عبدالغفار يتفقد مستشفى العلمين ويشيد باستحداث أول عيادة لتجميل الوجه بمستشفيات الصحة    بالأسماء.. أوائل الشهادتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة مطروح الأزهرية    انقطاع الكهرباء عن القرية الذكية وخسارة البورصة يكشف زيف دعوة السيسي لتعلم البرمجة!    «القصير» يوجه بإجراء تحليل صفات الجودة لزراعة نبات الكسافا    كيف تحصل على تعويض من التأمينات حال إنهاء الخدمة قبل سداد الاشتراك؟    رعب من تكرار سيناريو 7 أكتوبر.. تقرير عبري يكشف خطة حزب الله ل«غزو إسرائيل»    مصر تواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    #الامارات_تقتل_السودانيين يتصدر "لتواصل" بعد مجزرة "ود النورة"    بالصور.. وزير الرياضة يؤازر المنتخب ويوجه رسالة للاعبين قبل السفر إلى غينيا    "اهدى علينا".. رسالة من تركي آل الشيخ إلى رضا عبد العال    عاجل.. تعليق مفاجئ من زيدان عن انتقال مبابي إلى ريال مدريد    يبحث عنها طلاب الثانوية العامة 2024.. ما جمع كلمة عار؟    بعد تسجيلها أعلى درجة حرارة عالميا.. رفع درجة الاستعداد لمواجهة الموجة الحارة بأسوان    الأولى على الشهادة الإعدادية الأزهرية بجنوب سيناء: القرآن الكريم سر صلاح حياتي وتفوقي    القبض على سائق متهم بالتح رش بمعلمة أثناء توصيلها بأكتوبر    صور من حفل زفاف زينة ابنة المنتج محمد السعدي.. «زينة العرايس هدية خاصة»    قائمة أفلام عيد الأضحى 2024.. 4 أعمال تنافس في شباك التذاكر    «الإفتاء» توضح حكم صيام عرفة للحاج    وزير الصحة يحيل المتغيبين عن العمل بمستشفى مارينا للتحقيق    على مدار يومين.. صحة المنيا تنظم قافلة طبية بقرية دمشاو هاشم    مانويل نوير يثير قلق الألمان قبل افتتاح يورو 2024    العثور على 5 جثث في منطقة جبلية بأسوان    بمساعدة عشيقها.. زوجة متآمرة تقتل زوجها بالخنق وتدفنه في غرفة نومه بالبحيرة    أنباء عن هجوم بمسيرة أوكرانية في عمق جمهورية روسية    ولاء التمامي تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    مجلس الشيوخ يناقش ملف تأثير الذكاء الاصطناعي على الشباب.. غدًا    الفنانة شيرين رضا تعلن أعتزالها الفن    لطفية الدليمى: لم أتخيل في أشد كوابيسي أن أغادر العراق    انطلاق مهرجان نجوم الجامعات    اتحاد جدة يستقر على رحيل جاياردو قبل معسكر أوروبا    وزير الأوقاف: لا خوف على الدين ومصر حارسة له بعلمائها وأزهرها    في خدمتك | تعرف على الطريقة الصحيحة لتوزيع الأضحية حسب الشريعة    العشرة الأوائل من ذي الحجة .. هل هي الليال العشر ؟    المشدد 5 سنوات لمتهم في قضية حرق «كنيسة كفر حكيم»    فتاة بدلا من التورتة.. تفاصيل احتفال سفاح التجمع بعيد ميلاده الأخير    عند المعاناة من متلازمة القولون العصبي.. ماذا تأكل وماذا تتجنب؟    ب«750 ألف يورو».. الأهلي يحصل على توقيع زين الدين بلعيد لمدة 4 سنوات    عاجل| 6 طلبات فورية من صندوق النقد للحكومة... لا يمكن الخروج عنهم    ناقد فني: نجيب الريحاني كان باكيًا في الحياة ومر بأزمات عصيبة    وزيرة التخطيط تبحث سبل التعاون مع وزير التنمية الاقتصادية الروسي    محافظ المنيا: توريد 373 ألف طن قمح حتى الآن    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    80 شهيدا وعشرات الجرحى فى غارات إسرائيلية على مخيم النصيرات ومناطق بغزة    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    الأهلي يحسم صفقتين ويستقر على رحيل موديست    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 142 مخالفة عدم الالتزام بقرار غلق المحال    راديو جيش الاحتلال: تنفيذ غارات شمال رفح الفلسطينية مع التركيز على محور فيلادلفيا    رئيس جامعة المنوفية: فتح باب التقديم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    الرئيس السيسى: استعرضت مع رئيس أذربيجان جهود وقف إطلاق النار فى غزة    النائب علي مهران: