إذا لم تستيقظ معظم القوى السياسية من غفوتها وتخرج من الحالة المريبة التى تعيشها الآن فإنها ببساطة هى دون غيرها تسلم البلد على طبق من فضة إلى حالة من الفوضى لا مثيل لها، أو فى أفضل الأحوال إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. هناك إشكالية يعرفها الجميع وهى أن الساحة السياسية فى مصر تعانى أمراضا خطيرة، فالأطراف الرئيسية فيها أربعة: الأول قوى وأحزاب تقليدية شبه عاجزة بفعل حالة الموت السريرى، التى عانت منها طوال عهدى السادات ومبارك.
والثانى أحزاب وقوى وليدة بفعل الثورة وهى تملك نوايا طيبة لكن معظمها لا يملك قواعد شعبية على الأرض يمكن أن تتجسد فى مقاعد داخل البرلمان.
الثالث: قوى التيار الدينى، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين، وهى قوى ورغم حصارها المستمر من أجهزة أمن حسنى مبارك تمكنت من الحفاظ على بنيتها التنظيمية سليمة من غير سوء.
الرابع: القوى التقليدية غير الحزبية والمتمركزة أساسا فى الصعيد والريف وتضم أعيان وكبار الملاك والموظفين، وهى طبقة جاهزة للتحالف مع أى حزب شرط أن يكون فى السلطة كى تضمن الحفاظ على مصالحها ومكاسبها.. هذه القوى كانت العماد الأساسى الرئيسى للحزب الوطنى مثلما كانت للاتحاد القومى أو الاشتراكى أو حزب مصر.
وجزء كبير من هؤلاء انضم إلى الأحزاب، التى يطلق عليها أنها امتداد للحزب الوطنى وبعضهم لا يمانع من الانضمام للإخوان أو الوفد طالما ضمن مصالحه.
الإخوان يريدون الانتخابات بسرعة وبأى طريقة، لأنهم يعتقدون جازمين أن تأخير إجرائها يعنى أما تقوية التيارات الأخرى أو أن تنشأ مشكلة وأزمة كبيرة قد تقود إلى وقف المسار الانتخابى بأكمله.
فى المقابل فإن معظم القوى الليبرالية تخشى إجراء الانتخابات الآن، خوفا من المد الدينى، لكنها فى نفس الوقت غير واثقة تماما فى المجلس العسكرى، وهو نفس الموقف الذى تتبناه القوى الثورية الوليدة.
أما الطرف الرابع وهو الأحزاب المنبثقة عن الوطنى فقد عارضت ولا تزال ضد إجراء الانتخابات كلها بالقائمة، حتى لا يتم تصنيفها وفضحها رسميا باعتبارها من «الفلول»، وبالتالى يسهل مطاردتها شعبيا، فى حين يستطيع كل مرشح أن يتخفى خلف ستار العائلة أو المدينة والمنطقة. ويذهب بعض المحللين إلى أن أكبر الأخطاء، التى حدثت فى الشهور القليلة كان هو السماح بظهور هذه الأحزاب وعدم محاسبة من تورط منها فى عملية الإفساد السياسى. والطبيعى أن هذة الاحزاب تشعر بالقلق الشديد الان بعد اتفاق ليلة السبت الماضى ووعود المجلس العسكرى بعزل قادة الحزب الوطنى المنحل.
المفترض أن القوى التى ساهمت وشاركت فى إنجاح الثورة تقرأ المشهد السياسى بوضوح، وأبسط مبادئ هذه القراءة هو التفريق بين القضايا التكتيكية والأحزاب الاستراتيجية.
ولسوء الحظ فالحاصل هو أن البوصلة مفقودة فى كل شىء بداية من التنسيق بين هذه الأحزاب، التى يفترض أنها داخلة فى ائتلاف أو تحالفات أو كتل، ونهاية بالمعارك حول قضايا هامشية فيما بينها. لدينا أحزاب التحالف الديمقراطى وهو تحالف صار على كف عفريت بعد إعلان الوفد فض التحالف الانتخابى مع الاخوان.
ولدينا أحزاب تقول إنها متحالفة، ثم تجد أحدها يرفع يشارك فى شعارات جمعة استرداد الثورة لكن لا يشارك فيها.. وآخر يشارك ب «الناشئين» فقط، والاثنان يلوحان بمقاطعة الانتخابات، وبقية القوى السياسية تتحدث مع المجلس العسكرى بكلمات معسولة فى الغرف المغلقة ثم تخرج على الناس بعبارات شديدة المعارضة. والنتيجة أن الرسائل التى تصل إلى المجلس الأعلى ومتناقضة. هناك من يطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية وهناك من يطالب بها فورا، وهناك من يريد الدستور أولا، وهناك من يريد الانتخابات الرئاسية أولا، وهناك رموز وأحزاب تطالب ببقاء المجلس الأعلى فى السلطة لعامين على الأقل.
تخيلوا مجتمعا سياسيا على هذه الصورة من الانقسام، يضاف إليه بعض القوى المنفلتة، التى لا تمانع فى إحراق مصر، و«فلول» متربصة.. ألا يدعو كل ذلك إلى الخوف والقلق؟!
المطلوب من الأحزاب والقوى السياسية أن تتوحد الآن على كلمة واحدة وبعدها يمكنها أن تتناحر كما تشاء.