كانت الصورة الذهنية السائدة عن هيئة قضايا الدولة قبل ثورة 25 يناير أنها «محامى الحكومة التى تدافع عن القرارات الباطلة التى يصدرها المسئولون فى ساحات المحاكم وخاصة مجلس الدولة»، لكن المشهد تغير تماما بعدما بدأت الهيئة فى أداء أدوار جديدة لترشيد السلوك القانونى للحكومة من خلال رقابتها المسبقة على القرارات الإدارية والعقود وتوصيتها ببطلان بعضها قبل انتقالها للمحاكم. المستشار محمد عبدالعظيم الشيخ، رئيس الهيئة، يؤكد فى حواره مع «الشروق» أن الهيئة كانت محرومة من أداء جميع الأدوار المنوطة بها فى عهد النظام السابق، رغم أنها كانت أول من واجه رموز ذلك النظام أمام القضاء وحصلت على أحكام ضد أحمد عز ومحمد أبوالعينين لم تنشر تفاصيلها على الرأى العام من قبل.
يكشف الشيخ عن دخول الدولة فى مفاوضات لتسوية عقد الشركة المصرية الكويتية بالظهير الصحراوى، وتسوية الخلاف بين هيئة البترول وشركة ناشيونال جاس التى يساهم فيها صهر الرئيس السابق مبارك، وأن الهيئة ستتولى تنفيذ الأحكام الصادرة ضد المسئولين السابقين بالحجز على ممتلكاتهم بالتنسيق مع النيابة العامة والكسب غير المشروع. ويروى الشيخ أهم تفاصيل مشروع القانون الجديد للهيئة الذى يلغى تبعيتها لوزير العدل ويبعد الوزراء عن اتخاذ قرارات رفع الدعاوى والطعون، ويناشد المصريين الصبر على طول أمد الإجراءات القانونية لاسترداد الأموال المهربة من الخارج بسبب تعقيد الشروط التى وضعتها أوروبا وأمريكا لإعادة الأموال.
● بعد الثورة برز دور هيئة قضايا الدولة فى محاربة الفساد وقضايا الرأى العام، فأين كانت الهيئة قبل الثورة؟ هيئة قضايا الدولة تلتزم بقاعدتين أساسيتين فى سبيل أداء دورها، الأولى أن تسعى جاهدة للحفاظ على الحق والمال العام، والثانية أن تكون خصما شريفا، وهذا لم يتغير سواء قبل أو بعد الثورة، فهى جندى مجهول كانت تؤدى قبل الثورة دورا كبيرا فى حماية المال العام لكن الأضواء لم تكن مسلطة عليها، وكان رؤساء الهيئة يحاولون الابتعاد عن الأضواء، لأن تسليط الضوء على بعض القضايا كانت سيضر بها خاصة لو كانت الهيئة تختصم فيها أحد رموز النظام السابق.
● ما أهم القضايا التى واجهتم فيها رموز النظام السابق؟ كانت الهيئة أول من كشف فساد أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل، عندما اكتشفنا أن مصنعه يتهرب من دفع الضرائب على المبيعات، فأقمنا دعوى ضده بإحدى محاكم الإسكندرية فى أوج قوته وسلطته، وأعدنا إلى خزينة الدولة 170 مليون جنيه.
وكذلك كانت الهيئة الخصم الأساسى فى مواجهة رجل الأعمال محمد أبوالعينين، القيادى بالحزب الوطنى المنحل، فى قضية استعادة 500 فدان من أملاك الدولة بطريق مصر الإسماعيلية حاول وضع يده عليها، واستطعنا الحصول على أحكام من القضاء الإدارى والإدارية العليا على مدار 15 سنة بحق الدولة فيها، ثم أوقفنا الحكم الذى حصل هو عليه بأحقيته فى الأرض من محكمة الأمور المستعجلة، وقد ساعدنا فى هذه القضية المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، الذى سهل لنا الحصول على ملفات تحقيقات النزاع على هذه الأرض.
● ولماذا لم تعلنوا على الرأى العام تفاصيل هذه القضايا المهمة فى حينها؟ كنا نعتقد أن تسليط الضوء على هذه القضايا سيغل يدنا عن التحرك بحرية فى القضية، لكن الأمور بعد الثورة تغيرت وباتت كل القضايا مطروحة للنقاش العام، فأصبح العامة يسمعون أكثر بدور الهيئة فى مكافحة الفساد.
