نادرة هي الأحداث التي يمكن القول بلا أدني مبالغة إنها (هزت العالم) .. وربما يأتي علي رأس هذه الأحداث ما وقع يوم 11 سبتمبر 2001. حين هاجم تنظيم القاعدة بعدة طائرات تجارية أهدافاً في مدينتي نيويوركوواشنطن الأمريكيتين. ما حدث صدم الجميع. حتي إن وسائل إعلام عالمية مرموقة رأت فيه (يوم قيامة أمريكا)، وبداية (حرب عالمية ثالثة). فيما ألجمت الصدمة وسائل إعلام أخري، فاكتفت بنشر صور للدمار الهائل، وأدناها كتبت تاريخ اليوم, 11 سبتمبر 2001، وأياً كان التوصيف الدقيق لما حدث، فإنه أدخل العالم بأسره في حقبة ما أطلق عليها الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأبن (الحرب علي الإرهاب) .. وهي حقبة مازال العالم يدور في فلكها حتي اليوم. وإن اختلفا حول أى من العوامل التالية هو المسئول الأول عن صناعة ما يسميه الغرب ب«الإرهاب الإسلامى»، أشار خبيران مغربى ومصرى فى شئون الجماعات الإسلامية بأصابع الاتهام إلى الأنظمة العربية، والسياسات الأمريكية، والتطرف الغربى. وبينما اتفقا على أن الحرب على الإرهاب «بلا نهاية وزائفة»، تباينت وجهات نظرهما حول تأثير الثورات العربية على سير هذه الحرب بعد عشرة أعوام من اندلاعها. ففى تصريحات ل«الشروق»، يرى أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة المحمدية بالمغرب، الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، دكتور محمد ضريف، أن «تراكم مجموعة عوامل هو ما أفضى إلى ظهور هذا التيار الممثل أيديولوجيا فى فكر السلفية الجهادية وتنظيميا فى تنظيم القاعدة». أول هذه العوامل، والذى يتحمل النصيب الأوفر فى صنع الإرهاب هو سياسيات الأنظمة العربية القائمة على كبت الحريات وقمع الرأى الآخر والاستبداد بالقرار السياسى، تارة باسم القومية وتارة أخرى باسم تحرير الأرض ومواجهة الخطر الإسرائيلى، حتى لم تعد هناك آفاق للتغيير سلميا، ولم يبق إلا خيار العنف تارة باسم الجهاد وتارة بمسميات أخرى»، بحسب ضريف. الأكاديمى المغربى مضى قائلا إنه «فى لحظة من اللحظات، وبعد أن تمكنت هذه الأنظمة من تدجين القومية العربية، بدأ بعضها، لاسيما فى مصر وتونس، فى بناء شرعيته على استئصال التيار الإسلامى، وحينها تعرض الكثير من الإسلاميين للتعذيب والاغتصاب، ففروا إلى الخارج». ما يتفق معه القيادى السابق فى تنظيم الجهاد، الخبير المصرى فى شئون الجماعات الإسلامية، كمال حبيب، قائلا إن «الأنظمة العربية المستبدة تبنت دساتير علمانية، وباتت ملحقة بالسياسات الغربية، وسعت لتأسيس شرعيتها على قمع الإسلاميين بزعم العمل على منعهم من الوصول للسلطة كجزء من محاربة الإرهاب.. وباتت هذه الأنظمة تمثل فناء خلفيا لعمليات المخابرات الغربية، ولاسيما الأمريكية، القذرة، مثل تعذيب المعتقلين المشتبه فى علاقاتهم بالإرهاب». لكن، وعلى عكس ضريف، يرى حبيب فى تصريحات ل»الشروق» أن «السياسات الأمريكية كانت أكثر خطرا فى صنع الإرهاب من استبداد الأنظمة العربية؛ فمنذ القرن التاسع عشر والغرب عامة يعمل على تفتيت العالم الإسلامى واحتلاله ونهب خيراته، ومع نهاية سبعينيات القرن الماضى بدأ ظهور مد إسلامى فى المنطقة يحاول تأسيس نهضة تقاوم الاستبداد فى الداخل والتبعية للخارج». ضمن مساعى الغرب «احتل السوفييت أفغانستان، فحشدت