الكثيرون منا بدوا سعداء بظهور السيدة فيروز فى سلسلة حفلاتها بساحل علما ببيروت خلال هذا الشهر والتى بدأت بأربعة منها ويتبقى منها حفل يقام مساء اليوم. وبقدر سعادتنا بظهور جارة القمر بقدر ما اعتلانا كمصريين الحزن على اننا نفتقد المطرب أو المطربة المصرية التى تجمع العرب والمصريين من حولها كما فعلت فيروز وكما كانت تفعل أم كلثوم وعبدالحليم من قبل، فالأولى كانت تجمع كل العرب حول المذياع فى الخميس الأول من كل شهر والثانى كان ظهوره فى أى وقت يمثل حالة الإمتاع والاستمتاع لكل العرب، وكان ظهورهما فى أى دولة عربية بمثابة عيد.. هكذا كنا فى عصر ثومة وحليم وعبدالوهاب. الآن تحولت مصر إلى «مستقبل» تلتف حول القنوات والإذاعات لكى يستمتع جمهورها بفيروز لأنها تمثل قمة الغناء العربى. الواقع يقول إن لدينا أصواتا كانت قادرة بسد الفراغ الذى خلفه حليم وثومة وعبدالوهاب لكن دعم الدولة غاب عنها. فتحولت إلى كمّ مهمل بعضها اعتزل والبعض الآخر اكتأب وحاول الاعتزال من قبل مثل هانى شاكر ثم محمد الحلو.. هذه القضية طرحتها حفلات فيروز الخمس فتحت الجرح الذى كنا نتجاهله بعد رحيل الكبار. الآن الأمور تغيرت بما أننا فى عصر جديد نحاول خلاله أن نستعيد الماضى عندما كانت الشاشة أبيض وأسود وكانت الحفلات الحية والاسطوانة هى وسيلة الاستمتاع بالغناء. طرحنا القضية على عدد من المتخصصين لتحليلها. فى البداية يرى المطرب الكبير هانى شاكر أن الدولة تخلت عن الأصوات التى كانت تستطيع ان تفعل ما تفعله فيروز الآن. النظام السابق دفن الفن على حساب الكرة. ولم يهتم بدعم الأصوات الجادة. ولا يجب ان نتوقف عند اسم أو صوت معين. عبدالناصر استخدم الفن ليداعب ويستقطب الوجدان العربى لأنه يعى قيمته. فى عهد النظام السابق كانت كل الاهتمامات لفرق الكرة. وكان يوجه الإعلام لذلك. أما فى لبنان انظروا ماذا يفعل الإعلام معها. وانظروا للإعلام الخليجى كيف يفعل مع محمد عبده. يوميا لا تخلو قناة خليجية من أعماله وحفلاته. أما عندنا فالإعلام يتبارى لهدم الرموز. وطالما هنّا على أنفسنا ماذا ننتظر من العرب.
الدولة تركتنا نهمش فى كل المهرجانات العربية ولم تدعمنا بل فتحنا للشركات العربية والأصوات العربية كل منافذنا. نحن الذين صنعنا بأنفسنا هذا. هدمنا رموزنا فى كل شىء. آخر فنان كانت الدولة تدعمه هو عبدالحليم حافظ وأم كلثوم. كانا جناحين للدولة. كانا عندما يسافران تصحبهما كتيبة من الإعلاميين. نحن الآن نسافر بلا إعلام ولو أحضرت شريطا للحفل وأهديته للتليفزيون المصرى لا يعرضه. علمت لماذا أصبحنا فى هذه الحاله ولماذا ظلت فيروز باقيه بفنها. الدولة تخلت عن جيلى وكل واحد يعمل بمجهوده. ورغم ما حدث لنا انا ما زالت لدى ثقة فى أصواتنا شرط أن ندعمها؟ ونوقف بيع الإذاعات المصرية «هواء مصر للشركات العربية تحت مسمى إذاعات للأغانى. لأن هذا الهواء ملك 85 مليون مصرى وليس صاحب القرار.
الملحن الكبير محمد على سليمان يرى ان هناك مشاريع غنائية أجهضت رغم أنها كانت جديرة بالاحترام وحمل لواء الاغنية العربية وليس المصرية. وضرب مثلا بأنغام وهانى شاكر ونادية مصطفى وآمال ماهر ومحمد الحلو وعلى الحجار ومدحت صالح وأصوات مطربات دار الأوبرا المصرية.. لكن النظام السابق كما يقول محمد على سليمان هو من فعل جريمة إلحاق الضرر بهذه الأصوات ويجب أن يحاكم عليها بتهمة إهدار ثروات مصر. وأتصور أن صفوت الشريف كان من أهم المساهمين فى هذا ثم تبعه أنس الفقى. الشريف ساهم فى تشويه الفن ودعم كل ما هو هابط. ليس فى الغناء فقط لكن فى السينما والمسرح.
