يبدو أن أهل مصر خارج القاهرة والإسكندرية لديهم إحساس متزايد بأن أهل «كايرو» اشتروا البلد لحسابهم وأنهم يأمرون والباقى ينفذ. الرسائل التى تصلنى من قراء كرام من أهالينا خارج القاهرة تؤكد أننا مقصرون قطعا. بعضها متعاطف وبعضها يهاجم. ولكن الأهم أن بعضها يحمل فكرا ورؤية. صديقتى «رنا أشرف» من المنصورة أرسلت لتقول: هذه رسالة غير مرتبة، لكنى قررت كتابتها منذ فترة بعد تزايد حدة الهجوم عليك منذ توليت منصب المستشار السياسى لرئيس الوزراء. أنا أقرأ مقالاتك منذ بدأت الكتابة فى «الشروق»، أى أننى أعرف قلمك من قبل الثورة بوقت طويل، ولم يكن الكثيرون يلتفتون إلى ما تكتب كما هو الحال الآن بعد تغيّر الأوضاع. أعرف جيّدًا أنك مخلص لهذا البلد، وأنك تُدرِك ما تتحدث عنه بحكم تخصصك، وأن المنصب لم يغيّرك كما يدّعى كثيرون ممن وضعوا عقولهم فى آذانهم. اليوم، كل الأصوات العاقلة تتعرض لإرهاب فكرى والطعن فى وطنيتها (على الفاضى والمليان) لمجرد اختلاف الآراء، وهذا ليس بجديد، كنت مصيبًا فى حديثك عن أخلاق المصريين فى مقالك منذ يومين، الجميع يتصوّر أن التغيير يبدأ من خارجه، وكأن الثورة إله خلق شعبًا من الملائكة انبثقوا من التحرير. لا ينتبه الكثيرون إلى الفخاخ الخبيثة المبثوثة لنجاح الثورة على المدى الطويل، وكأن أبناءها يفسدونها بأيديهم. هناك إعلام كان يشكو دائمًا من قهر السُلطة، يتضح الآن أنه إعلام مصالح يفتقد للمهنية، لم تكن مشكلته الأساسية القهر، بل أن يكون إعلامًا مهنيا بالأساس. وهناك قوى سياسية تعالت على من أحيوا مِصر من جديد، معيدين خلافاتهم الحمقاء إلى الصورة كما لو كنا لم نتخلّص من مبارك. اليوم يتحدث بالنيابة عنا كل من هب ودب، وأصبح (الشعب يريد..) هو كارت الرِبح لتمرير إرادة لا تُعبّر عنا. و«لبانة» دم الشهداء سكينة التخوين لكل من ينتقد فعلًا الائتلافات التى لا أعرف ما دورها الآن سوى الحوارات التليفزيونية، والسعى للوجود فى الصورة بأى ثمن. أنا لست فلولًا ولا «حزب كنبة»، شاركت فى الثورة منذ يوم 26 يناير حتى 11 فبراير، وكنت أتظاهر فى المنصورة.. حيث لا ضجيج الإعلام الذى اختزل الثورة فى التحرير وكأننا لم نكُن. هؤلاء المتسلقون على ثورتنا الذين يمارسون على فكرنا إرهابهم يدفعوننا للهاوية بلا تفكير، اليوم لم تعُد ثورتنا هى أفضل الثورات، لا الثورة البيضاء ولا السلمية.. هؤلاء السادة المتمترسون بالكاميرات والمقالات والفيس بوك لا يرون كم أصبح إقناع الناس الذين يعافون السياسة بفضائل الثورة صعبًا. يبدو أن من فَرط غرامنا بإحباط أنفسنا سنُفسِدها بأيدينا كى نُدلّل على ما نخاف منه. ونَظل فى الدائرة. إلقاء اللّوم على مبارك كان سهلًا، اليوم والكرة فى ملعبنا نتبّع نفس الأساليب بعقليات متحجرة وكأننا أفلسنا فكريًا. نناقض أنفسنا، نريد تخفيف قبضة الدولة المركزية وفى نفس الوقت نطالب بأن تقوم مؤسسات الدولة عنا بكل شىء، لأن الاحتجاج أسهل، لا يتطلّب تفكيرًا ولا خطة. لم يكُن مبارك مشكلتنا الوحيدة، ربما لم يكن مشكلتنا الأساسية أصلًا. ربما لو لم نكن نحن، ما كان مبارك. هذا رأى «رنا»، يمكن يكون فيه ما يستحق التأمل.