لم يكن بوسع القوى الكبرى أن تدين التجربة النووية التى أجرتها كوريا الشمالية الأسبوع الماضى (25 مايو) بطريقة أكثر حدة مما حدث. فقد اعتبر باراك أوباما التفجير الذى أجرته كوريا الشمالية تحت الأرض وهو يساوى فى حجمه القنبلة التى ألقيت على هيروشيما «انتهاكا صارخا للقانون الدولى». وتعهد بالتصدى لكوريا الشمالية كما لو كانت عملاقا عسكريا فى المحيط الهادى، بينما اعتبرت اليابان، الدولة المستعمرة السابقة لكوريا الشمالية، التفجير «جريمة واضحة». وحتى الصين حليفة كوريا الشمالية التى تعانى بسببها منذ فترة طويلة، أعلنت أنها «تعارض بشدة» ما حدث. غير أن كوريا الشمالية قابلت هذه الاعتراضات بمزيد من التجارب الصاروخية، بينما تخطط الدول الأعضاء فى مجلس الأمن الدولى لفرض عقوبات أشد عليها، كما وقعت كوريا الجنوبية على برنامج أمريكى لاعتراض السفن التى يُشتبه بكونها تحمل أسلحة دمار شامل. وقالت بيونج يانج بالفعل إنها سوف تعتبر مثل هذه الخطوة عملا من أعمال الحرب. وبعد نحو 60 عاما من المواجهة التى جعلت من شبه الجزيرة الكورية مقبرة، أعلنت بيونج يانج أنها لم تعد ملتزمة بالهدنة التى أنهت هذه المواجهة وحذرت من أن أى محاولة لتفتيش أو مصادرة سفنها سوف تُقابل «بضربة عسكرية قوية». وعلينا أن نأمل فى أن يظل هذا التصعيد فى خطاب الجانبين مجرد تهديد لفظى، كما كان الحال فى المواجهات السابقة. فحتى الولاياتالمتحدة لا تصدق أن كوريا الشمالية تهدد بالعدوان على كوريا الجنوبية التى تستضيف نحو 30 ألف جندى أمريكى وتستظل بالمظلة النووية الأمريكية. غير أن الفكرة التى نوقشت كثيرا فى الأيام الأخيرة حول عدم عقلانية كوريا الشمالية فى سعيها للحصول على أسلحة نووية، تُعتبر فكرة عبثية. فهى دولة ظلت الولاياتالمتحدة تستهدف تغيير نظامها منذ نهاية الحرب الباردة. كما كانت ضمن الدول الثلاث التى اختار جورج بوش أن يطلق عليها عام 2002 محور الشر، كما سحب بوش علنا تعهدا كان كلينتون قطعه لبيونج يانج «بعدم وجود نوايا عدائية» تجاهها. وفى أبريل 2003، استخلصت كوريا الشمالية درسا واضحا من العدوان الأمريكى البريطانى على العراق. فقد علقت كوريا الشمالية آنذاك قائلة «إن امتلاك الدول التى قررت القوة العظمى الوحيدة فى العالم تركيعها قوة عسكرية رادعة ضخمة يمكن أن يحول دون الهجوم عليها». ولا يمكن أن يكون الدرس أوضح من ذلك. فبين الدول التى تمثل محور الشر بالنسبة لبوش، جرى غزو واحتلال العراق، رغم أنها لم تكن تملك أسلحة للدمار الشامل. ولم يتم المساس بكوريا الشمالية مع أن لديها بعض القدرات النووية، كما أنه ليس مرجحا أن تتعرض لهجوم فى المستقبل. فى حين استمرت الولاياتالمتحدة وإسرائيل فى التهديد بالعدوان على إيران بدون اتخاذ خطوات حقيقية. وبالطبع تختلف إدارة أوباما عن سابقتها. فقد تبنت فى وقت مبكر تجديد الحوار مع كوريا الشمالية، وتحدثت بطريقة ودودة عن مسألة التسلح النووى. لكنه يبدو من المشكوك فيه أن يتأثر النظام فى بيونج يانج بمثل هذا الحديث، حيث إن لديه ما يكفى من وعود لم تف بها الولاياتالمتحدة، إضافة إلى ما أظهرته جارته الجنوبية مؤخرا من توجه عدائى. وعلى أى حال، كان محتوما أن يعاود النظام الحاكم فى كوريا الشمالية محاولة لم تكتمل فى 2006 كى يؤكد وضع بلاده كقوة نووية غير مشكوك فيها. غير أن الأمر لا