كثير من صانعى القرار فى الدولة الآن من وزارة الداخلية وانتهاء بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لديهم اعتقاد يقترب من اليقين خلاصته أن قوى الثورة وأنصارها لا يدركون حجم الأخطار التى تتعرض لها مصر. واحد من هؤلاء كنت أتحدث معه قبل أيام قال لى ما معناه أن وضع مصر الآن يشبه إلى حد كبير حالة سفينة تحمل عددا كبيرا من الركاب المختلفين فى كل شىء، بعضهم يحاول خرق السفينة لإغراقها، لأنه يدرك أنها غارقة فى النهاية، وجزء يفترض أنه متماسك وعلى قلب رجل واحد تبين أنه متنافر. ثم وهذا هو الأخطر فإن هذه السفينة تمخر فى بحر عاصف وهائج.
وفى تفصيل وجهة نظر هذا المسئول فإن كل ما يحيط بمصر الآن مضطرب ويمثل عامل خطورة كبيرا.
السودان انفصل جنوبه فى دولة مستقلة ووضع دارفور معقد، وهناك مؤشرات على اخطار جديدة شرق السودان، ثم محاولات لا تتوقف لتهريب أسلحة عبر البحر والصحراء.
فى الغرب فإن الحدود الليبية شهدت عمليات تهريب أسلحة ضخمة تقليدية وغير تقليدية مثل الصواريخ المضادة للطائرات ومنصات اطلاقها، ثم إن الوضع هناك لم يستقر بعد، حلف الناتو يعزز وجوده، وبقايا نظام القذافى مازالت قوية، وخريطة سياسية فى غاية التعقيد.
فى الشرق فإن الخطر الإسرائيلى لا يحتاج لبيان وهو لا يتوقف عن افتعال المشاكل لإشعار العالم أن الثورة فاشلة ولا تسيطر على حدودها خصوصا فى سيناء.
وحتى فى الجانب الآخر من البحر الأحمر، فإن عرب الخليج الذين يفترض أنهم أشقاء يخشى بعضهم من رياح الثورة، ولذلك فإنهم لا يتمنون نجاحها.
هذا المسئول لديه يقين لا يتزعزع هو أن هناك مؤامرة أمريكية إسرائيلية لإعادة مصر إلى الوراء لسنوات طويلة، وإن هناك أطرافا محلية متورطة فى هذا المخطط، بعضهم بحسن نية وبعضهم يدرك تماما ما يفعل.
والحل لكل هذا حسب المسئول انه ينبغى على ركاب السفينة الذين هم الشعب ان يتوحدوا فى هذه اللحظات حتى نصل إلى البر بسلام، وبعدها لنختلف كما نشاء.
انتهى كلام المسئول، واتفقت معه فى توصيفه للمحيط المضطرب حولنا، لكن كلامه عن المؤامرة مطاط حتى لو كان صحيحا.
التآمر الإسرائيلى ومعه الأمريكى لم يتوقف لحظة على مصر، بل وفى عز العلاقة الاستراتيجية مع نظام مبارك، والمأساة السودانية مستمرة من عام 1984، وليبيا. تركنا الجميع يلعب هناك من دون أن يكون لنا تأثير فى الأحداث.
الخطورة الحقيقية فى كلام هذا المسئول الذى يبدو أنه يعبر عن قطاع واسع فى الدولة هى تورط أطراف محلية فى هذا المخطط.
وحتى لا ندخل فى دائرة الاتهامات الجزافية والتخوين، فعلى أجهزة الحكومة أن تحقق مع أى متهم وتحسم أمره، أما بالبراءة وبالتالى التوقف عن الاتهامات أو فضحه وفضح المخطط.
ثم ان استمرار هذا الكلام «العائم» يحمل أحيانا فى طياته طلبا ضمنيا موجها إلى القوى السياسية والثورية مفاده «اجلسوا فى بيوتكم ودعونا نحكم بهدوء حتى نواجه هذا المخطط الجهنمى».
والسؤال الأخير: إذا كان هذا المخطط صحيحا فلماذا لا يخرج ربان السفينة أو أحد مساعديه البارزين ليصارح الركاب بالحقيقة وليخبرهم بخطته فى الانقاذ والمدة اللازمة لذلك.
لو حدث ذلك فإن الربان سيضمن على الأقل توقف الركاب عن المعارك التافهة، كى يساعدوه فى المهمة الكبرى.