تبدأ اليوم جلسات محاكمة الرئيس السابق ونجليه ووزير داخليته وغيرهم من رموز نظام استبداد وفساد الثلاثين عاما الماضية. وبغض النظر عن سير الجلسات وما ستسفر عنه، نحن اليوم على موعد مع انتصار عظيم للإرادة الشعبية ولسيادة القانون يستحق التدبر. منذ اليوم الأول بعد إزاحة مبارك، والمصريون يطالبون بمحاكمته هو وكل من تورط فى قتل شهداء الثورة. البعض كان يرى فى هذا دربا من الجنون ويثير الشكوك. كيف لرئيس سابق لم يعرف إلا السلطات والصلاحيات المطلقة أن يحاكم؟ هل يمكن لنا فى مصر، ونحن لم نعرف رئيسا سابقا على قيد الحياة منذ أطيح بمحمد نجيب، أن نصل برئيس سابق إلى قفص الاتهام ونحاسبه على القتل والاستبداد والفساد؟ هل ستقبل المؤسسة العسكرية التى تدير شئون البلاد والرئيس السابق من المنتمين لها أن يحاكم وتفتح علنا ملفات جرائم نظامه؟ هل ستقبل نظم حكم عربية مجاورة ربطتها بالرئيس السابق علاقات تحالف أن تراه ماثلا أمام القاضى وأمام الرأى العام المصرى والعربى متهما بالقتل والفساد، وهى التى لم تر أبدا حاكما يحاسب؟ نعم كان من الصعب توقع ما سيسفر عنه الشد والجذب حول محاكمة الرئيس السابق، إلا أن إرادة المصريين كان لها الكلمة العليا. لم تغب المطالبة بالمحاكمة عن مظاهرة أو احتجاج أو اعتصام خلال الاشهر الماضية، ولم تتراجع عنها أو تساوم عليها القوى السياسية والوطنية وممثلو أسر الشهداء. وبكل تأكيد، أسهم الاعتصام الأخير بجانب التغييرات الوزارية والسياسية التى أنتجها، فى تسريع وتيرة الإجراءات المتعلقة بمحاكمة مبارك وفرض علنيتها. تماما كما انتصرت الإرادة الشعبية أيام الثورة وأزاحت الرئيس السابق على الرغم من الكثير من المؤمرات الداخلية والخارجية، انتصرت مجددا بفرض المحاكمة العلنية للرئيس السابق رغما عن مماطلة وتردد ومخاوف كان من الطبيعى أن تأخذها السلطات فى الاعتبار. انتصار للإرادة الشعبية، وكذلك لسيادة القانون. يمثل الرئيس السابق اليوم أمام القاضى الطبيعى المدنى، ولا يساءل أمام محكمة عسكرية أو استثنائية. مبارك الذى تعقب وقمع معارضيه موظفا أداة المحاكم العسكرية والاستثنائية وانتهك بذلك دوما كافة معايير المحاكمات العادلة، رفض وعى الشعب المصرى العظيم إلا أن يساءله أمام القاضى الطبيعى ومع كفالة كافة حقوقه وضماناته كمواطن برىء حتى تثبت إدانته. وما علنية المحاكمة، شريطة التزام الإعلام بالمهنية والابتعاد عن الإثارة، إلا ضمانة من ضمانات الحقوق والعدالة. هذا يوم عظيم فى مسار الثورة المصرية، يوم لانتصار الإرادة الشعبية وسيادة القانون. هذا يوم عظيم للمصريين وللعرب الذين يرون للمرة الأولى حاكما سابقا يساءل أمام القاضى الطبيعى على قتل أبناء شعبه فى الوقت الذى يرتكب غيره من الحكام نفس الجرائم دون أن يتعظوا من مصير مبارك وأعوانه. هذا يوم عظيم لنا، دعونا لا نفسده بخروج عن النص أو بترويج لثقافة التشفى أو بعدم الالتزام بمعاملة الرئيس السابق باحترام.