● مؤخرا أوصيتم ببطلان بعض العقود الإدارية الخاصة بأراضى الدولة، فلماذا لم تصدروا توصيات مشابهة قبل الثورة؟ قبل الثورة لم تكن الأجهزة الحكومية تطرح علينا أى مسألة متعلقة بالعقود إلاّ إذا كانت منظورة أمام القضاء، لكن وزارة الزراعة غيرت سياستها بعد الثورة وطلبت من هيئة قضايا الدولة تشكيل لجنة من أعضائها لفحص العقود التى أبرمتها الوزارة على مدار العشرين سنة الماضية وبيان مدى قانونيتها، فشكلت اللجنة برئاسة المستشار صالح عبدالسلام الذى فحص جميع العقود خاصة عقود تمليك أراضى طريقى مصر الإسكندرية، ومصر الإسماعيلية الصحراويين.
واكتشفت اللجنة فى تلك العقود ما يندى له الجبين وما يثبت بما لا يدع أى مجال للشك وصول التسيب والفساد فى عهد النظام السابق إلى ذروته من خلال التصرف المخجل فى أملاك الدولة، رغم أن المساحة التى كانت اللجنة تحصرها على طريق مصر الإسكندرية محدودة جدا بين الكيلو 48 و84 فقط، فأوصت ببطلان جميع عقود الأراضى التى ثبت فسادها ووجود تعديات على أراضى الدولة بها وأبرزها أرض الشركة المصرية الكويتية وأرض السليمانية.
● تتولون الدفاع عن مصر أمام التحكيم الدولى، وحصلتم على حكم لصالح الدولة فى قضية ماليكورب أمام مركز إكسيد لمنازعات الاستثمار العالمية، ما الجديد فى هذه القضية؟ شركة ماليكورب رفعت دعوى بطلان على الحكم الذى صدر ضدها برفض تغريم مصر 580 مليون دولار لفسخ التعاقد معها لإنشاء مطار رأس سدر، وأستطيع القول بدون مبالغة إن نسبة رفض دعوى البطلان تتعدى 99 % لأن أسانيد الشركة واهية وباطلة ولا تستحق النقاش، وقد كان الحكم الصادر لصالحنا قاطعا وقويا، ونحن الآن نحضر مذكرة دفاع مصر فى القضية.
● وماذا عن قضية شركة «بوابة الكويت» التى تقاضى مصر أمام «إكسيد» أيضا بسبب رفع سعر الغاز عليها فى مصنع الأسمنت الذى تملكه فى الإسكندرية؟ ما زلنا فى مرحلة الإعداد للتحكيم ومركز إكسيد بصدد تشكيل لجنة التحكيم، وتتابع القضية لجنة مشتركة برئاستى تضم أعضاء قسم المنازعات الخارجية بهيئتنا وممثلين للجهات الحكومية المختصة.
● هل بدأت إجراءات التحكيم الدولى فى قضية شركة ناشيونال جاس التى يساهم فيها مجدى راسخ صهر الرئيس السابق حسنى مبارك؟ اتفقت الحكومة المصرية مع شركة ناشيونال جاس على وقف إجراءات التحكيم حتى 30 سبتمبر الجارى سعيا للوصول إلى تسوية مقبولة، والتفاوض جار لعل الأزمة تنتهى بالتفاوض، والشركة تطالب بفارق أسعار تدعى أنها تكبدته أثناء توليها عملية مد خطوط الغاز الطبيعى إلى محافظة الشرقية.
أما شركة داماك العقارية المملوكة لرجل الأعمال المحكوم عليه بالسجن حسين سجوانى، والتى تم فسخ عقدها مع الدولة فإجراءات التحكيم فيها سارية لكن لم تتحدد جلسة البداية حتى الآن.
● ما السبب وراء رفع كل هذه القضايا ضد مصر أمام التحكيم الدولى؟ 75% من القضايا المقامة ضد الدولة على جميع الأصعدة فى المحاكم المصرية والأجنبية سببها قرارات عشوائية غير مدروسة لا سند لها من القانون ولم يستشر فيها القانونيون، أو عقود اعتراها الفساد ضد مصلحة الدولة والحق العام، وأقرر هذه الحقيقة باعتبارى رئيسا للهيئة التى تتولى بموجب القانون الدفاع عن مصر فى جميع هذه القضايا.