ثورة 30 يونيو بمثابة فجر جديد    أستاذ علوم سياسية: مصر بذلت جهودًا كبيرة في الملف الفلسطيني    التوقعات الفلكية لبرج الحمل في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    صور.. بيان عاجل من التعليم بشأن نتيجة مسابقة شغل 11114 وظيفة معلم مساعد فصل    جولة مفاجئة.. إحالة 7 أطباء في أسيوط للتحقيق- صور    افتتاح المكتب الوطني للوكالة الفرانكفونية بمصر في جامعة القاهرة الدولية ب6 أكتوبر (تفاصيل)    تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري يتصدر المباحثات المصرية الأذربيجية بالقاهرة    اليوم.. بعثة منتخب مصر تغادر القاهرة في طريقها إلي غينيا بيساو    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل نصير المهمشين: خيرى شلبى.. صياد اللؤلؤ


كتب: شعبان يوسف
مما لاشك فيه أن الراحل الجليل والكاتب الكبير المبدع خيرى شلبى، قد ترك فراغا مهيبا فى الحياة الثقافية المصرية، فمنذ رحيله المفاجئ، تتوالى الكتابات عنه بشكل مكثف وحميمى، كتابة من كل الأجيال، لأنه كان «حبيب الكل» كما يقولون، رغم أنه كان مثيرا للخلافات فى بعض الأحيان، لكن الذى ذهب إلى ليلة العزاء فى مسجد الشرطة، سيتأكد أن خيرى شلبى كان جامعا لأطراف البشر من كل طيف.
فجاء له عزت العلايلى وداود عبدالسيد ووحيد حامد وعادل إمام ولطفى لبيب، كما كان هناك بهاء طاهر ويوسف القعيد وإبراهيم أصلان وصلاح فضل ومجدى الدقاق ومحمد عبدالمطلب، ومن الشباب طارق إمام وباسم شرف وسهير المصادفة، وميرال الطحاوى وسامى كمال الدين وسعيد نوح ومحمود الضبع، وكان من الشعراء عبدالمنعم رمضان ومحمد سليمان ومحمد بغدادى وحسن طلب ومحمد إبراهيم أبوسنة، وغيرهم، ولا يتسع المجال لذكر الجميع، لكن الدلالة الواضحة أن خيرى شلبى فى حياته وفى رحيله كان يجمع كل هؤلاء فى رحابه وحضرته، وليس من المدهش أن يكون آخر كتاب نشرته له الهيئة المصرية العامة للكتاب يأتى تحت عنوان : «أُنس الحبايب»،- ومن الجدير بالذكر - أيضا - أن أول كتاب صدر لخيرى شلبى أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1971 وهو رواية : «اللعب خارج الدائرة»، من سلسلة : «كتابات جديدة»، التى أشرف برئاسة تحريرها الآن، ويتصدر هذه الرواية إهداء حميمى يقول : «إلى ابنتى العزيزة «ريم» طفلة عام 1970 وبين «اللعب خارج الدائرة»، و«أنس الحبايب»، كانت رحلة النشر الغزيرة، والمتعددة الوجوه، رحلة خصبة وثرية ومثيرة، خيرى شلبى الذى عانى معاناة حقيقية فى الحياة، يصبح من أكبر وأهم وأغزر الكتاب المصريين، إن رحلته رحلة عصامية تدفع المرء ليضرب تعظيم سلام بكل جدارة لهذا الرجل الموسوعة، هذه الموسوعة الثقافية التى تتحدث وتحكى وتقود لجانا، وترأس مؤتمرات دولية، ثم تسير بين الناس بكل بساطة، ترتفع إلى الأحداث الكبرى، ثم تجلس على المقهى تتفق وتختلف وتناقش وتحتفى وتغمز وتلمز وتنشد الشعر عن ظهر قلب، شعر فؤاد حداد العظيم، هذه الموسوعة تتحرك بكل هذا الثراء، ثم تذهب إلى المنزل لتكتب الرواية والقصة والبورتريه والدراسة النقدية والمقال الصحفى، خيرى شلبى غزير لدرجة الإدهاش والإعجاز أحيانا ، فى ظل هذا الازدحام المربك والمعوق لأى كاتب، ناهيك عن أنه قد ترأس تحرير مجلة الشعر لسنوات طويلة، وهو الروائى والقاص، لكنه أدارها بحنكة مثقف وذواقة وحافظة مذهلة للشعر، وربما تعالت أصوات من هنا وهناك حول عدم أحقية أى روائى برئاسة تحرير مجلة الشعر، لكن الصوت الأكثر جدارة كان ينتصر لوجود خيرى شلبى فى رئاسة التحرير، لأنه الأجدر والأكثر أحقية، ثم ترأس تحرير سلسلة «التراث الشعبى»، والتى تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويعاونه الروائى حمدى أبو جليل، وقد صدرت من هذه السلسلة كتب عديدة لا غنى عنها، وأعتقد أنها من أهم سلاسل هيئة قصور الثقافة، وكان خيرى يكتب له مقدمات رصينة، مقدمات عارفة وفاحصة وكاشفة لعمق الدراسات التى كانت تنشر فى هذه السلسلة.