المخابرات الأمريكية والسعودية والمصرية وغيرها ما بات يعرف بالمقاتلين العرب الأفغان لدحر السوفييت الشيوعيين، وعندما أصبح هؤلاء المقاتلون على مشارف العاصمة كابول حرمتهم واشنطن من دخولها وقطف ثمار النصر، وهنا أدركوا أن أمريكا هى العدو.. العدو البعيد الذى يجب محاربته أولا قبل العدو القريب (الأنظمة العربية)، خصوصا مع صعود المحافظين منذ الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، وحديثهم بعد انهيار الاتحاد السوفييتى أواخر الثمانينيات عن الخطر الإسلامى الأخضر»، وفقا لحبيب. بدوره، يرى ضريف أن «سياسيات الغرب، ولاسيما الولاياتالمتحدة، المنحازة للأنظمة العربية على حساب شعوبها، والمتمادية فى دعمها لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، وهى قضية العرب والمسلمين الأولى بامتياز، أسهمت فى صناعة الإرهاب. وقد كانت التيارات الإسلامية سباقة إلى كشف تناقض الأنظمة العربية التى تؤسس شرعيتها على مواجهة إسرائيل، وفى نفس الوقت تحظى بدعم الغرب الموالى لدولة الاحتلال». كما أن «الغرب، وخصوصا الولاياتالمتحدة، عاش تحولات فكرية وثقافية، إذ ظهرت بداية من تسعينيات القرن الماضى دعوات أصولية تجعل من الإسلاميين خصمها الأول، مثل أطروحات برنار لويس وصمويل هنتنجتون.. هذا الدعوات كانت موجودة بالفعل لكن لم يعلُ صوتها على صوت المعركة مع الخطر الأحمر الشيوعى، وما إن انهار المعسكر الشيوعى حتى سمح الغرب لهذه الدعوات التى تتحدث عن خطر أخضر إسلامى بالظهور»، بحسب الأكاديمى المغربى. ضريف يضيف أنه «مقابل عملية تشويه الإسلام والإساءة إليه فى الغرب، تبنت تيارات إسلامية فى العالم العربى والإسلامى أيديولوجية عدائية للغرب، وتطور الأمر لدى البعض إلى تبنى الإرهاب ضد الغرب والأنظمة العربية المستبدة، وخصوصا فى مصر والسعودية». ويصف الدعم الغربى والعربى للمقاتلين العرب ضد القوات السوفيتية فى أفغانستان (1979: 1989) بأنه كان «ضمن إستراتيجية أمريكية لتطويق العالم الشيوعى بمجموعة جمهوريات إسلامية، وحينها لم يدرك الغرب أنه يصنع تنظيما سيواجهه يوما ما، إذا لم تتشكل القاعدة إلا بعد انتهاء هذه الحرب». وعن تشخيص واشنطن للإرهاب، يقول ضريف إنها «تحصره فى القاعدة والتنظيمات المرتبطة بها، وتعمل على تحييد وقتل قيادات هذه التنظيمات»، مشددا على أن «هذه الحرب لا نهاية لها، فكل قائد ستقتله أمريكا سيظهر خليفة له تماما كما جاء الظواهرى بعد بن لادن.. القاعدة أفكار تنتقل بسهولة ولا يمكن قتلها أكثر من كونها كيانا». غير أن حبيب يراها «حربا بلا مستقبل.. حربا زائفة، إلا أنه توجد لوبيات جمهورية متطرفة ذات طابع أصولى إنجيلى تنفذ سياسات صهيونية لا تريد لهذه الحرب على ما يقولون إنه إرهاب إسلامى أن تنتهى.. لقد أنهكت هذه الحرب ميزانية وقوى أمريكا حتى بات بعض المفكرين، مثل فريد زكريا، يتحدثون عن عالم ما بعد أمريكا». رئيس مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية فى حوار ل(الشروق): علاقة أوباما بمسلمى أمريكا .. فاترة جدًا فشل أمريكى فى العراق وأفغانستان بن لادن.. أبو القاعدة الظواهرى.. الزعيم المنهك القاعدة فى مرحلة الشيخوخة 6 حقائق لا تعرفها أوباما.. قاتل (الجيرونيمو) أسوأ سجون العالم بوش.. (المحارب الصليبى)