تبدو مظاهر العسكرة الطاغية على ميدان التحرير أمرا مبالغا فيه، خصوصا أن المعتصمين انفضوا منه منذ أسبوع تقريبا، ولم يعد هناك داع لأن نحشد هذه الأعداد الهائلة من جنود وضباط الجيش والأمنى المركزى، إلا إذا كان هؤلاء يستمتعون بحرارة الشمس الحارقة فى هذا الصيف القائظ. إن بقاء الجنود والضباط بهذه الكثافة على أرضية الميدان يبعث برسالة سلبية بأن هناك ثمة خصومة ما مع الميدان كرمز لهذه الثورة وعنوان لها، بل كان أياما طوالا وسيبقى ذلك المكان العبقرى الذى تهوى إليه أفئدة المحبين لهذا البلد ممن صنعوا ثورته وضحوا من أجلها ولايزالون يضحون. كما أن هذا الاحتشاد أو التأهب الذى يخيم على الميدان من شأنه أن يخدش تلك الصورة الذهنية الجميلة عن قيمة الجندية والشجاعة، ذلك أنه لا يليق بجيش يتكون من جنود قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام إنهم خير أجناد الأرض، أن يبقى واقفا فى الميادين والطرقات ينظم المرور وحركة السير والباعة الجائلين، ويمنع المواطنين من الجلوس فى الميدان. وما جرى مع مجموعة الشباب التى ذهبت لتناول إفطار رمضان فى حديقة الميدان أمس الأول أمر يدعو للدهشة والحزن والأسى على الطريقة التى يعامل بها المواطن المصرى بعد الثورة، وكما روى شبان وشابات فإن اعتداء بدنيا وقع على عدد منهم ومنهن، بل إن هناك من تحدث عن ضرب بالبيادة، بدون أية مقدمات. وحسب رواية من ذهبوا لحفل الإفطار الجماعى بالميدان والمعلن عنه منذ ما قبل دخول شهر رمضان، فإنهم ما أن انتهوا من إفطارهم وبدأوا الاستعداد لمغادرة الميدان فى الطريق لسرادق عزاء الشهيد محمد محسن بمسجد أسد بن الفرات، حتى فوجئوا بالاعتداء عليهم وضربهم، ليس من قبل قوات الأمن المركزى هذه المرة، ولكن الشرطة العسكرية. ولعل الجميع يذكرون أن ميدان التحرير قبل ثورة 25 يناير كان ملتقى لبسطاء الشعب المصرى يفترشون خضرته أو يجلسون على أرصفته كمتنزه منخفض التكلفة، وجاءت الثورة وصار الميدان هو البيت والمعبد والمتنزه وساحة الحوار وأيقونة الحلم بالأفضل، وبالتالى كان من المفترض ألا يضرب أحد علاقة المصريين بميدانهم أو يحرمهم منه ويحرمه عليهم. غير أن الأيام أثبتت أن هناك من أصيب بمرض عضال والعياذ بالله اسمه «التحرير فوبيا» تتجلى أعراضه على هيئة شتائم واتهامات بالبلطجة لرواد الميدان ومعتصميه، ثم تلغيمه بكائنات غريبة عليه لتشويه صورته وتفجيره من داخله، وأخيرا طرد وضرب سكانه الأصليين وخنقه بالأحذية الثقيلة والوجوه المتجهمة التى تفرغت لمطاردة كل من يحاول ملامسة أرضه. أيها السادة: التحرير هو ميدان الثورة، وأى اعتداء على التحرير هو اعتداء على الثورة وإهانة لها.. رغم أنف الفلول والروكساويين ومن لف لفهم بعجلة الإنتاج.