ورغم أن جيل الستينيات الأدبى قد عانى أبناؤه من شظف العيش، ومن حالات التهميش والإقصاء الرسمى، فإن معاناة خيرى شلبى أكثر اتساعا، فقبل صدور روايته : «اللعب خارج الدائرة»، كانت هناك رحلة طويلة ومضنية مع الحياة، ومع عملية بناء الوعى، والثقافة، منذ أن خرج من قريته «شباس عمير» التابعة لمركز «قلين» فى محافظة كفر الشيخ، وجرب عدة أشغال متدنية، ذكرها كاملة فى روايته «السيرة»، والتى تحمل ظلالا وحقائق كثيرة عن حياته، وهى رواية : «موال البيات والنوم»، ناهينا عن كل هذا المذكور فى كتابات خيرى شلبى والمعلن، والذى ينم عن مساحة هذه المعاناة فى حياة الرجل، هذه المعاناة التى صنعت منه كاتبا كبيرا بجدارة، وفنانا عظيما بامتياز، وفى سياق البحث عثرت على رسالة كان قد نشرها الراحل الكبير فى مجلة الشهر التى كان يرأس تحريرها الراحل سعد الدين وهبة، والعدد صادر فى فبراير عام 1959 يقول خيرى فى الرسالة الموجهة إلى الشاعر محمد عفيفى مطر !
«عزيزى الشاعر محمد عفيفى عامر مطر»:
التقينا منذ ما يقرب من عام بمدينة دسوق، وفى منزل الزميل الفنان عبدالمنعم عبدالسيد، وتعارفنا، وكنت أود أن نكون على اتصال دائم، ولكن فاتنى يومها أن آخذ عنوانك، وحسنا فعلت يومها، لأننى لم يكن استقر بى المقام فى عمل أعطيك عنوانه، أما وقد أقمت الآن بالإسكندرية، لم أجد خيرا من مجلتنا المحبوبة مكانا رحبا نلتقى به، وهاك عنوانى :
خيرى شلبى
43 شارع سعد زغلول شقة نمرة 35 - المكتب الحديث للتجارة والتوزيع - إسكندرية» هذه رسالة تثير قدرا كبيرا جدا من التساؤل والدهشة، وتدل على مشقة الرحلة، وعناء الطريق، وقد كانت مجلة الشهر تحتضن إبداعات الكتاب الجدد، وتنشر لهم، وترد على بعضهم فى بريد القراء، وكان يكتب فى هذه المجلة الكاتب محمد أبو المعاطى أبو النجا وسليمان فياض، ومحفوظ عبدالرحمن، وينشر فيها أحمد عبد المعطى حجازى أشعاره الأولى، وغيرهم، وكان خيرى أحد عشاق هذه المجلة، وأحد مراسليها، وكانت تنشر له المجلة فى باب بريد القراء، ونشرت له المجلة رسالة أخرى فى مارس ,1959 تحت عنوان : «بعد عام» جاء فى الرسالة : «وها أنت بروحك الطيبة، وقلبك المتوثب، النابض، بشتى الأحاسيس ومختلف المشاعر، ها أنت قد ظهرت أخيرا لتنقذى زهرة الهواء من عفونة الزمن، وتنشليهم من ظلمات اليأس بعد أن كاد يطبق عليهم، ويكتم أنفاسهم فيمتنعون عن الكتابة، وعن أى عمل فيه خلق فنى.. ها أنت قد ظهرت فى أفق حياتنا، ومعك أمل طالما داعب خيالنا، وظفر بأحلامنا، منذ أن استهوتنا الكلمة، واتخذنا منها أداة التعبير عن مكنون عواطف البشر، ومما تنطوى عليه الأفئدة، ودخائل الأمور»، هذا جزء من رسالة طويلة أرسلها الكاتب الشاب خيرى أحمد شلبى للاحتفاء بمجلة الشهر، بمناسبة مرور عام على صدورها، وأنا أعتبر وأزعم أن هذا هو أول ظهور فعلى لخيرى شلبى، أى ظهوره الإبداعى، لأن المجلة بعد ذلك نشرت له قصصا فى بريد القراء، ونشرت له فى المتن بعد ذلك، وكانت محطة انطلاق أولى بالنسبة له، وكانت محطته الثانية فى مجلة المسرح، وكان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدى، وكان