الشهداء هم أيقونة الثورات.. النار التى تشب فى أحشاء الشعوب فتزيد من لهيب ثورتهم وإصرارهم على الإطاحة بالظالمين.. هم نن عين الوطن.. فلذات أكباده.. سفراؤه إلى عالم الكمال الذى يصرون على الذهاب إليه من دون تردد.. ولذلك لا نستغرب إذا وجدنا أن قطرات دمائهم الذكية هى التى تسطر أول حروف فى كتاب الحرية.. حرية الوطن.. وحرية المواطن. وإذا كانت ثورة 25 يناير قد قدمت مئات الشهداء والمصابين.. عبدوا بأجسادهم طريقنا نحو الحرية، فإن قادة ثورة 23 يوليو يرون أنها قدمت شهداء أيضا.. لكن بنظام الدفع المقدم فى حرب فلسطين 1948.. أولئك الرجال الذين قدموا أرواحهم قربانا للذود عن مدن الزيتون.. ومهد المسيح.. ومسرى النبى محمد. الاحتفاء بالشهداء فى أعقاب ثورتى 23 يوليو و25 يناير يعتبر مظهرا آخر من مظاهر التشابه بينهما.. فبعد سقوط الملكية ونجاح الضباط الأحرار فى استعادة مصر كما فعل شباب 25 يناير جاء الدور على تكريم شهداء حرب فلسطين، التى كانت سببا حصريا لثورتهم. وفى الذكرى الأولى لهذه الحرب بعد الثورة (مايو 1953) عاشت مصر أجواء تشبه ما نعيشه اليوم من تكريم لأسر شهداء 25 يناير.. تجلى هذا الاحتفال بنقل رفات الجندى المجهول من غزة إلى مصر فى موكب احتفالى مهيب.. قالت عنه مجلة «المصور» «تقاطرت جموع المصريين على القاهرة من كل حدب وصوب، أقبلوا يهرولون كأنما هم على موعد مهم يؤثر على صميم حياتهم.. وكل واحد منهم يفتش لنفسه عن منفذ صغير، يمتع منه العين بمرأى موكب الشهيد.. فامتلأت الشوارع والميادين والنوافذ والشرفات وكل شبر من الشوارع التى يجتازها الموكب». وتواصل وصف الموكب الذى سار فيه الرئيس محمد نجيب منذ وصوله محطة مصر قادما من فلسطين إلى أن وصل ميدان التحرير، قائلة «وبلغ الموكب الكبير ميدان التحرير فى الساعة 4.20 عصرا.. وكان الميدان عبارة عن رءوس.. آلاف من الرءوس يتطلع أصحابها إلى موكب البطل.. البطل الذى لا يعرفون اسمه.. لكنهم يقدرون بطولته». شهداء حرب فلسطين تقول المراجع إن عددهم وصل إلى 100 ضابط و861 من الجنود وضباط الصف، وفى احتفال الثورة الأول بهم كتب الرئيس نجيب الذى كان قائد ثان القوات المصرية المشاركة فى هذه الحرب مقالا يقطر اعتزازا بهؤلاء الشهداء فى عدد «المصور» الصادر فى 2 رمضان 1372ه الموافق 15 مايو 1953م، قال فيه: عندما تكالبت الذئاب على التهام فلسطين واقتسام الأرض الطيبة التى شهد التاريخ أنها بلاد كرامة، وأحاطت عناصر الشر بهذا البلد الآمن الوادع.. تحرك جيش مصر الباسل ليرد قوى الشر والعدوان عن وطننا العربى، ولم يكن هناك واحد من ضباطه وجنوده لم تكن لديه الرغبة فى التضحية فتسابقنا فى ساحة النضال.. وقد وضعنا نصب أعيننا أملا واحدا وهدفا واحدا، هو أن يكتب الله النصر للعرب (...). وارتوت أرض فلسطين بدماء أبنائنا الزكية الطاهرة، وليست دماؤنا وحدنا هى التى أريقت فى فلسطين بل إن الأعداء أيضا دفعوا الثمن فادحا، وهذه حقيقة اعترف بها اليهود أنفسهم، وشهد بها المحايدون الذين شهدوا الحرب هناك.. أولئك الذين شهدوا للجندى المصرى بأنه أعظم جنود العالم إذا استكمل سلاحه وعتاده. ولسوف تظل حرب فلسطين ماثلة فى ذهنى بأبطالها وأحداثها وشهدائها.. ولن تغيب من عينى أبدا بسالة شهدائنا الأبطال. إن هؤلاء الشهداء الذين سبقونا إلى الجنة هم رمز الوطن والمثل الأعلى فى التضحية لكل من يريد مثلا رفيعا فى التضحية.. سلام على الشهداء.. وسلام على ذويهم.. وتحيا مصر».