صدرت رواية "هوس" للكاتبة الكويتية رانيا السعد، و بها سرد جيد ومشوق، لكن القارئ قد يتساءل عن إطالة الكلام وإعادة التجارب بصور مختلفة للوصول إلى النهاية الواضحة مبكرا، أي الحكم على بطلة الرواية بالهوس. جاءت الرواية في 200 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت.
الكاتبة منذ البداية تبني دعائم روايتها بتفصيل ومن زوايا مختلفة لتوصلنا إلى ما تعتقد أنه الأسباب التي أدت إلى جعل نفسية البطلة على ما هي عليه. إلا أننا قد نتساءل عما يجعل هذه البطلة تتصرف بما رأينا منها، عوضا عن أن يحدث كل ذلك فيها نتيجة مختلفة تفرض عليها تصرفا مختلفا. لكن عالم النفس لا يمكن التعامل معه بميكانيكية ولا بمعادلات تؤدي إلى نتائج آلية أكيدة.
الفتاة بشعة وهي الأقل جمالا بين أخواتها ومناخ بيتها قد يكون ساحقا أحيانا. وتتحدث عن مناخ من القسوة والاستهتار سادا البيت الذي ربيت فيه. وتتحول الفتاة -وهي هنا الحالة التي تحتاج إلى نوع من المعالجة- إلى محللة تحدثنا عن مشكلات بيتها وأسبابها، دون أن يفعل هذا في نفسها أي فعل باستثناء الفعل السلبي الذي يصبغ شخصيتها. تقول وكأنها هي التي تتولى المعالجة النفسية "هل قلت قسوة؟ نعم هذه أبرز سمات المحيط الذي ترعرعت فيه وهي المحرك الرئيسي لما قمت به من حماقات في حياتي البائسة".
قصص من بين صفحات الرواية
إنه وعي متأخر ربما يأتي أحيانا نتيجة علاج نفسي، لكن الكاتبة لم تذكر شيئا عن علاج من هذا النوع ولا أعطت بطلتها مجالا كافيا لمحاكمة الذات والغوص فيها.
في البداية تتحدث أختها عن أختها الصغرى التي تعود إلى البيت متحدثة عن خيانة زوجها لها. تعودت أن تسمع أباها يعير أمها قائلا "يا بنت حمود الحافي والله لولا تزوجتك لخاس حلقك" أي جعت. تقول "تسمع امي هذه الجملة بتبلد مريب وتنسحب لترتدي ابهى فساتينها الفاخرة ومجوهراتها الثمينة. تنادي سائقها الخاص وتركب سيارة الرولز رويس التي خصصها لها أبي لتتماشى مع وضعه المزعوم. مسكينة أمي كم تعيش ذلا مستترا تغطيه بالالماس والسيارة الفارهة".
اما الأب فكان رد فعله على شكوى ابنته من خيانة زوجها انه قال لها "سابعث لزوجك العفن كرتون ويسكي. اظن هذا كفيلا بتعديل اوضاعه الى حين ، توقفي عن الصراخ يا معتوهة. تغدي اليوم عندنا إلى أن يعود زوجك المخبول إلى البيت ويجد الكرتون وعندها سيأتي لمراضاتك. اعرفه هذا الحقير وطالما انه لم يتزوج العشيقة فالموضوع لا يستحق الاهتمام".
ويقول الاب انه "يقتني لبناته الثلاث سيارات غالية الثمن ليعرف من يود خطبتهن انهن بنات عز ومن لا يستطيع تحمل مصاريفهن فليبتعد ويبحث عن بنات تناسبه".
وتتدخل البطلة من خلال عملية التحليل التي بدأتها فتقول هنا "هذا الكلام بالإضافة إلى كوننا متواضعات الجمال وبشخصيات لم تخدمها ظروف البيئة والتربية جعلتنا غير مرغوبات".
تضيف البطلة قائلة "بيتنا لا تحكمه أية قواعد، للكل الحق في التزحلق على طين الشتائم والوقاحة"، الأب يحتقر عائلة الأم وشقيقة البطلة أقامت علاقة قبل الزواج مع من تزوجته.
وتنتقل البطلة إلى ناحية أخرى في تحليلاتها فتقول "جزء من جمود عائلتنا اننا لا نمارس اي نوع من التلامس الحنون. لا نقبل بعضنا ولا يحتضن احدنا الأخر، الكلام الرقيق سمعته في بيت لمياء صديقتي حيث تنادي والدتها والدها "حبيبي".
تعودت على حياة "نادي اليخوت" حياة البذخ والتحرر غير المألوف في مجتمع بلادها العادي. ونتيجة فهم خاص بها لقصيدة وجدتها بين أوراق زوجها طلبت منه الطلاق وبقيت ابنتاهما الاثنتان معها.
واثباتا للذات ونتيحة غيرة من فتاة تزوجها طليقها أخذت في مطاردة هذه الفتاة وتقليدها في كل ما تقوم به. دخلت جامعة الكويت لدرس التجارة والا قتصاد ودرست المحاسبة وخاضت انتخابات الطلبة وسقطت نتيجة ما وصف بانه سمعة ابيها. بقيت وحيدة معزولة والاخرون مشغولون بحياتهم وبرامجهم.
وبعد حادث سيارة وقع لها اهتمت بها فتاة متدينة من جماعة الاخوان المسلمين واخذت تمدحها وترفع من معنوياتها. قررت ارتداء الحجاب نكاية بأمها. "اخواتها" الجديدات اهتممن بها ومدحنها وقلن لها انها ازدادت جمالا اثر ارتداء الحجاب. دبرن لها زوجا متدينا فقبلت ودبرن لها عملا في مدرسة. وقعت في مشكلات مع طالبات كانت احداهن هي تلك التي تزوجها طليقها لاحقا.
زوجها الجديد الذي رزقت منه بابنة حلق لحيته وترك الاخوان فثارت عليه ولما احتفل بعيد ميلاد الطفلة بكعكة غضبت وذهبت الى بيت اهلها. وبعد طلاق ثان اجرت عمليات تجميل وغرقت مع امها في اعمال الرقى والشعوذة والكتابة والسحر لاعادة الزوج الاول اليها.
انصب اهتمامها على ذلك وعلى طرح نفسها للزواج في كل فرصة. تزوجت من محام ثم طلقها وبعد فترة عادت اليه وبدت مزواجا مطلاقا. توفي والدها بالسرطان بعد علاجات في الخارج سببت لهم الفقر.
في النهاية يتخذ قرار يشترك فيه زوجها المحامي بادخالها الى مصحة نفسية بسبب هذا الهوس الذي تعاني منه.
ولابد من ملاحظة هنا -وان لم تكن اساسية- وهي خلط الكاتبة بين "الدون جوانية" و"الدون كيشوتية". تقول "ماذا تعني الدونكيشوتية؟ هل لها علاقة بدون جوان معبود النساء؟ ربما لان نزار (قباني) دون كيشوتي من الطبقة الاولى."
هنا خلطت الكاتبة بين شخصية دون جوان وبين دون كيشوت او دون كيخوته بطل رواية الكاتب الاسباتي الشهير ثرفنتس، والفرق بين ما يرمز اليه كل من الاثنين شاسع جدا.