لا تذهب اليوم إلى ميادين التحرير فى قلب القاهرة والمحافظات، إذا كانت لديك أجندة خاصة للذهاب، تعرف مثلما أعرف أن هناك من يريد اللحاق بالقطار حتى بعد أن غادر محطته، وأن هناك قوى لم تظهر بوضوح خلال الثورة الأولى، وتحاول تعويض خسائر رهانها الخائب مع الثورة الثانية، أيضا هناك وجوه تسعى أن تتطهر، وتغتسل فى قلب الميدان من تقصير مضى، وهذا للحق مقبول وغير مستهجن، لكن المستهجن أن يكون ذلك نفاقا لميدان يحكم الشارع مثلما كانوا من قبل ينافقون سلطة تحكم قبل سقوطها المستحق. فى جميع الأحوال أدعوك وأحرضك أن تكون فى الميدان هذا الصباح، ثق أنك رابح فى جميع الأحوال، لكن هذا الفعل الجماعى الكبير سيحقق أهدافا كبرى ومهمة عندما تلتحم الجزر المنعزلة فى داخله، ويعود ميدان التحرير لسيرته الأولى. هذه المرة أنت لا تذهب لتهتف وتمضى من حيث أتيت، أنت لا تذهب ليسمع الآخرون صوتك، الميدان ليس مكتب بريد لتوجيه الرسائل يا عزيزى، وللأسف عندما صار كذلك ماتت الثورة وضاعت أهدافها ومكتسباتها بين يدى إدارة ترجمت هذه المطالب بلغتها الخاصة فانتهت إلى لا شىء، الميدان أعظم من صندوق «بوستة»، وأقرب إلى صانع قرار وإرادة. لكن إذا كان لابد من الرسائل، فلتكن رسالة قوية عنوانها «لسه الثورة ممكنة»، فلا يجب أن تسمح لأحد أن يظن أنه حقق لك غاية المنى، وأنك مدين له بالكثير لأنه لم يضربك، أو لأنه انحاز لك، وكأنه كان يملك من الخيارات ما يمكن أن يدفعه بعيدا عن هذا الانحياز. الثورة التى قامت فى 25 يناير، يمكن أن تعود، ومازال فى الإمكان أبدع مما كان، وليتذكر الجميع أن حالة ميدان التحرير انتهت باتفاق واضح المعالم بين شعب قام بالثورة، ومجلس عسكرى وحكومة جرى تكليفهما بإدارة هذه الثورة لتحقيق إرادة كان عنوانها «الشعب يريد»، وليس من حق أحد الآن أن يتنصل من هذا الاتفاق أو يتباطأ فى تنفيذ بنوده، أو يعتقد أن إرادة نشأت أعلى وأقوى من إرادة الشعب، أو أن هناك شرعية لأحد يمكن أن تتجاوز شرعية «الشعب الذى يريد» والدولة التى لابد أن تنصاع لهذه الإرادة. أنت الآن فى الميدان، توثق عقد ملكية الوطن الذى امتلكته بالدم، وبالمواجهة وبكسر الخوف، بينما كان غيرك حتى أولئك الذين يديرون شئونك، يتفرجون كالأجانب، ويشاركون فى كل ما جرى من فساد وإفقار وإهانة لآدميتك حتى لو بالصمت. هذا الوطن الذى عادت لك ملكيته فى 18 يوما من الصمود، هناك من حاول أن يستلبك ملكيته ويغرر بك للتوقيع على توكيل غير قابل للإلغاء بالتصرف والبيع، وأنت اليوم فى الميدان لتؤكد أنك لن تمنح لأحد تفويضا مطلقا، وأن من حقك المراجعة والحساب.. «لسه الثورة ممكنة».. وهى ليست دعوة للصدام بقدر ما هى للفهم، ومن لم يعتبر بالسابق كان عبرة للاحق..!