● ما دوركم فى عملية استرداد أموال مصر المهربة إلى الخارج عبر رموز النظام السابق؟ دور الهيئة سيبدأ حينما تنتهى لجان الكسب غير المشروع من تحديد الأموال المنهوبة وأماكن وجودها بالكامل، وسنمثل الدولة المصرية فى تقديم طلبات استردادها عن طريق الهيئة لأنها الممثل القانونى لمصر، وقد تعاقد جهاز الكسب غير المشروع من خلالنا مع مكتب محاماة شهير فى إنجلترا له فروع فى كل دول أوروبا، وفوضناه بكل ما يتعلق باسترداد الأموال المصرية فى الخارج وبصفة خاصة ممتلكات حسين سالم فى إسبانيا.
● هل هناك تطور قانونى فى مسألة حسين سالم؟ ليس هناك جديد غير استمرار المحاولات الجادة لاستعادته أو استعادة أمواله على الأقل، وهذا «النضال القانونى» قد يستغرق بعض الوقت، لكنى أقول لإخوانى المصريين «صبرا إزاء طول فترة المحاكمات والإجراءات القانونية فى الخارج، لأن استعادة الأموال لها معايير معينة وضعتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بطبيعتها تستغرق وقتا».
● باعتباركم وكلاء الخزانة العامة للدولة، متى ستقومون بتنفيذ حكم القضاء الإدارى بتغريم مبارك 200 مليون جنيه والعادلى 300 مليون وأحمد نظيف 40 مليونا فى قضية قطع الاتصالات؟ فور صدور حكم بات من المحكمة الإدارية العليا ضد هؤلاء المسئولين الثلاثة أو أى منهم بالغرامة سوف تقوم الهيئة بالحجز على أموال المحكوم عليهم المتوافرة فى مصر، أو التى يثبت وجودها فى الخارج من خلال الحصول على أحكام قضائية هناك بالحجز على أموالهم أو بمخاطبة قاضى التنفيذ الأجنبى بعد طلب الكشف عن سرية الحسابات الخاصة بالمسئولين الثلاثة.
● هل يمكن أن تفوق هذه الغرامات المبالغ المملوكة للمسئولين الثلاثة؟ هذه المبالغ بسيطة جدا بالنسبة لما ينمو إلى علمنا عن ثروات رموز النظام السابق.
● طالب أعضاء الهيئة مرارا بتعديل قانونها، فماذا فعلتم فى هذا الموضوع؟ هذا الأمر على رأس أولوياتنا، وقد أرسلنا مشروعا لتعديل قانون الهيئة إلى الجهات المختصة، لإضفاء الحماية القانونية والحصانة الكاملة لعمل أعضاء الهيئة وتكريس استقلالها عن أى جهة تنفيذية، حتى لو كانت التبعية شكلية، مع التأكيد على أن الهيئة لم تسمح لأى جهة حكومية بالتدخل مطلقا فى عملها.
● ما أهم التعديلات التى تقترحونها؟ المادة الأولى مثلا من القانون الحالى تنص على أن هيئة قضايا الدولة «هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل» وفى مادة أخرى تحتاج بعض القرارات التى يصدرها المجلس الأعلى للهيئة إلى اعتمادها من وزير العدل لتصبح نافذة، وفى مشروعنا المقترح نصر على استقلال الهيئة تماما بقرارها عن وزير العدل، لأن هذا الاستقلال جزء من استقلالية القضاء المصرى الذى بات تفعيله أمرا حيويا الآن.
● لماذا اعترض أعضاء الهيئة على تشكيل اللجنة العليا للانتخابات رغم أنهم سيشاركون فى الإشراف القضائى الكامل عليها؟ النص المنظم لتشكيل اللجنة العليا للانتخابات فى قانون مباشرة الحقوق السياسية «معيب» لتجاهله ضم أعضاء من الهيئة أو النيابة الإدارية لعضوية اللجنة العليا، رغم أن الهيئتين ممثلتان فى جميع لجان المحافظات واللجان العامة والفرعية والصناديق وكذلك الأمانة العامة، وهذا الاستبعاد لا مبرر له، لأن من يؤتمن على الصندوق الانتخابى يؤتمن على أى شىء آخر، وقد طلبنا من الجهات المسئولة تعديل هذا النص بعد الانتخابات المقبلة.