خيرى يكتب فى المجلة بشكل منتظم، وله دراسات ومقالات فى المسرح المصرى لم يتم جمعها ونشرها حتى الآن، رغم أنه نشر كتابا فى النقد المسرحى، وكتابا آخر عن نجيب سرور تحت عنوان : «الشاعر نجيب سرور - مسرح الأزمة»، وله أيضا إبداعات مسرحية، وهى «صياد اللؤلؤ، ومسرحيتان غنائيتان»، صدرت عن الهيئة المصرية للكتاب، وله مسرحية : «الخلاص»، صدرت عن دار الطريق البيروتية، والذى يقرأ دراسات خيرى فى مجلة المسرح سيكتشف أن خيرى ليس كاتبا وقارئا ودارسا أغوته الهواية، بقدر ما عركته التجربة، وأصقلت خبرته بعمق يكاد يكون مفقودا عند الأكاديميين، ففى دراسة ممتازة تحت عنوان : «المضمون الفكرى «مسرح لقمان عاشور» يقدم خيرى دراسة مهمة، وقد أعيد نشرها فى الكتاب : «دراسات فى المسرح المصرى المعاصر»، ويطوف بنا فى عالم نعمان عاشور، وأريد أن هذه الدراسة نشرت فى العدد مايو 1961 ومن خلال التقديم الذى يكتبه شلبى، يشعر المرء بأهمية ما نحن سنقرأه، يكتب : «الحديث عن مسرح نعمان عاشور، يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن تلك الظروف الغابرة، التى صاحبت بزوغ نجم نعمان فى أفق المسرح المصرى المعاصر، دفعنى بها فترة أوائل الخمسينيات، ولعله لا يكون من الغريب أن تكون تلك الظروف التى صاحبت بزوغ نجمه، هى نفسها التى أدت إلى بزوغ هذا النجم.. ويستفرد خيرى فى دراسة وقراءة الوضع الاجتماعى والسياسى الذى نشأ فيه نعمان عاشور، وأظن أن خيرى كان قد فتح مجالا حيا لدراسة المسرح المصرى المعاصر - فهو كتب فى هذه القضية كتابات كثيرة جدا..
أجدنى أتحاشى الحديث عن الجانب الروائى المعروف والمعلن والمشهور عنه، لأن هذ الجانب استهلكته دراسات ومقالات ومتابعات وملفات كثيرة، لكن هذا لا يجعلنى أن أسجل تقديرى لروايات خيرى شلبى الفريدة، وهناك شخصيات فريدة من نوعها لا يستطيع المرء أن ينساها، ولا تفارق ذاكرته مادامت هذه الذاكرة حية، مثل شخصية «حسن أبو ضب» فى ثلاثيته : «أولنا ولد، وتانينا الكومى، وثالثنا الورق»، هذه الشخصية الصعيدية، التى بدأت من ما قبل الصغر، حتى صارت شخصية مرموقة ومهمة فى الحياة الاجتماعية والسياسية، ورغم أن هذه القصة شهيرة وتمرين دائم فى الحياة الاجتماعية المصرية، فإنه هنا كان يتقاطع مع شخصيات سياسية خطيرة مثل رشاد عثمان الذى ظهر فى عصر الانفتاح الساداتى، من لا شىء إلى كل شىء، وتعتبر هذه الثلاثية، إدانة قوية ودامغة ومباشرة إلى هذا العصر بكل ما فيه من اعتداء على الحياة الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، كذلك لا ننسى شخصية الجدة «فاطمة تعلبة» فى روايته الشهيرة «الوتد»، والتى يعترف فى كتابه : «أنس الحبايب» أنه استوحاها من الحاجة فاطمة نوحاية، هذه السيدة ذات الجبروت، والتى كان لها تأثير غير عادى فى من حولها، ولها سلطة الأمر والنهى، والقرار، وأظن أن هذه الشخصية تركت أثرا عميقا عند كل من تلقاها فى الرواية، أو الدراما التليفزيونية، لأنها تعبر بشكل دقيق وحقيقى وعميق عن المرأة الجدة فى عالمنا الريفى الحى.
