لماذا انقلبت التيارات الإسلامية على التوافق الوطنى الذى سبق جمعة الإرادة الشعبية ووحدة الصف؟ لماذا تحول ميدان التحرير إلى ساحة لشق صف القوى الوطنية وجموع المواطنين برفع شعارات خلافية كتطبيق الشريعة والدولة الإسلامية؟ لماذا تحول الميدان إلى ساحة هجوم على دعاة الدولة المدنية والتيارات الليبرالية فى مقدمتها تارة بتكفيرها وتارة بالتشكيك فى التزامها بالإسلام وتارة ثالثة بتخوينها وتجريمها؟ لماذا مارست التيارات الإسلامية علنا احتكار الحديث باسم الدين فى السياسة وحولت المخالفين لها إلى خارجين على شرع الله؟ لماذا لم يفعل الإسلاميون، وبخاصة حزب الحرية والعدالة والجماعة الإسلامية والفصيلان وقعا على البيانات التوافقية التى صدرت يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، الالتزام بهدف استكمال مطالب الثورة ورفع شعار الإرادة الشعبية بمضامين ترفض الوصاية على المصريين دون إقصاء أو استبعاد لطرح ورؤى فصائل أخرى؟ ما حدث فى ميدان التحرير أمس الأول أظهر وبجلاء شديد محدودية قدرة التيارات الإسلامية على بناء توافق مجتمعى واسع والالتزام بالتعهدات التى قبلتها فى حوارات مع القوى الوطنية الأخرى، بل إن التيارات هذه وفى مسعى غير حميد لتفسير سلوكها يوم الجمعة تنصلت من البيانات التوافقية التى وقعت عليها بادعاء أن من وقع على البيانات لا يمثلها. فهل لا يمثل الدكتور صفوت عبدالغنى الجماعة الإسلامية، وهو كان ممن صاغوا بيان القوى الوطنية الصادر عن اجتماع «الشروق» يوم الثلاثاء الماضى ونص على الالتزام بالمطالب التوافقية؟ هل لا يمثل الدكتور محمد البلتاجى حزب الحرية والعدالة وهو شارك فى اجتماع «الشروق» أيضا ووافق كتابة على البيان؟ ما حدث فى التحرير، الذى رفعت به أعلام غريبة عنه ورددت به شعارات لم نسمعها لا أيام الثورة المصرية ولا خلال الأشهر الماضية، دلل على أن التيارات الإسلامية مازالت أسيرة ممارسة استعلائية باتجاه التيارات الأخرى انطلاقا من حضورها الجماهيرى وقدرتها على الحشد. فلا تعهدات تحترم ولا امتناع عن خطاب التخوين والتكفير يفعل بجدية، بل استئثار بالميدان وبرمزيته لتتحول الشعارات واليافطات من ديمقراطية وعدالة اجتماعية إلى «إسلامية رغم أنف الليبرالية» وليتحول شعار «إرفع رأسك فوق أنت مصرى» إلى «ارفع رأسك فوق أنت مسلم» . عاد المشهد السياسى المصرى إلى مربع الاستقطاب مجددا، بعد أن تفاءلنا بإعادة إنتاج جمعة الثورة أولا وبإظهار تمسك جميع التيارات ببناء دولة الديمقراطية ومجتمع العدالة الاجتماعية. عدنا للاستقطاب بين دعاة الدولة الدينية وبين دعاة الدولة المدنية وبخطاب من الفريق الأول يحتكر الدين ويتهم الدولة المدنية بما ليس فيها، بالكفر وإقصاء الدين. هذا المشهد، وبعد أن تنصل حزب الحرية والعدالة برفضه للحوار حول المبادئ الدستورية عملا من وثيقة المبادئ الأساسية للنظام السياسى التى أصدرها التحالف الديمقراطى من أجل مصر، يستدعى وقفة جادة من كافة القوى الداعية للدولة المدنية والتى لم يعد لها مكان لا فى التحالف الديمقراطى ولا فى محاولات التنسيق الانتخابى مع الإسلاميين. من هنا أدعو إلى تشكيل الكتلة الوطنية للدفاع عن الدولة المدنية وأطالب دعاتها، إن كانوا جادين، بالانسحاب من التحالف الديمقراطى من أجل مصر والتنسيق الانتخابى مع الأحزاب التى ظلت خارج التحالف. مصر التى نريد والتى أرادها ملايين المواطنات والمواطنين الذين صنعوا الثورة هى مصر المدنية التى لا تميز بين مسيحى ومسلم ولا يكفر بها من يدعو إلى حقوق الإنسان وتنظيم العلاقة بين الدين والسياسة. مصر هذه لا تخشى من يشق الصف ويمارس الاستعلاء، بل تواجهه بسلمية وبإيمان بأن الإرادة الشعبية الحقيقية بالفعل لن تفرض وصاية عليها.