يقتصر على أن الحماس الأمريكى الشديد لغزو دول أخرى منذ بداية التسعينيات أدى إلى تحفيز الدول على الواقعة على خط النار الأمريكى للحصول على أسلحة من أجل تأمين نفسها. لكن الدول النووية الأساسية أصبحت المحفز الرئيسى على انتشار التسلح النووى، نتيجة إصرارها على عدم التحرك بجدية فى اتجاه نزع أسلحتها النووية. ولا تقتصر القضية على النفاق الهائل فى جميع البيانات الغربية التى تتحدث عن «تهديد السلام العالمى» بسبب الأسلحة غير القانونية لدى الأعضاء الجدد فى النادى النووى، ولا على المعايير المزدوجة كما ظهر فى الانغماس النووى لإسرائيل والهند وباكستان، بينما تجرى محاصرة ومعاقبة كوريا الشمالية وإيران لأنهما «كسرتا القواعد». غير أن النقطة الأساسية تتعلق بالالتزام المفروض على الدول المالكة لأسلحة نووية بمقتضى معاهدة حظر التسلح النووى وهو المبرر الوحيد لوضع هذه الدول المتميز هو بحث «نزع السلاح بشكل تام». ولكن بدلا من القيام بأى شىء من هذا القبيل، تستثمر الولاياتالمتحدة وبريطانيا فى جيل جديد من الأسئلة النووية. وحتى فى ظل الخطط الأخيرة لتقليص ترسانة الأسلحة الاستراتيجية الروسية والأمريكية، فسوف يتبقى للقوتين العظميين المتنافستين فى السابق آلاف من الرءوس النووية، تكفى لكى تمحو كل منهما الأخرى تماما. إذن يظل السؤال المعضلة هو: لماذا يجب على كوريا الشمالية وهى لم تعد من الموقعين على معاهدة حظر الانتشار النووى ومن ثم لم تعد ملتزمة بقواعدها أن تتعامل مع هذه القواعد كمحفز على عدم التسلح. أما المناشدة الدرامية التى أطلقها أوباما فى براج الشهر الماضى من أجل «عالم بدون أسلحة نووية»، فقد تعرضت للتخفيف عندما حذر من أن هذا الهدف «لا يمكن التوصل إليه فجأة». وفى بداية شهر مايو الحالى، قال محمد البرادعى، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنتهية مدته، إنه بدون نزع القوى الكبرى لأسلحتها النووية بطريقة جذرية، سوف يتضاعف عدد الدول المالكة أسلحة نووية فى غضون سنوات قليلة. ذلك أن هناك «دولا نووية عمليا» تمتلك القدرة لكنها وقفت على مسافة قليلة من تجميع السلاح النووى، كى «تأمن من الهجوم». وهذا ما يفترض الكثيرون أن تفعله إيران، بالرغم من إنكارها وجود أى مصلحة لديها فى الحصول على أسلحة نووية. وتتزايد الدلائل على أن الإدارة الأمريكية تتجه لإقرار عقوبات أكثر تشددا ضد طهران بدلا من التفاوض الجاد، كما أشار اثنان من العاملين السابقين فى مجلس الأمن القومى الأمريكى هما فلينت وهيلارى مان ليفيريت فى حديث لصحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضى. وكانت تلك هى أيضا الرسالة التى بعثتها هيلارى كلينتون الشهر الماضى عندما قالت إن المحادثات مع نظام كوريا الشمالية «غير محتملة، بل مستحيلة». لكن هذه المحادثات مطلوبة فى واقع الأمر. فقد وضع أوباما أجندة إيجابية حول معاهدة حظر التجارب النووية وتقليص الأسلحة والسيطرة على المواد القابلة للانتشار. لكن إذا توجهت الولاياتالمتحدة لعقد محادثات أوسع نطاقا بهدف التوصل إلى توحيد الكوريتين وهو ما كان يجب أن يحدث من زمن طويل ونزع سلاح بيونج يانج النووى وانسحاب جميع القوات الأجنبية بدلا من فرض مزيد من العقوبات عليها، فإنها ستكون بذلك قدمت إسهاما تاريخيا فى سبيل السلام. Copyright: Guardian News & Media 2009