انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال الناخبين على اللجان الانتخابية بأطفيح    مصر والصين    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لتعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    بعد استعادة جثمانه، عائلة الضابط هدار جولدن ترفض طلب زيارة من نتنياهو    سارة نتنياهو تثير غضبا كبيرا في طبريا    ترامب يعفو عن متهمين بارزين بمحاولة إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة 2020    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    العراق: تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بشأن الانتخابات «تدخل واضح ومرفوض»    ميليسا فيلمنج: طلبت لقاء بعض اللاجئين السودانيين الذين استضافتهم مصر بسخاء    بمشاركة ممثلين عن 150 دولة.. مؤتمر ومعرض الحج 2025 يناقش تطوير خدمات ضيوف الرحمن    كأس العالم للناشئين| ترتيب مجموعة مصر بعد انتهاء الجولة الأخيرة «تأهل ثلاثي»    «سلّم على الدكة وقال الزمالك نادي كبير».. تصرفات «زيزو» بعد فوز الأهلي بكأس السوبر تثير جدلًا    مدرب منتخب ناشئي اليد يكشف كواليس إنجاز المونديال: الجيل الجديد لا يعرف المستحيل    مجلس الدولة يؤجل نظر دعوى إلغاء قرارات غلق البارات وحظر الخمور خلال رمضان    طلاب مدرسة بالقناطر الخيرية يؤدون صلاة الغائب على ضحايا حادث 3 سيارات    غرفة عمليات الجيزة: لا شكاوى من حدوث تجاوزات في انتخابات مجلس النواب حتى الآن    بالتوازى مع افتتاح المتحف الكبير |إصدارات جديدة تحكى قصة الحضارة المصرية القديمة    موعد ومكان جنازة المطرب إسماعيل الليثي    مراقب أردنى عن انتخابات مجلس النواب: استعدادات جيدة وتيسيرات لذوى الإعاقة    قلوبهم جامدة.. ما هي الأبراج الأكثر قوة؟    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    ابدأ من الصبح.. خطوات بسيطة لتحسين جودة النوم    وكيل صحة الإسماعيلية تشدد على حسن معاملة المرضى بمستشفى الحميات (صور)    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    شقيق الفنان محمد صبحي: حالته الصحية مطمئنة ويغادر المستشفى غداً    العمل تسلم 36 عقد توظيف للشباب في مجال الزراعة بالأردن    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    الآثار: المتحف الكبير يستقبل 19 ألف زائر يوميًا    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    تشييع جثماني شقيقين إثر حادث تصادم بالقناطر الخيرية    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    انطلاق قوافل التنمية الشاملة من المنيا لخدمة المزارعين والمربين    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن تطبيق الشريعة فى دولة مدنية ديمقراطية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 06 - 2011

إنه سؤال مطروح على الساحة السياسية والفكرية والإعلامية هذه الأيام، ويشتبك معه ليس فقط الإسلاميون لكن أيضا ناشطون ومفكرون من تيارات أخرى، ومنهم من يجيب بالإيجاب: نعم بالإمكان تطبيق الشريعة فى دولة مدنية ديمقراطية، وأنا لى رأى آخر.
أولا: أنا لا أعرف تعريفا واضحا وغير ملتبس عن الدولة المدنية.
درست عبر حياتى العلوم السياسية ودرست أنواعا مختلفة من النظم السياسية ولكننى لم أقرأ أبدا عن نظام سياسى يطلق عليه دولة مدنية. هل هى عكس دولة يحكمها عسكر؟ أم هى عكس الدولة الثيوقراطية (من اليونانية: ثيوس = الرب وكراتوس = السلطة) بمعنى حكومة الرب؟ ومن هؤلاء المدنيون الذين يحكمون؟ وعلى أى أسس فكرية يرتكن حكمهم؟ وما هى ترجمة الدولة المدنية فى الأدبيات السياسية البريطانية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات؟ ومن نحت هذا المصطلح؟ ومن حدد التعريف المنتشر فى مصر هذه الأيام والخاص بأنها الدولة القائمة على مبدأ المواطنة.
