لم يعرف المخرج الأمريكى والت ديزنى صاحب العديد من الشخصيات الكارتونية التى عاشت فى وجداننا وألهمت وأثرت خيالنا أن أشهر شخصياته ستحدث لغطا فكريا فى مصر فى يوم ما.لقد أثارت صورة «ميكى ماوس» ملتحيا ومعه شخصية «مينى» منتقبة التى نشرها المهندس نجيب ساويرس على صفحته على موقع تويتر حفيظة الكثير من المصريين المسلمين وبخاصة الإسلاميين. وقد طالب بعض الشيوخ بمقاطعة منتجات الشركات التى يمتلكها ساويرس، كما أنشأ بعض الشباب العديد من الصفحات عبر موقع فيس بوك تطالب بنفس الأمر. وأيضا قد تقدم الأستاذ ممدوح إسماعيل، عضو مجلس النقابة العامة للمحامين، ببلاغ للنائب العام ضد نجيب ساويرس بتهمة الإساءة للدين الإسلامى، وفقا لجريدة الأهرام. وأخيرا، قد دعا بعض الدعاة المعروفين بمقاطعة حزب «المصريين الأحرار»، نظرا لأن مؤسسه لا يحترم الإسلام، على حد وصفه. وبالرغم أن الأمر قد يبدو بسيطا، مجرد صورة عبر شبكات التواصل الاجتماعى، لكن الواقعة أثارت جدلا واسعا حتى انتشر دويها خارجيا وقامت شبكة ال«بى. بى. سى» البريطانية بتغطيتها على موقعها الالكترونى. فى الحقيقة، استوقفنى هذا الحدث، وجلست أتأمل ردود الفعل وأبعاد الموضوع، فى محاولة لاقتلاع الحدث من الأفراد والحساسيات المصاحبة له وتأمله مجردا. ••• فى الواقع، هذه الصورة تحديدا التى نشرها ساويرس قد تناولها العديد من الأفراد عبر المواقع الالكترونية من قبل، فهى ليست جديدة على المجتمع الافتراضى، بل والأدهى أنها موجودة على إحدى المدونات السعودية تحت عنوان «سيتم قريبا افتتاح مدينة ديزنى فى الرياض وعلى مينى ماوس أن ترتدى النقاب» وجاءت ردود الأفراد هناك مازحة. ولكن ردود الفعل المصرية الغاضبة إزاء نشر ساويرس لها والتى صورت الأمر أنه إساءة للإسلام (ولهم مطلق الحرية فى آرائهم) تكشف عن أبعاد تعامل المجتمع المصرى مع الدين. فاللحية والنقاب، وبغض النظر عن الاختلاف الفقهى حولهما، لا يصح أن يكونا مرادفين للدين الإسلامى، فالدين هو عقيدة وفكر وسلوك، أى مفهوم الدين واسع وشامل، ولا ينبغى أن يتم حصر أى دين فى ملامحه الخارجية، ومن نفس هذا المنطلق، عبر بعض المسلمين عن استيائهم من ردود أفعال أقرانهم. كتبت إحدى الفتيات المسلمات على موقع توتير، «لم يضايقنى ما نشرة ساويرس، ولكن ما ضايقنى هو رد فعل الإخوان المسلمين المبالغ، لا تقللوا من دينى». فى السنوات الأخيرة، زاد اهتمام المصريين بقشور الدين، تستطيع أن تستشعر هذا من رنة الهواتف المحمولة فى الأماكن العامة التى تغرد بتلاوة قرآنية أو ترنيمة مسيحية، والملصقات الدينية التى يضعها الأفراد فى أماكن عملهم وسياراتهم وغيره. وبالرغم من أن الشارع المصرى يعج بصور تدين المصريين، فإنه يعج بدرجة مماثلة بالتحرش الجنسى ومظاهر الإهمال والأنانية، التى تنبذها جميع الديانات، وتلك هى المتناقضات التى يعيشها المجتمع ويستطيع أن يفسرها من هو أجدر منى من علماء الاجتماع. ••• أما على الجانب الإعلامى للموضوع، كشفت هذه الواقعة عن أهمية التعامل بجدية مع مواقع التواصل الاجتماعى. عندما تتحدث الشخصيات العامة فى البرامج التليفزيونية نجدها تستخدم اللغة الفصيحة والمصطلحات الرنانة والكلمات يتم انتقاؤها بعناية، ولكن عبر هذه الشبكات عادة ما يميل الفرد إلى البساطة معبرا عن آرائه بشكل أكثر تحررا، ولكن هذه الواقعة توضح أن الشخصيات العامة عليها التعامل مع هذه المواقع بنفس حساسية التعامل مع الصحف والقنوات التليفزيونية. وأذكر هنا ما حدث مع الصحفية الأمريكية المرموقة أوكتافيا نصر التى تم فصلها من شبكة ال«سى إن إن» عام 2010، والتى كانت واحدة من كبار محرريها، عندما نعت على صفحتها على موقع تويتر المرجع الشيعى محمد حسين فضل الله قائلة، «إنه لمن المحزن أن نسمع عن وفاة السيد حسين فضل الله محمد.. واحد من عمالقة حزب الله، أنا أحترمه كثيرا»، الأمر الذى أثار غضب اليمنيين المتشددين والاسرائيليين مشكلين ضغطا على ال«سى إن إن» لرفتها. ••• وكما اعتذر نجيب ساويرس عن الصورة معبرا أنه لم يقصد الإساءة وأنه نشرها من باب الدعابة، اعتذرت الصحفية أوكتافيا عن سوء تقديرها وتعاملها مع الأمر ببساطة، ليكون الأمر درسا للجميع ولاسيما الشخصيات السياسية والعامة عن أهمية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى بجدية وأن البساطة ليس لها مكان فى عالم السياسة.