"فن القسوة" كتاب جديد لماجي نيلسون، يطرح أسئلة مهمة مثل: العنف للفن، أم العنف للعنف؟ ولماذا يدمن الفن المعاصر كل هذا العنف؟! فيما تدين المؤلفة الأمريكية ماجي نيلسون، وهي شاعرة وناقدة فنية، وناشطة في مجال المساعدات الإنسانية للفئات المستضعفة والمهمشة، ما تسميه بظاهرة "الفن المدمن للعنف". وفي هذا الكتاب، الذي يقع في 288 صفحة، والصادر عن دار نشر نورتون، تستقصي ماجي نيلسون تعبيرات القسوة وألوان الفظاظة، وصور العنف، عبر تلاوين ومنحنيات وتضاريس المشهد الثقافي، سواء في الأدب والشعر والمسرح أو الفنون الجميلة، فيما تبدو مهمومة بما تصفه بالهجوم على الحد الفاصل بين الفن والحياة. ففن القسوة، بالنسبة لها، "يحمل العنف، ويشوه الجمال في إدراك المتلقي"، فيما تلاحظ الناقدة لورا كيبينز، رئيسة قسم الإذاعة والتليفزيون في جامعة "نورث وسترن"، أن البعض يسعى لتبرير كل هذه القسوة وألوان العنف باسم "الحداثة الثقافية"، فيما وصفت هذا الكتاب الجديد بأنه "مدهش ومهام." واعتبرت لورا كيبينتز، في سياق تناولها لكتاب "فن القسوة"، بصحيفة نيويورك تايمز، أن ماجي نيلسون عكفت بإخلاص على تشريح وسائل الإعلام، وخاصة التليفزيون، فضلا عن الوسائط الثقافية، لتخلص إلى أن الإفراط في تقديم ألوان العنف عمل يناهض الثقافة الحقة، ويؤدي إلى تجهيل المتلقي، فيما تصب جام غضبها على ما يسمى "الشعبوية في الفن"، والمزاعم التي يرددها الراغبون في الربح المادي عن أهمية النزول لمستوى المتلقي البسيط. وبإدراك للحقيقة الإنسانية المعقدة، وخطورة تمجيد القسوة وترويج العنف، تقول ماجي نيلسون: "أغلبنا كبشر لديه مخزون مخفي من الشر والحقد والمخاتلة وحب التسلط والسادية والأنانية والدناءة والوضاعة، وببساطة، فإن هذا المخزون المخفي يمكن أن يطفو بمحفز قوي تقدمه الميديا، والوسائط التي تمجد القسوة، وتخلق فائض العنف، دون أدنى شعور بالمسؤولية الأخلاقية أو غايات الفن". وتسخر مؤلفة الكتاب من الأحاديث التي ترددها بعض وسائل الإعلام والميديا المشاركة في تمجيد القسوة، عن استشراء العنف، رغم أن هذه الوسائل والوسائط تتحمل الكثير من المسؤولية عما تشكو منه، وتقول: "عندما يتناهى لسمعي كل هذه الحسرات التي تبثها وسائل الإعلام عن استشراء العنف، أفكر في حمل هراوة من حديد لأضرب بها شخصا ما على أم رأسه". وهكذا تواجه كل تعبيرات الثقافة وتجلياتها السؤال الكبير عن كيفية إزالة هذا العدوان، وشرور العنف، سواء في أفلام الكارتون للأطفال والرسوم المتحركة، فضلا عن أفلام الكبار وأشرطة الفيديو الإباحية والأغاني الزاعقة، وعلى صفحات الكتاب الجديد، يكاد القارئ يسمع الصيحة الملتاعة للشاعرة ماجي نيلسون: "ماذا نفعل فئ فائض العنف؟"، فيما ابتعدت عن الأساليب الوعظية المباشرة، أو النزعة الإصلاحية السطحية، وهي تحاول الإجابة عن هذا السؤال. غير أن البعض، في المقابل، كما تقول لورا كبيبنز، يذهب إلى أن العنف يضرب بجذوره في أعمال أدبية وإبداعية وفنية خالدة لأسماء في حجم وقامة شكسبير وجويا، بل إن النص التوراتي يحوي الكثير من العنف والدم والمذابح. لكن الفارق كبير والبون شاسع بين العنف الرمزي، غالبا في أعمال أدبية وفنية رفيعة المستوى في الماضي، والعنف الذي تروج له الأعمال الأدبية والميديا في الراهن، حيث يتبدى بفجاجة مباشرة، وكأن هذه الأعمال تتبنى دعوة العنف للعنف، قاصدة عن عمد إفساد ذائقة الأجيال الجديدة، وتشويه مدركاتها، وكما تقول ماجي نيلسون: فإن الدراما الجديرة باسمها لا بد وأن تصور الصراع الكبير بين الدوافع الأخلاقية والوحش الذي يختبئ داخل الإنسان، دون تغليب ساذج وانتصار أحمق للعنف والشر. ومن هنا اعتبرت لورا كيبينز، في سياق عرضها ونقدها لكتاب ماجى نيلسون، أن العنف، في الأعمال الأدبية والفنية الخالدة أو رفيعة المستوى، يحض في نهاية المطاف على الفضيلة، ويخدم قضية الحق والخير والجمال، فيسمو بالذائقة، خلافا لتلك الأعمال التي تتبنى العنف للعنف، وتحول الأدب والفن لسلعة معيارها الربح وأرقام التوزيع وشباك التذاكر، فتعيد إنتاج الانحطاط، وتهبط أكثر بذائقة المتلقي. جميل أن يحرض الفن المتلقي على التفكير والنقد، والشعور بعدم الارتياح والغضب حيال الجرائم التي ترتكب على مستويات متعددة في هذا العالم، وهذا كله شيء مختلف، كل الاختلاف، عن الترويج للعنف وتمجيد القسوة باسم الفن، كما تقول مؤلفة الكتاب الجديد بغضب مبرر، وربما يبرر أيضا غضب الشاعرة والناقدة ماجي نيلسون أنها عانت شخصيا من العنف، في عائلتها الكبيرة، حيث تعرضت خالتها عام 1969 للقتل.