً على المتظاهرين.
يقول أحمد عبد العزيز، أحد المتظاهرين الذين بقوا في ميدان التحرير حتى تخلى مبارك عن السلطة: "كنا كلما أطل علينا أحد من قادة الجيش، ننظر في عينيه، منتظرين قراراً بأن السيف قد سبق، وكنا نعلم أن الجيش هو من سيساندنا وهذا ما حدث".
وقفت الدبابات، مكتوب عليها "يسقط مبارك" من الأمام والخلف، ووقف جنود الجيش، مرحب بهم، يتبادلون أطراف الحديث عن مستقبل بلادهم مع المتظاهرين. وبين الحين والآخر يعلو الهتاف.
يقول الكاتب جمال الغيطاني إن الجيش "حمى الثورة التي صنعها الشعب"، وإن بعض من يقولون بأن هناك اختلافا بين الجيش والمجلس العسكري الحاكم إنما يحاولون "تشويه الجيش".
وكان لمشهد اللواء محسن الفنجري عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو يؤدي تحية الشهيد في بيان رسمي في اليوم التالي لتنحي مبارك وقع يشبه حصول الظمآن على الماء البارد، كما تقول الحاجة نوال والدة أحد الشهداء وأم أحد المصابين.
قالت نوال في تصريحات سابقة: "شعرت بأن هناك من يقدر أن الشهداء ماتوا من أجل هدف نبيل تحقق".
بدأ المشهد يختلف بعد اشتباكات جرت بين أفراد من قوات الجيش المكلفة بتأمين مبنى الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو وفي شارع محمد محمود ومحيط مجلس الوزراء وبعض المتظاهرين.
في 9 أكتوبر، أو أحداث الأحد الدامي انطلقت تظاهرة من شبرا باتجاه مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" ضمن فعاليات يوم الغضب القبطي، ردا على قيام سكان من قرية المريناب بمحافظة أسوان بهدم كنيسة قالوا إنها غير مرخصة، وتصريحات لمحافظ أسوان اعتبرت مسيئة بحق الأقباط، وتحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات من الشرطة العسكرية والأمن المركزي، أفضت إلى مقتل نحو 24 شخصا أغلبهم من الأقباط.
وفى نوفمبر، وقع ما أطلق عليه الثورة المصرية الثانية، أو "أحداث شارع محمد محمود". وهي اشتباكات ومظاهرات وقعت في ميدان التحرير ومحيطه وشارع محمد محمود في قلب القاهرة بدءا من يوم السبت 19 نوفمبر حتى الجمعة 25 نوفمبر. وأدت الأحداث إلى مصرع 42 متظاهرا بالإضافة إلى آلاف المصابين. وأعقب ذلك أحداث واشتباكات مجلس الوزراء التي وقعت في 16 ديسمبر بين قوات الشرطة العسكرية والمعتصمين أمام مبنى مجلس الوزراء.
يقول الكاتب جمال الغيطاني إنه "من الخطأ وضع الجيش المصري في مواجهة الشعب، حيث إن هذه المواجهة سوف تؤدي إلى حدوث كارثة كبرى وسوف تؤدي إلى فقدان الثقة بين الجيش والشعب.
ووصف الغيطاني ما يحدث الآن في الصحف العالمية "بالمؤامرة لمحاولة تشويه صورة الجيش المصري العظيم أمام المجتمع الدولي بسبب خطأ عارض من قبل بعض الجنود. وتحويل الأمر بأكمله إلى الأممالمتحدة والتعامل معه على أنه جريمة من جرائم حقوق الإنسان".
ويضيف الكاتب أن هناك إهانة متعمدة من جانب بعض المتظاهرين لأفراد الجيش، حيث يقوم المتظاهرون الذين يطالبون بإقصاء الجيش بعيدا عن السلطة بالتعدي على جنود وضباط الجيش لفظيا في محاولة لإخراجهم عن شعورهم لكي يرتكبوا أي أخطاء و"من ثم يصح قولهم بعدم صلاحية الجيش لقيادة البلاد في هذه المرحلة".
ويقول حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بالسويس، كنت أتوقع بعد خلع الرئيس السابق أن أرى من المجلس العسكري خطوات أكثر إيجابية عما لقيته منه في الفترة السابقة، مما يشعر الشعب المصري بتغييرات في مستقبل مصر.
ويضيف سلامة، أحد شيوخ الدعوة السلفية، لم نر أي تغيير بعد الثورة، و"لكننا لم ولن نفقد ثقتنا بجيشنا الباسل وقواتنا المسلحة التي وقفت مع الشعب يوم 28 يناير".