أى مساواة المواطنين فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والجنس إلخ.. وهل هذا هو التعريف الدقيق للمواطنة فى حالة هذه الدولة المدنية؟
●●●
ثانيا: حيث إن تعريف الدولة المدنية ملتبس تماما ولا وجود له فى الأدبيات السياسية ولم أجد له تعريفا فى كل الموسوعات السياسية التى أعرفها، فسوف أحذف كلمة مدنية من السؤال ليكون: هل يمكن تطبيق الشريعة (الإسلامية) فى دولة ديمقراطية؟ ولمحاولة الاجابة عن هذا السؤال دعونا نسعى أولا لتعريف الديمقراطية: مثلها مثل كل المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية والسياسية فالديمقراطية تعانى من وفرة التعريفات ولكن هذه الوفرة فى الدلالات اللغوية هى جزء لا يتجزأ من روح علم السياسة الذى يتطور كل يوم.
تعريف الديمقراطية باعتبارها عكس الدولة الأوتوقراطية (حكم الفرد) أو الدولة الثيوقراطية (حكم الرب) أو الدولة الأوليجاركية (حكم الأقلية) هى تعريفات ناقصة. وكذلك تعريفها القديم أنها حكم الشعب بالشعب للشعب هو أيضا تعريف ناقص.
ولكن من الجائز القول إن: الديمقراطية ليست شكلا للعلاقات بين المؤسسات السياسية المختلفة وإنما هى حالة معنوية تختلف انعاكاساتها حسب الزمن والمكان والسياق المذهبى. حالة ترتكن فى الأساس إلى قيمة جوهرية ألا وهى: «إن قدر الإنسان الذى لا فكاك منه هو أن يتحمل مسئولية تحديد مصيره كفرد وكجماعة».
الديمقراطية هى أداة حرية، وأداة عدالة بين كل الأفراد والجماعات، وأداة حماية لحق كل جماعة أن تمارس حريتها بما لا يتعارض مع دستور البلد. كما هى أداة دافعة لتنمية الطاقات الابداعية الخلاقة لكل فرد وجماعة، وهى تستند فى كل هذا على حقوق الانسان المحددة فى سلسلة من المواثيق.
فالديمقراطية إذن حالة، ولم تعد نظاما للانتخابات وتداول للسلطة يرسخ لديكتاتورية الأغلبية كما يبدو للبعض. بل على العكس هى نظام يحمى حق كل جماعة على الفعل السياسى والاجتماعى ومساواة الجميع فى الواجبات والحقوق حتى لو كانت هذه الجماعة تتشكل من فرد واحد فقط. جاء هتلر بانتخابات «نزيهة»، وفقا لبرنامج انتخابى نازى، ولكنه أقام نظاما غير ديمقراطى عندما بدأ بإقصاء الجماعات السياسية ثم العرقية والدينية حسب معتقده. نعم يمكن أن تؤدى الديمقراطية «السياسية» (ديكتاتورية الأغلبية) إلى نظام غير ديمقراطى إذا لم تقم الدساتير بحماية حرية وحقوق الأقليات، بمعنى آخر إذا لم تدافع الدساتير عن الديمقراطية كقيمة.
