دخل أكثر من 1700 سجين فى كاليفورنيا، يقبع كثير منهم فى زنازين منعزلة، إضرابا عن الطعام. وبدأ احتجاج سجناء وحدة سكن الأمن فى سجن ولاية بليكان باى. ولا يعرف أحد على وجه اليقين، كيف تمكنوا من التواصل مع بعضهم البعض، ولكن احتجاجهم أثار قلق الجميع. فقد وضع العديد من هؤلاء السجناء فى عزلة تامة تقريبا وعجز قسرى عن ارتكاب أى جريمة، حتى لو كانت مخالفة مزعومة للوائح السجن. وقد تحول الحبس الانفرادى من أداة لفرض الانضباط حسب مقتضى الحال، إلى شكل واسع النطاق من أشكال الاحتجاز الوقائى. وكانت المحكمة العليا خلال العقدين الماضيين، قلصت باطراد حقوق السجناء إلى حد بعيد، وأوكلت فعليا إلى جميع مديرى السجون السلطة الكاملة على كل من يضمهم «العزل الإدارى». وفى 1995، أقر القاضى الفيدرالى ثيلتون هندرسون، بأن ما يسمى بالاحتجاز المشدد «يمكن اعتباره أقصى ما يمكن احتماله إنسانيا». على الرغم من أنه رأى أنه يظل مقبولا بالنسبة لمعظم السجناء. غير أن ستيوارت جاريسون، أستاذ الطب النفسى بجامعة هارفارد، وجد أن البيئة «مسمومة بشكل لافت للنظر»، مما ينتج عنها الهلاوس، وجنون العظمة، والأوهام. وفى مقابلة مع برنامج «60 دقيقة»، وصف ذلك بأنه «فظاعة تزيد كثيرا» على عقوبة الإعدام. ويدعى مسئولون فى بليكان باى بكاليفورنيا الشمالية، أن هؤلاء المحتجزين فى وحدة السكن الأمنية، هم « الأسوأ». غير أنهم فى كثير من الأحيان يكونون هم الأضعف، خاصة المرضى عقليا، من غير الأكثر عنفا، الذين ينتهى بهم الحال إلى عزلة إلى أجل غير مسمى. ويتم بصورة اعتباطية وتعسفية تحديد من يوضعون قيد العزل، عبر التركيز على أولئك الذين يعتقد أنهم مشاغبون، أو مكروهون ببساطة من ضباط السجن، والأهم من ذلك المتهمون بأنهم أعضاء عصابة. وغالبا ما لا تستند هذه القرارات على أدلة. وقبل إنهاء العزلة الوحشية المفروضة على النزلاء 22 ساعة يوميا، وتحويلهم إلى ظروف السجن العادية (التى هى نفسها مخزية) ينتظر منهم غالبا «تقديم معلومات» أو الوشاية ببقية أفراد العصابة. حيث يمكن خروج أولئك المحتجزين إذا ما أفشوا أسماء، ولكنهم لو فعلوا ذلك، من المحتمل أن يتعرضوا للقتل عندما يعودون إلى السجن العادى. ويعنى «إفشاء معلومات» أن يصبح النزيل مستهدفا من قبل أفراد العصابة بالقتل؛ ومن ثم ينقل السجين إلى «الحبس الوقائى» وهو شكل آخر من أشكال الحبس الانفرادى. ويعتبر الإضراب عن الطعام، السلاح الوحيد الذى لم يستخدمه هؤلاء المساجين. فالسبل القانونية مغلقة، والتواصل مع العالم الخارجى مقيد حتى أنه صار بلا معنى، حتى مع أفراد العائلة. حيث ينتزع ما بحوذة السجين الورقة والقلم، وأدوات الاطلاع، وصور أفراد الأسرة، بل حتى الرسومات باليد فربما تحتوى رسائل مشفرة بين أفراد العصابة، مثلما قيل لنا، كما أن فقدانها قد يقنع السجناء بالوشاية، عندما تفشل كل وسائل الحرمان الأخرى. ويتجلى فقر نظريات علم الإجرام لدينا فى الرد الرسمى على الإضراب عن الطعام. حيث يعتبر رفض تناول الطعام الآن تهديدا أيضا. وتدرس السلطات الإجبار على التغذية.. ومن المرجح أنهم سينفذون ذلك، مثلما حدث من قبل وقد يكون مستمرا حتى الآن فى جوانتانامو (فيما قد يكون انتهاكا للقانون الدولى). وفى صيف 1996، زرت اثنين من «الوحدات الإدارية الخاصة» فى مجمع سجون ولاية أريزونا فى فلورنسا. وتفاخر سجان بأن إحدى الوحدتين كانت النموذج الذى أنشئ عليه بليكان باى. وقادنى عبر الممرات إلى طوابق نظيفة تماما، ولا يوجد طلاء على الجدران. وعلى الرغم من أن الممرات كانت مفتوحة، فإن الزنازين بلا نوافذ. وتحتوى كل زنزانة على سرير أسمنتى مصبوب، ومرآة من الصلب، وحوض للوجه ومرحاض فحسب. ولم يكن مسموح للنزلاء بأى تواصل إنسانى إلا وهم مكبلون بالقيد الحديدى أو الغلال ليغادروا الزنازين أو أثناء إخلاء الزنازين الوحشية غالبا. كتب لى نزيل معترفا بعار صار ملموسا وحقيقيا: «إذا كانوا لا يلمسونك إلا عندما تكون فى طرف السلسلة، فهم لن يعتبروك إلا كلبا. الآن أستطيع أن أرى وجهى فى المرآة. لقد فقدت وزنى، ولا أستطيع أن أشعر باتزان». فهل نرسخ أخلاقنا بأن نجبر السجناء على العيش فيما وصفه القاضى هندرسون بأنه «معاناة لا معنى لها» و«بؤس رهيب» وربما يتعين أن يتضمن رد فعلنا على الإضرابات عن الطعام على قدر من التأمل الذاتى. وربما تكون الوسيلة الوحيدة للرد على السجناء الذين كان رد فعلهم الوحيد على المعاملة الوحشية هو تجويع أنفسهم حتى الموت، أن نفعل ما لا يمكن تصوره نعاملهم كما يعامل البشر.