«يؤكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه لا صحة للأنباء التى تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة عن تأجيل انتخابات الرئاسة لعام (2012)، كما يؤكد المجلس أن القوات المسلحة تسعى لإنهاء مهمتها فى أسرع وقت ممكن وتسليم الدولة إلى السلطة المدنية التى سيتم انتخابها بواسطة هذا الشعب العظيم. والله الموفق». كانت هذه هى الرسالة رقم «28» من المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتاريخ 27 مارس 2011 أى بعد أسبوع من إعلان نتيجة الاستفتاء وقبل ثلاثة أيام من إعلان البيان الدستورى.
من الواضح أنه حتى هذه اللحظة كان المجلس ملتزما تماما بنتيجة الاستفتاء، ولكن حدث ما اسماه أحد قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة «بضبط» المادة 189 مكرر بأن حولها من النص التالى: «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة اشهر من انتخابهم وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189» إلى المادة 60 من الإعلان الدستورى والتى أضاف فيها أن يكون هذا الاجتماع «بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة» وكأنه بهذا قرر أن يتخلى عن الإعلان 28 الصادر قبلها بثلاثة أيام، ويقرر أنه سيستمر فى السلطة حتى يتم صياغة الدستور وبالتالى حتى يتم انتخاب رئيس الجمهورية بعدها. السؤال ما الذى دعا المجلس الأعلى لأن يغير من توجهه الاستراتيجى بأن يترك السلطة فى أسرع وقت إلى أن يطيل أمدها إلى قرابة العام ونصف العام على الأقل؟
هناك فرضان قابلان للاختبار، الأول يأتى من أولئك الذين يتعاطفون مع المجلس مدعين أنه فعل ذلك كاستجابة لضغوط ممن كانوا يخشون أن تؤدى الانتخابات المبكرة، وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، إلى تسليم البلاد إلى الجماعة الأكثر انتشارا وتنظيما وخبرة فى إدارة الانتخابات وهى جماعة الإخوان، وأن المجلس عدل عن خطأ سابق باختيار لجنة تعديل الدستور والتى كان فيها تمثيل «إسلامى» واضح وبدون تمثيل التيارات الأخرى.
الفرض الثانى يأتى من الذين يتخوفون من المجلس العسكرى، وهم بالمناسبة آخذون فى التزايد، والذين يعتقدون أن المجلس العسكرى سيكرر سيناريو 1954. والحقيقة أن المجلس العسكرى، سواء بقرار أو بدون وعى، ينزلق إلى أن يحل محل «مبارك» فى عقول الكثيرين ممن افترضوا أن الجيش حمى الثورة ويعمل على تحقيق أهدافها.
من التقوا مع قيادات المجلس العسكرى سمعوا كلاما من قبيل أنهم «اضطروا» لأن يهدئوا من روع الشارع الذى كان يتخوف من انتقال سريع للسلطة قبل أن تتشكل الأحزاب الجديدة لأن الشباب الذين قاموا بالثورة يحتاجون وقتا كى يستعدوا للانتخابات، «فاضطررنا» إلى أن نؤجل الانتخابات حتى لا يتهم المجلس بأنه سلم البلد لقوى معينة، والمقصود طبعا الإخوان.
المعضلة الآن أننا نسير بخطوات من قالوا «نعم» ولكن بسرعة من قالوا «لا؛» فلا سعد أهل «نعم» ولا رضى أهل «لا».
بعضنا يحسنون ظنا بعقول مستشارى المجلس الأعلى ويسيئون الظن بما فى قلوبهم، فيتوقعون أنها «مؤامرة». ويظن آخرون خيرا بما فى القلوب، ويخشون مما فى العقول، فيحسبون أنها فقط الأخطاء التقليدية كمن يسير بلا خريطة أو بوصلة فى ليل دامس بلا شمعة أو مصدر نور.
على المجلس أن يتحسب لخطواته بشدة لأن الأداء العام غير مرض وفيه الكثير من عدم الوضوح والعشوائية عند البعض، أو المؤامرة عند البعض الآخر. أى أن الناس تفاضل فى تقييمها لأداء المجلس العسكرى بين من أراد الحق فأخطأه أو من أراد الباطل فأصابه. وفى الحالتين، هى تكلفة مرتفعة كنا فى غنى عنها سواء كنا التزمنا بمسار «نعم» كاملا أو مسار «لا» كاملا. أما ما نحن فيه، فهو «لعم» وبلا خريطة طريق واضحة.