صدر كتاب جديد للكاتب والروائى التشيكى ميلان كونديرا بعنوان "مواجهة" يحتفل فيه بكوكبة من المبدعين فى الرواية والشعر والموسيقى والرسم. ويكشف الكتاب - الذى قام بترجمته من الفرنسية إلى الانجليزية ليندا آشر - عن مدى ثراء كونديرا كباحث كبير لا يقل أهمية عن إبداعه الروائي.
ويتضمن الكتاب الجديد لكونديرا الذى يوصف "بعاشق المفارقات وكاشف التناقضات" مقالات عن مشاهير مثل المسرحى الألمانى الأشهر برتولد بريخت وكافكا وبيكاسو واناتول فرانس ودوستوفيسكى إلى جانب شخصيات مبدعة لكنها حوصرت بالصمت أو التناسى.
ويدافع كونديرا فى كتابه عن المبدع الكبير بريخت ساعيا لتفنيد المطاعن التى وجهها جون فيوجى فى كتابه "برتولد بريخت والمؤسسة" وهو كتاب جاء بمثابة هجاء لحياة بريخت حتى أن المؤلف لم يترك رائحة عبقرى المسرح فوصفها بأنها كانت "مقززة".
لكن كونديرا يسخر من هؤلاء الذين يتركون ابداعات الكاتب ويتفرغون للنبش فى تفاصيل حياته الخاصة وتسقط الأخطاء والخطايا على طريقة "حزب أعداء النجاح" أو "أعداء الإبداع"، ومن ثم ينوه الكاتب التشيكى فى كتابه بأن البعض انصرف عن إبداعات قامات مثل بريخت وهيمنجواى وايليوت وبيكاسو ويونسكو وهيدجر ليركز على مسائل لاعلاقة لها بإبداعاتهم .
ويرى كونديرا الذى يكتب باللغة الفرنسية أن الفن الحقيقى يموت فى هذا العالم رغم الحاجة الملحة للبشر للفن والجمال ومن ثم فهو يحتفى فى كتابه بمبدعين كانت مهمتهم إبقاء الجمال على قيد الحياة.
وهكذا ينتصر ميلان كونديرا لمبدعين فى مجالات وأنشطة متعددة مثل بيكاسو وبيل جيتس واينشتاين وايف سان لوران وفيللينى و كوكو شانيل وماريا كالاس كما أنه يسعى جاهدا فى كتابه لتسليط الأضواء على مواهب منسية أو طواها النسيان والصمت مثل الموسيقى يانيس اكزيناكيس صاحب الأسلوب الذى عرف "بالموسيقى اللا إيقاعية".
وعلى هذا المنوال، تحدث الكاتب والروائى التشيكى ميلان كونديرا فى كتابه بلسان الإعجاب عن الروائى الايسلندى جودبيرجر بيرجسون وزميله البولندى ماريك بنشيزنيك والكاتب المارتنيكى باتريك تشامويسو .وفى هذا السياق، انصف كونديرا مواطنه الروائى بوهاميل هرابال الذى هوجم بشدة من بعض الأدباء التشيك لأنه كان يكتب في ظل النظام الشيوعى الشمولى، معتبرا أن كتابات هرابال كانت أكثر قيمة وأهمية حتى من الاحتجاجات الصاخبة.
كما أبدى كونديرا فى كتابه تعاطفا جليا مع كتاب المنفى والذين يكتبون بلغة غير لغات بلادهم وخاصة بالفرنسية مثل حالته، منوها على وجه الخصوص بالروائية التشيكية فيرا لينهاتوفا التى تكتب بالفرنسية وتنادى بأنه لا يجوز للروائى الأصيل أن يكون سجين أى لغة. بل إن هذه الروائية التشيكية التى لا يخفى ميلان كونديرا إعجابه بإبداعاتها ترى أن المنفى قد ينطوى على مزايا وينجح فى تحويل الاقصاء إلى عملية تحرر وانعتاق مفتوح على جميع الاحتمالات .
والكتاب الذى يحوى 26 مقالة هو الرابع فى سلسلة المقالات التى كتبها هذا الروائى الكبير الذى فر قبل سنوات من جحيم الحكم الشمولى فى تشيكوسلوفاكيا السابقة ليستقر فى العاصمة الفرنسية باريس ويرى بلاده تنقسم الى جمهوريتى التشيك وسلوفاكيا.
ويبدى كونديرا فى كتابه اعجابا واضحا بما يسمى "الرواية المقوسة" التى تتجلى فى اعمال هيرمان بروخ مثل "السائرون نياما" و"موت فرجيل" كما يثنى على اعمال كافكا واناتول فرانس ، فيما يشجب بشدة ما يسمى "بالقوائم السوداء" فى الأدب والابداع على وجه العموم، معتبرا أن الكثير من هذه القوائم متعسفة وقامت على معايير لا يمكن اختبارها فى الواقع .