هل تحاول حكومة الولاياتالمتحدة اغتيال معمر القذافى؟ ليس بشكل رسمى. فالمعلن أن الولاياتالمتحدة تدعم مهمة حلف شمال الأطلسى لحماية المدنيين. وطائرات حلف الأطلسى تقصف مراكز القيادة والسيطرة التابعة للقذافى. لكن إذا مات القذافى، فسيكون موته فى الغالب بسبب قنبلة فرنسية. ولكن بما أن المعروف هو أن الولاياتالمتحدة تدفع أكثر من خمس تكاليف حلف الناتو، وتوفر على الأقل بعضا من التقنيات الاستخباراتية العالية المستخدمة فى عمليات القصف، ففى حال قتل القذافى فى واحدة من تلك الغارات، فسيكون صعبا على أمريكا إقناع العالم بأن القذافى لم يكن مستهدفا. والرئيس أوباما لن يكون ساذجا إلى حد قول «حيا أو ميتا»، ولقد سبق وقال أمام الكونجرس إنه ليست لديه نية لاستخدام الجيش الأمريكى فى اغتيال القذافى. ولكنه أوضح أنه يريد تغيير النظام وأنه يصدق على غارات الناتو، ومع ذلك فهو يتحمل وإن كان بشكل غير مباشر مسئولية استهداف قتل رأس الدولة. هذه الخطوة ليست صغيرة بالنسبة لرئيس امريكى، ومع ذلك هناك نقاشات صغيرة تدور فى الكونجرس والدوائر الإعلامية حول قضية الاغتيال. يستحق الأمر أكثر من ذلك، يجب النظر إلى تاريخ الاغتيالات، وتحديدا ما إذا كان كل من الرئيس والكونجرس بالفعل يريدان دعم جهود لقتل رؤساء الدول، حتى الاشرار منهم كالقذافى، فبعيدا عن السؤال الأخلاقى، الاغتيال سوف يتسبب فى الانتكاس وعدم الاستقرار. ●●● انتشرت فى دول الغرب عادة الاغتيالات كأداة من أدوات العلاقات الدولية واستمر ذلك حتى أواخر القرن الثامن عشر، ثم تراجعت الدول القومية عن ذلك، بعد أن تقننت قاعدة فى الحروب تمنع تهديد سلامة الرؤساء. كتب توماس جيفرسون إلى جيمس ماديسون فى عام 1789 يقول له» الاغتيال، والسم، والحنث باليمين كلها كانت مبادئ مشروعة فى العصور الوسطى الظلامية، التى تداخلت فيها العصور القديمة بالحضارات الحديثة، ولكنها صارت مكروهة فى القرن الثامن عشر»، وفى عام 1983 رفضت الحكومة البريطانية اقتراح قدمه سفيرها فى برلين باغتيال هتلر بذريعة «عدم تمتعه بالروح الرياضية». وفى أواخر عام 1944 انقسمت الحكومة البريطانية حول خطة لمسئول العمليات الخاصة تقترح تصفية القائد النازى. كتب وارد توماس الأستاذ بكلية «هولى كروس» الكاثوليكية الأمريكية فى كتابه «أخلاقيات التدمير» يقول إن التوجه ضد الاغتيالات تراجع تدريجيا بعد الحرب العالمية الثانية، فلقد تبين أن رؤساء الدول قد يكونون إرهابيين أو مجرمى حرب إن لم يكونوا وحوشا بشرية. وفى عام 1986 بعد أن تبين مسئولية القذافى عن عملية إرهابية تسببت فى مقتل جنود أمريكيين بأحد النوادى الليلية ببرلين، قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بقصف خيمة للقذافى فى ليبيا متسببة فى مقتل بعض أقاربه. وفى عام 2003 حاول الأمريكيون قتل صدام حسين فى ضربتهم الأولى على العراق، اعتقادا منهم، نتيجة لمعلومات استخباراتية خاطئة، أنه خارج بغداد. ومع ذلك كانت القيادة العسكرية الأمريكية قد امرت بمنع الاغتيالات بعد انكشاف مؤامرات استخباراتية لاغتيال الرئيس الكوبى فيديل كاسترو وآخرين فى عام 1975، لكن هذه الأوامر لا تسرى أوقات الحروب. يقول جيفرى سميث جنرال سابق فى المخابرات الأمريكية «قوانين الحروب تسمح بوضوح للدول باستخدام القوة الفتاكة ضد قيادة القوات العسكرية المتورطة معها فى صراع مسلح، لكن علينا أن نكون حريصين عند استخدام مثل هذه القوة كى نضمن ألا نكون مثلا خطيرا يحتذى به». ●●● من المواضيع التى أثيرت بكثرة فى هذا الشأن خلال الأسبوع الماضى، تقنية مثل «القنبلة الذكية» والطائرات بدون طيارين، والتى تسمح للولايات المتحدة بتضييق الخناق على الافراد المستهدفين، هذه الطائرات فعالة، وغالبا ما تساعد على تخفيض الإصابات المدنية. لكنها تحول القنابل التقليدية إلى قناصة، وتتقدم الولاياتالمتحدة فى السباق لتطوير هذه الطائرات، لجعلها أصغر حجما وأقل سمكا فى المستقبل، لتصبح مثل الحشرات أو الطيور، لكننى لا يمكننى تصور أنه ربما بعد وقت غير بعيد تلحق أمم أخرى أو إرهابيون بركب هذا التطور ليستخدموا مثل هذه الاسلحة، ففى النهاية حين هاجمت القوات الأمريكية خيمة القذافى فى 1986، رد القذافى بتفجير طائرة ركاب أمريكية. لم يتم أبدا معرفة ما إذا كان الرئيس أيزنهاور قد أعطى أوامره للاستخبارات الأمريكية باغتيال فيديل كاسترو وزعيم الكونغو باتريس لومومبا فى عام 1960 أم لا.. أعتقد أن الرئيس أيزنهاور كان صائبا حين منع أحد موظفيه من إلقاء مزحة على موضوع قتل لومومبا وقال له: «إن هذا يتجاوز السلوك غير المقبول» ثم أضاف على لسان سكرتيره العام اندرو جودباستر»، نحن لن نناقش مثل هذه الأمور، فحين نبدأ فى مثل هذه الأعمال، لا يمكن معرفة أين ستنتهى».