إن هي إلا ساعات معدودة وينقضي شهر الخير، شهر الرحمة، شهر الأمن والأمان، ويأتى العيد ليكون فرحة حقيقية لكل من أدى الفريضة على أحسن حال وحقق التقوى قولا وعملاً كما أخبر المولى سبحانه وتعالى ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) [البقرة: 183]. ويأتي العيد ليعلن عن فرحة حقيقية لكل من صام وقام إيمانا واحتسابا لله تعالى، لصلاة العيد فضل كبير، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها وحثَّ عليها، فقيل هي سنة، وقيل: بل هي فرض عين، لا يجوز تركها، وقيل إنها من فروض الكفاية، لأنها شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، فلا يجوز لأهل الإسلام تركها. وفضلها كبير، فقد واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، وهي محل شكر لله وتعظيم شعائره، وفيها اجتماع لأهل الإسلام، وإظهار لفرحهم بعيدهم، وفيها تظهر هيبة الإسلام وأهله. وقد جاء في بعض الآثار: في كتاب الترغيب والترهيب (2/61): "فإذا كانت غداة الفطر بعث الله عز وجل الملائكة في كل بلاد، فيهبطون إلى الأرض، فيقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت يسمع من خلق الله عز وجل إلا الجن والإنس، فيقولون يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل للملائكة ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا جزاؤه أن توفيه أجره، قال فيقول: فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان، وقيامهم رضاي ومغفرتي، ويقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي لا تسألوني اليوم شيئا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم، ولا لدنياكم إلا نظرت لكم فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم، فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطي الله عز وجل هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان"."رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقي " إنها فرصة حقيقية لكي يعلن أبناء مصر اتحادهم وتوافقهم، وقبلتهم واحدة كما كانت دوما، والتحرير رمز للثورة ورمز للتسامح، ومنه خرجت رسائل للعالم أجمع تقول أن أبناء مصر نموذج يجب أن يسعى الجميع إلى تمثل خصاله الطيبة، ولعل الدعوة إلى إقامة صلاة العيد في ميادين مصر ومنها ميدان التحرير، تمثل نموذج رائع يعبر عن وحدة وتضامن أبناء مصر، ولكن بعيدا عن لغة الاستعراض، محاولة إثبات غلبة طرف ما على حساب باقي الأطراف، وتلك رسالتي الأولى إلى الجميع، حيث يجب أن يكون الإيثار هو الخصلة السائدة بين الجميع، وليعود التحرير نموذجا يسجل تضامن كافة القوى والفصائل، بعيدا عن لغة الإقصاء، أو الاستعراض، راية الجميع واحدة، ومطلب الجميع واحد، ألا وهو استكمال واستحضار روح الثورة، ولكن في صورة المجموع العام، الذي يجتمع فيه المسلم والمسيحي، وتلتقي فيه كافة التيارات والفصائل السياسية والفكرية. ورسالتي الثانية تتمثل في دعوة الجميع إلى إقصاء لغة الخطاب الفردي، والعودة إلى إعلاء شأن الوطن، ومصر فوق الجميع، والكل يعمل من أجل الوطن، الذي استباحه النظام السابق، وعزل أبناءه عنه، فكان ما كان من فرقة وتمزق على مدار عقود عدة سابقة. نعم فقد حان الوقت لكي يعلن أبناء مصر للجميع أنهم بالفعل كيان واحد، يسعى إلى تحقيق هدف واحد، ألا وهو أمن مصر ونهضتها، وكرامتها. ورسالتي الثالثة تتمثل في دعوة كل أبناء مصر إلى التكافل، نعم فقد رأينا التكافل في رمضان، ولكن نريد أن نراه نموذجا واضحا بعد رمضان، في مصلى العيد نريد أن نرى التكافل بكافة صوره، نريد أن نرى حراك مجتمعي هادف، يجمع الجميع تحت مظلة واحدة، وبالأمس القريب رأينا نموذج أحمد الشحات، ذلك الشاب الذي صعد إلى مقر سفارة إسرائيل، في دلالة رمزية، لكي يعلن للعالم أجمع أن المصري له قيمة كبرى، وأن النظام السابق الذي تفنن في لغة الإقصاء لأبناء مصر، لم يعد له وجود، وأن هناك ملايين أمثال ذلك الشاب الذي يحمل مؤهلات نفسية ووجدانية تستطيع أن تعيد لمصر رونقها الحضاري الذي فقدته لعقود نتيجة فقدان دور الشباب. ورسالتي الأخيرة إلى كل من يقف خطيبا في صلاة العيد، وحدوا لغة الخطاب، واستلهموا في الناس معنى العزة والكرامة، اجعلوا الناس تستحضر القيم الأخلاقية التي أصلها الصيام في نفوسهم نريد خطاب يوحد أبناء الشعب، بل يوحد أبناء الأمة، وعليكم بالدعاء لكل من يبحث عن التحرر من عبودية النظم المستبدة، فما أجمل أن ترى الحرية نموذجا يجسده أبناء الأمة في أقوالهم وأفعالهم. والله نسأل أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.