لست هنا فى مجال درس ونقد لعالم خيرى شلبى، ولست فاحصا لهذا العالم الغزير، ولكنى أشير فقط إلى معالم مهمة من رحلته المتعددة التوجهات، فهو بعيدا عن عالمه الروائى، وهو الأكثر تناولا، كان شغوفا بالكشف عن المجهول والمهمل والمستور، لذلك كتب عن نجيب سرور كتابه المهم والفريد، وقدمه بإهداء لافت للنظر يقول فيه : «إلى شوارع مصر القاهرة التى تشرد فيها حلم نجيب سرور وتبدد، إلى نجيب سرور.. التى عشقت الحلم المصرى ودفعت الثمن»
وهو يعلى من شأن نجيب سرور الفنان والشاعر والمبدع، هذا الشاعر الذى ظلمته السلطة بكل جبروتها، فنجد خيرى شلبى ينصفه، ويقف كحائط صد للدفاع عنه، يقول فى مقدمة الكتاب : «يمثل الشاعر الفنان الراحل «نجيب سرور» ظاهرة فنية اجتماعية، يمكن أن تتمثل فيها محنة أمة كاملة توارثت القهر واستمرأت حب تعذيب النفس، واستعذبت الألم.. وإذا كانت الحركة الثقافية العربية تعانى من أمراض مزمنة تتضح فيها تحت ستار شعارات وهمية جائرة بين اليسار واليمين تارة، والإيمان والإلحاد تارة أخرى.. مما أمات فيها الضمير وحولها بوعى منها أو بغير وعى - إلى أدوات تخدم مصالح قوى أجنبية كبرى تنتفع منها قوى محلية ضغرى تحصل على الفتات، ويعتبر خيرى أن نجيب سرور ظلمه هذا المناخ بضراوة، لذلك كان كتابه المنصف لصديقه وحبيبه نجيب سرور.
ناهينا عن اكتشافه المذهل لنص قرار الاتهام ضد طه حسين عام ,1927 حول كتابه «فى الشعر الجاهلى ، ونشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر فى بيروت عام ,1972 بعد أن نشره فى مجلة الهلال، وقدم له تقديما طويلا، ومن الأفضل إعادة نشر الكتاب مرة أخرى، فنحن فى حاجة ملحة لنشر هذا الكتاب الذى جاء تحت عنوان : «محاكمة طه حسين»، لأن الكتاب ليس معنيا بكون القضية أدبية، ولكن القضية سياسية وفكرية فى الأساس ، ويقول خيرى فى مقدمته : «المتتبع لدراسات طه حسين يجد أن طريقته العلمية الجديدة، بجرأتها فى الكشف عن الأسرار وبقدرتها على التمحيص والتدقيق فى البحث، يرى أن ثمة حملة شعواء كانت ترتفع فى مواجهتها من المتمسكين بالقديم الذى يمكن اعتبارهم متخلفين فى مجال الدراسات»..
ولم يكن انتصار خيرى شلبى للمهمش والمهجور، انتصارا عشوائيا، ولكنه كان انتصارا منظما، وأعتبر أن خيرى شلبى منظومة كاملة للانتصار لهذا المهمش، فى كتاباته الروائية، وفى دراساته النقدية، وفى مقالاته على السواء، وأريد أن أختم الكتيب الذى أصدره عن رواية الشمندورة، تحت عنوان : «دا ريا سكينة.. عريانة بين الذئاب»، وهو عن رواية الشمندورة للراحل محمد خليل قاسم، يهديها إلى أحد المهمشين : «إلى روح إبراهيم عبدالحليم، وحسن فؤاد»، ويكتب فى التقديم بكامل الأسى عن هذا التراث المهجور والمغدور والمتآمر عليه، فيكتب فى مقدمة الدراسة : « منذ صدور هذه الرواية حتى اليوم لم يلتفت إليها أحد من النقاد، مما يدل دلالة قاطعة، ويؤكد أن حياتنا الأدبية والثقافية بوجه عام تعانى أزمة ضمير حادة ومستعصية، ففى الوقت الذى ترى فيه نماذج هزيلة لا تصل إلى مرتبة الفن، تحظى بأقصى درجات الاهتمام والرعاية، وتخلع عليها صنوف المدائح والأوصاف.. نرى أن أهم رواية صدرت فى اللغة العربية خلال سنىّ صدورها لا تحظى ولو بمجرد الإشارة العابرة فى مقالات نقادنا الجهابذة عافاهم الله وسامحهم»..
وهذا الانتصار للمهمش والمستبعد كان - دوما- يجعله ينتصر للمواهب الشابة والطالعة فى حياتنا الأدبية، دون أدنى مجاملة رحم الله خيرى شلى.. صياد ومكتشف اللؤلؤ فى حياتنا الثقافية والأدبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.