باستثناء بعض الحالات التى عملت بمفردها ولم يستطيعوا هدمها مثل مسرح محمد صبحى وعادل إمام. وفى السينما نور الشريف وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز. وهؤلاء صنعوا أعمالا منتفضة سبقت عصرها فى مكافحة الفساد. أما فى الغناء فكانت الكارثة أكبر لأن الإعلام الرسمى أدخل الرقص والسرير والمايوه بيوتنا تحت ما يسمى الفيديو كليب. فى المقابل وقفوا حائلا أمام وصول الأغنية الجادة لمنازلنا. لذلك لم يكتمل مشروع أنغام وعلى الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح. فى المقابل وقفت فيروز على أرض صلبة لأن الدولة وراءها. يعتبرونها علم لبنان. حتى عندما هاجمها البعض وقف الوجدان اللبنانى ليحمى فيروز. لذلك أرى أن اللبنانيين وقفوا مع فيروزتهم والمصريين أجهضوا أغنيتهم.
المطرب الكبير على الحجار يؤكد أن مصر منذ عهد الملك وهى كانت تدعم الفن مرورا بعصر عبدالناصر. وحتى عندما حدث سوء تفاهم بين ناصر وأم كلثوم نصحوه بضرورة استقطابها لصفه. وأخذ بالنصيحة. لذلك أصبحت هى وعبدالحليم الصوتين الأكثر استماعا فى المنطقه العربية. لقد ساهما فى نجومية عبدالناصر وهو ساهم فى نجوميتهم. السادت حاول أن يفعل ذلك مع صوت معين لكنه صنع ذلك فى الوقت الذى بدأ يفقد شعبيته لدى المثقفين.
لكنه كان مؤمنا بالفن بدليل انه صنع عيدا له. أما مبارك ففى عهده ظهر محمد فؤاد وعمرو دياب. لذلك أرى أن الحاكم عندما يعى قيمة الفن سوف تجد نجومه على القمة. انظر ماذا صنع عبدالناصر مع فريد شوقى بعد النكسة طلبه شخصيا وقال له أنت ملك الترسو والناس بتصدقك «أريد عملا يحفز الشعب فأنتج فيلم بورسعيد. وعندما هربت فاتن حمامه للبنان طلب ثروت عكاشة وزير الثقافة وطلب منه إعادتها بأى ثمن. أما فيروز فهم فى لبنان يقدرون قيمتها تماما هى أهم من أى حاكم هناك. وأى حاكم يتمنى ودها. لدرجة أنه أثناء الحرب اللبنانية حكى لبعض الأصدقاء أن طرفى النزاع كانوا يوقفون القتال عندما يعلمون أن زياد الرحبانى يمر. أما عندنا فالفن فى ال30 سنة الأخيرة كان مهمشا. والدعم للغناء لم يكن إلا فى أثناء احتفالات أكتوبر فقط. والفنان لن يكبر مهما كان مدعوما من أى شركة الا عندما تدعمه مؤسسات الدولة. هناك أصوات كثيرة كانت تستحق مكانة بارزة فى عالم الغناء العربى منهم محمد الحلو ومدحت صالح. هذه الأسماء ليست قليلة. وانظروا ماذا فعلت أمريكا مع فران سيناترا وألفيس بريسلى.
وحول الاتهامات التى توجه للمطربين بالتقصير. قال أنا لم اقصر لأننى أنتج لنفسى منذ عام 1980. لكن لأبد أن يفهم الحاكم أهمية الفن ناصر أوجد أم كلثوم وحليم، ومبارك أوجد تامر حسنى. وهناك دول مثل السعودية لأنها تعى قيمة الفن صنعت قنوات خاصة موازية للإعلام الرسمى السعودى لكى تتبنى تقديم الأغانى والمسلسلات، لأنهم يعون قيمة الفن.
الموسيقار الكبير حلمى بكر يؤكد المشكلة اننا صنعنا صفا أول ولم نصنع صفا ثانيا وهذا يعنى أننا صنعنا فجوة بين الأجيال وبعضها. هناك لديهم فيروز وبعدها مباشرة تأتى ماجدة الرومى.. كما أننا اهتممنا بالأغنية الاستهلاكية التى تصدرها شركات الإنتاج. وبالتالى لم يعد البطل هو الأغنية أو الصوت كما يحدث مع فيروز. لذلك ظهر ذوق معين حارب من أجله أصحابه وبالتالى طفى على السطح. وأصبحت لغة السمع مختلفة وتصدرت العين المشهد. بينما فيروز مازالت تتعامل مع عشاقها بالمنطق المعروف وهو أن وسيلة السمع هى الأذن.
أما نجاة ووردة وغيرهن من الأسماء التى كانت تستطيع الاستمرار فهن من هزمن أنفسهن لأنهن فى نهاية مشوارهن نزلن إلى ملعب الصغار بمجموعة من الأغانى التى لا تليق بهن. كان يجب عليهن الاستمرار بقيمة صوتهن. والباقون من المطربين أصبحوا نجوما فى حدود دائرتهم. لذلك يجب أن يبقى فن فيروز يغرد منفردا لو غنت مليون حفلة سوف تجد الصالة على آخرها.