●●●
ثالثا: ماذا يعنى مصطلح «تطبيق الشريعة»؟ أو حسب المصطلح الذى أطلقته القوى الاسلامية السياسية هذه الأيام «دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية»؟ أتصور أن لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا تعنى تطبيقات هذه المفاهيم على الواقع السياسى والاقتصادى. يعانى من يطالب بتطبيق الشريعة بإشكاليات عدة، أولها «الانتقائية»: فعلى سبيل المثال الرجم أداة عقابية تعود لعصور مضت فلا داعى للحديث عنه، قطع يد السارق تعد تشويها لجسد الانسان مما يتعارض مع حقوق الانسان فلا داع لتطبيقه، تنادى الشريعة بقتال المشركين. بالطبع مستحيل قتال المشركين فى عالم اليوم فلن نتطرق إلى موضوع المشركين. ويعانون ثانيا من إشكالية «التعميم» فيلجأون إلى عبارات فضفاضة وعامة وفى أحيان كثيرة لا خلاف عليها تتعلق بالأخلاق أو الشرف أو ما شابه، وهم هنا يعتمدون على وقع الجملة الوجدانى على المتلقى بأنهم يتحدثون بما أنزل به الله فى كتابه الكريم. كما يعانون ثالثا من «إشكالية الفجوة الهائلة بين الواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى الراهن وتعقد تركيباته وبين مرجعياتهم الفكرية». ما رأى الشرع فى إقامة علاقات ومشروعات وتعاقدات اقتصادية مع كفار الصين أو كفار الهند على سبيل المثال؟ سوف نستمع إلى اجتهادات سوف يختلفون عليها لو عادوا حقيقة إلى الشريعة. يحاولون الدمج بين الطابع المطلق الوجدانى للعقيدة وبين الطابع النسبى العملى للممارسات السياسية وهو أمر فى ظنى مستحيل.
●●●
رابعا: للإجابة عن السؤال فى ضوء هذا التعريف للديمقراطية فإن الإجابة سوف تكون: لا بالتأكيد. لا يمكن تطبيق الشريعة (بتطبيقاتها السياسية والاجتماعية) فى دولة ديمقراطية وإلا سوف تفقد طبيعتها الديمقراطية. فالشريعة الاسلامية لا تتعامل بشكل متساوٍ فى الحقوق والواجبات بين الذكر والأنثى (للذكر فى الميراث حظ الانثيين) وكذلك تفرق بين المواطنين على أساس الدين (تطالب غير المسلم بدفع جزية). وفى الحقيقة فإن الأمثلة كثيرة للغاية لا مجال هنا لحصرها. أما المواءمات التى يقوم بها البعض لإيجاد تماس بين العوالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة من ناحية وبين الشريعة من ناحية أخرى فهى محاولات تدعو للغثيان من قلة حيلتها. ولكن هل النظام السياسى الديمقراطى (بمعناه الفكرى والفلسفى) ضد الدين الإسلامى أو أى دين؟ الإجابة: بالتأكيد لا. لكن تكمن المعضلة فى اختلاف حاد فى وجهة النظر بين تيارين.
الأول يرى علاقة بين الزمن والتشريع والآخر يرى أنه لاعلاقة بين الزمن والتشريع. بدأ الحوار مبكرا فى الدولة الاسلامية بين المعتزلة وأهل السنة وانتصر أهل السنة بدعم من النظام السياسى آنذاك وأثّر هذا الانتصار على الأدبيات الفلسفية والفقهية والفكرية.
كل ما يتعلق بالتطبيقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشريعة نزلت لزمن بعينه ومكان بعينه ولا مجال لها فى زمن ومكان آخر. وهناك عشرات الدلائل الفقهية لإثبات وجهة النظر هذه. هذا هو أساس الاختلاف، وهو اختلاف عميق وجوهرى وقديم. وبالتالى فهناك تناقض بين دولة تطبق الشريعة (التى لا علاقة بينها وبين العقيدة) ودولة لها نظام ديمقراطى لسبب بسيط أن التطبيقات الاجتماعية الحاكمة فى ظل الشريعة هى قواعد تاريخية تنتمى لعصور سحيقة لا مجال لتطبيقها اليوم وتتناقض مع مبادئ المواطنة والعدالة والحرية بمفاهيم اليوم، أما ما يحكم عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع فى مجتمع ديمقراطى فهى مفاهيم دينامية، تتغير وتتطور كل يوم وقائمة على حرية الفرد والجماعات.
●●●
خامسا: هل تستطيع الأغلبية سن ما تراه مناسبا من قوانين فى نظام ديمقراطى؟ الاجابة: لا. حيث إن هذه الأغلبية الحاكمة تخضع لمواد الدستور. فلو أن كل أغلبية قامت بسن قوانين جديدة تماما لأصبحنا فى فوضى عارمة. هذا الدستور هو الضامن الأساسى لدولة ديمقراطية بالمعنى الفكرى للكلمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.