صدرت روايتى «عربة تجرها خيول» وكانت النسخة الأولى للكاتب الكبير خيرى شلبى تبعتها بنسخة أخرى لصديقى زين خيرى شلبى. كان اللقاء بمكتبه بمجلة نصف الدنيا ووضعت إهدائى كنسخة أولى إلى: «البناء العظيم خيرى شلبى مع مودتى وحبى وتمنياتى الإبداع والترقى فى الفن والحياة والكتابة». ومنذ هذا اليوم اعتبرت ومازلت أعتقد بأن لولا خيرى شلبى ككاتب وأب روحى ما نشرت أول رواية لى. قرأت قصة (بح خلاص) وهاتفت العم خيرى فى الثانية بعد منتصف الليل واستمرت المكالمة لساعتين ويزيد، كنت قد عرفت من أولاده وبناته وقبلهما زوجته (السيدة)، أن هذا أنسب الأوقات للحديث مع الكاتب خيرى شلبى، فهو لا يفوق ولا يروق إلا بعد منتصف الليل محتشدا للكتابة، ما بين كتابة مقالات لبعض الصحف الأدبية أو السياسية الأسبوعية، وكثيرا ما يقضى باقية الليل فى وضع الخطوط العريضة، أو المسودات، أو فيش، أو تدوين بعض الملاحظات وخطها استعدادا وشروعا فى كتابة جديدة، قرأت «بح خلاص» أكثر من أربع مرات. قلت لعم خيرى يومها فى الهاتف (عم خيرى، كأنى بأشم ريحة طبيخ فعلا وشوربة ولحم، وما كل هذا الآسى والحزن والفقر الشفيف فى سردك، فهؤلاء الأطفال والصبية، كوم اللحم البرىء الملتف فى دائرة محكمة حول الوعاء (الحلة) فى انتظار أن تنتهى الأم من طبخ الوجبة الأسبوعية بعد مغارب يوم خميس». ثم رد شلبى علىّ قائلا: «عارف، الكلام اللى سمعته منك أسعدنى كتير يا أخى صحابنا بتوع الستينيات، عمر ما واحد فيهم ما كلمنى على عمل زى ما أنت كلمتنى، لو الرواية وحشة وده مبيحصلش يشنعوا عليه فى الوسط بخبث، لو الرواية عجباهم يتخرسوا ولا واحد فيهم يهمس بكلمة، هو بس إبراهيم أصلان وإبراهيم عبدالمجيد، مش عارف ليه يا أخى، أنت عارف أنا سميت زين على اسم (بهاء طاهر) ما هو زين اسمه فى الأصل بهاء، يلا، (ربك كريم)».
وفى دعوة من الروائى إبراهيم عبدالمجيد وفى ليلة ما شتوية دعانى هو والكاتب سعيد الكفراوى للمشاركة فى الاحتفاء بالروائى خيرى شلبى من قبل جمعية محبى الفنون الجميلة بضاحية «جاردن سيتى»، ولجت فى السابعة مساء إلى القاعة فى رحاب أعلام الفكر والثقافة والإبداع والنقد، وجلس الروائى خيرى شلبى على المنصة فى صحبة عشاق أدبه وكتاباته ليحكى عن الرحلة الطويلة.
حكى شلبى بشفاهية مفرطة وكأنه منشد يعزف على ربابته فى عشق الناس والتاريخ وأحوال البلاد والعباد وتحدث عن علاقته المتعددة والتى تورط فيها مع أقطاب ورموز رواد السير الشعبية والسير الملحمية (عنتر بن شداد) و(سيف بن اليزل) وخطط المقريزى وفتحات بن عربى، و(إبن إياس) و(السهروردى) و(الحلاج) و(الأصفهانى)، حتى سيرة المماليك وطومان باى وفترات كئيبة تجتر معاناة وأحوال الجائعين والمساكين والنحاسين فى جنابات مصر المحروسة.
تحدث وأفاض بعدما تملكته وتملكها بوعى ودراية وحرفة مدرب عليها ب(شهوة الحكى)، فتوقف وأنتبه كل من فى الصالة من الجلوس.