نافع هو أبو عبد الرحمن الليثي مولاهم المدني، إمام أهل المدينة، أصله من أصبهان، كان أسود اللون حالكا، أخذ القراءة عرضا عن جماعة من التابعين في المدينة، قال نافع: قرأت على سبعين من التابعين. جلس للإقراء في المدينة أكثر من سبعين سنة، وكان إذا تكلم يشم من فمه رائحة المسك، فسئل: أتتطيب كلما قرأت تقرئ الناس!؟، قال: ما أمس طيبا، ولكني رأيت فيما يرى النائم أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في فيَّ، فمن ذلك الوقت أشم من فيَّ هذه الرائحة. قال عنه تلميذه قالون: كان نافع من أطهر الناس خلقا، ومن أحسن الناس قراءة، وكان زاهدا جوادا، صلى في مسجد رسول الله 60 سنة، وتوفي سنة 169 ه رحمه الله تعالى رحمة واسعة. أما ورش فهو عثمان بن سعيد بن عبد الله، أبو سعيد المصري، لقبه نافع "ورشا" لبياضه، وهو شيخ القراء والمحققين بمصر في زمانه، ولد بمصر سنة 100 ه، ورحل إلى نافع فعرض عليه القرآن عدة ختمات، وذلك سنة 155 ه. قال عنه يونس بن عبد الأعلى: كان ثقة حجة في القراءة، حسن الصوت، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدد ويبين الإعراب ولا يمله سامعه، وإليه انتهت رئاسة القراءة في مصر في زمانه، وفيها توفي سنة 197 ه. ورواية ورش عن نافع' هي إحدى الروايات المتواترة التي يُقرأ بها القرآن الكريم، ولدى ورش اختلاف عن أستاذه نافع، ذلك أنه كان قد قرأ على شيوخ له مصريين في مصر قبل أن يرحل إلى نافع. فلما رحل إلى نافع في المدينةالمنورة، قرأ عليه أربع ختمات بأوجه عديدة كان قد تحملها عن شيوخه المصريين. فوافق ذلك بعض الأوجه التي كان نافع تحملها عن شيوخه السبعين، فأقره على قراءته. فقالون قد طابقت قراءته اختيار شيخه نافع. أما ورش –وإن كانت قراءته عن نافع عن مشايخه المدنيين– فقد خالفت اختيار نافع. لكن كون نافع أقره على ما وافق بعض مشايخه المدنيين وصح عنده، وكان هذا قد صح كذلك عند ورش عن مشايخه المقيمين في مصر، فيستحيل تواطؤ هؤلاء على الخطأ. ثم وجدنا ورشاً قد صار شيخ قراء مصر بلا منازع في زمانه، فهذا يدل على إقرارهم بإتقانه. هذا مع معرفتهم بقراءة أهل المدينة نتيجة مرورهم بها أثناء الحج، فضلاً عن معرفتهم بقراءة مشايخهم المقيمين في مصر. فلا شك بعد ذلك بتواتر قراءة ورش.