يصحو من النوم متأخرا كعادته يجري ليلاحق كل مواعيد اليوم المتأخرة.ليس هذا اليوم عاديا زوجه تتشاجر منذ الامس علي مصروف بيته. هو لا يملك اكثر مما يعطي لها ولكنها لا ترضي. الحق انها فعلا محقه! مايوفرة له مصنعه لا يكفيه ولا يقيم بيته ولهذا اصبح ديدانه في الفترة الاخيره الاضراب والاعتصام.هذا اليوم بالذات الثامن والعشرون من فبراير موعد مع اعتصام ضخم ربما هو الاكبر في تاريخ مصنعه العتيق.لا تتوقف زوجته الشبيهه بأحد المراجل البخاريه العملاقه عن الشجار والطلبات. يصم هو اذنيه عنها ويغادر بيته مشحونا جو فبراير المشحون الملبد بالغيوم والروائح الحزينه بينما يقف هو في الاتوبيس وسط الزحام الهائل يرمق انعكاس وجهه في النافذه الزجاجية المغلقة. رباه لكم ما تغيرت!هل لي الحق ان الوم تلك المرأه الباسله التي تحملتني طيله هذه السنين علي تلك الزياده المريعه في وزنها؟ او ذلك التغير المريع في ملامحها؟ بينما انا قد تحولت لبرميل شحوم متهدل الكتفين؟ الحق ان زوجته كانت جميله جدا!!لا بل هي فاتنه!! ولكن تلك الحياه القاسية الوحشية التي يحياها هي التي حولتها الي ذاك الكائن المسخ. يتذكر تلك الفاتنه السمراء التي ملئت حياته رحابه بعد كل الضنك الذي عاناه. حتي اليوم مهما اشتدت به الازمات تكفيه ان تربت بيدها المتشققه الخشنه علي ذقنه النامية لينسي عناء الدنيا ويستريح بين احضانها، لكم اعشقك يا فاتنتي العجوز! رباه كيف نسيت هذا الامر؟! ان اليوم عيد زواجهما التاسع عشر وعيد ميلاده التاسع والثلاثون!!! لعن الله المال واصحاب المال ومشاكل المال! كيف ينسي هذا اليوم برغم من اي شئ؟؟؟ عينيه الذابلتين اشتعلتا فجأه. لن اغضب من احد اليوم. سأهادن الجميع. سأكون لطيفا مع الجميع. سأحضر لزوجي هدية رقيقة وسنحتفل سويا بعيد الميلاد وعيد الزواج. اني احبك يا فاتنتي ذهب الي عمله مبتسما وعلي الرغم من اندهاش جميع الرفاق من تلك الابتسامه الا انه لم يغيرها سيستمتع بهذا اليوم ويحتفل به ولن يعوقه احد ابدا. نظر الي قروشه القليليه فقط خمس جنيهات. لا توجد مشكله ! سوف يصرف راتبه اليوم وهو يعلم امرأته جيدا. بالرغم من كل الضغوط، فإن هديه رقيقه سوف تصلح الاجواء ولن تعلق علي هذا المبلغ المستقطع من الراتب. سأله رفاقه عن الاضراب فابتسم وقال لن اضرب اليوم. اعتلي وجه الجميع دهشة عظيمه الا انه كان اشد منهم اندهاشا! هل يقدر الحب علي ان يجعله صافيا هكذا؟؟!! اذن لماذا يتشاجر الجميع؟ هل اختفي الحب من الوجود؟ ذهب لمديره الاعلي يسأله عن الراتب. الا ان الرجل كان منفعلا جدا واحتد عليه بشده قائلا اتضرب عن العمل ثم تطلب راتبا؟؟!! لا رواتب لك ولزملائك هذا الشهر!! علي الرغم من غيظ الرجل الا انه كتمه في نفسه ابرارا بقسمه في ان يستمتع بهذا اليوم واستمرت الابتسامه مرسومه علي وجهه وهو يسأل المدير ان يصرف له سلفه من الراتب؟ طبعا تعجب المدير من لين العامل والابتسامه اللطيفه المرتسمه علي وجهه وقرر ان يلين معه قليلا عسي ان يفض الاضراب فأخبره ان يذهب باكر للشئون الماليه ليصرف السلفه التي يرغب فيها غدا؟؟!! كل ما معه اليوم خمس جنيهات ويقول له باكر؟؟!! حسنا فليستمر الصفاء النفسي ولن اجادل سأله رفاقه هل تتناول معنا طعام الافطار؟ الحق انه كان جائعا وكان لمعدته صفيرا من شدة الجوع ولكن قروشه القليله ورغباته الكبيرة منعاه من تناول الافطار وبالرغم من جوعه الا انه تخيل وجهه زوجته السمين والفرحه التي ارتسمت عليها عندما تري الهديه التي اتي بها فيشعر هو بالشبع الوقتي وتتسع ابتسامته اكثر فأكثر. وجهه العبوس الذي نسي الضحك منذ عقود تشقه الضحكه المتفائله كما يفجر الديناميت الصخور المتيبسة. وعلي الرغم من كل ما حدث له في ذلك اليوم من مشاكل او صعوبات لم يفقد ابتسامته قط بل وازدادت تفجيرا للصخور المتيبسه، انتهي من عمله مساءا وقف قابضا بشدة علي قروشه القليله حائرا ما الذي يمكن ان يأتي به؟ اخذت عيونه تتجول في واجهات المحلات ويده تشتد قبضا علي تلك القروش ومعدته تصفر وتصفر ووجه امرأته الصارم الضاحك يداعب خياله لما لم يجد اي شئ مناسب لقروشه وقف حائرا. ليجد امامه محلا يبيع الزهور. اذن هي باقة من الزهور يدخل بها البهجه علي روحيهما المتعذبتان. ولانه لم يشتري ورودا قط في حياته ، فجع لما عرف سعر تلك الباقه التي ود ان يشتريها فسأل عن واحده اصغر الا انها كانت غاليه ايضا. ظل يقل في الحجم والنوعيه والسعر حتي وجد في يده ورده واحده حمراء اللون خشنه الملمس رخيصه الثمن ولكنها تفي بالغرض تماما. ثلاثة جنيهات ونصف يتبقي له جنيها ونصف يعود الي بيته بنصف الجنيه ويذهب بالجنيه الاخر لمقر عمله باكر علي الرغم من ان تلك الخطة ستجبره علي المشي مسافه كبيرة في الخرائب حيث سيعود لبيته بأرخص وسائل المواصلات الا ان اماله الكبيرة في ارضاء زوجه ذللت كل الصعاب. واتسمعت ابتسامته واسرع يعدو ليصل الي بيته بالزهرة الحمراء املا في اسعاد زوجه، بينما هو يعبر في تلك الخرائب المليئة بمدمني المخدرات مر بجوار سيارة فارهة يقودها شاب عظيم الكرش سمين اللغد تشي سيارته بثراء فاحش يجلس بجواره شاب اخر له لحية خفيفة غير مهذبه وعلامه صلاه ضخمه وفي كرسي الخلفي يجلس شاب يرتدي زيا رسميا ما وتطل من عينيه نظرة صارمه. اوقف الشباب الثلاثة الرجل الذي اشتم رائحه المخدرات تتصاعد منهم، وبالرغم من ذلك لم يخاف شيئا!! ما الذي يمكن ان يحدث؟! لا شئ سأله ذو اللحية عن مال؟ فأخرج الرجل من جيبه الجنيه الذي لا يملك غيره. بصق الملتحي في وجهه ولم يتأثر الرجل! لقد اتخذ قرارا ان يستمتع اليوم ولن يغير اي شخص قراره. سأله الثري السمين عن الهاتف الجوال او ساعه فأخبره انه لا يملك هاتفا وان هذه هي الساعه خذها هي رخيصة لا تساوي اكثر من ذاك الجنيه الذي اعطاه لذو اللحية! طلب منه الثري القميص الذي يرتديه. خلع الرجل قمصيه واعطاه اياه وهو مازال مبتسما حتي بعد ان صفعه السمين الثري صفعه عظيمه علي وجهه. علي الرغم من احساس الاهانه الا انه سيستمتع مع زوجته المحبوبة. وزوجته ستنسيه كل الالام والاهانات، هنا فقط تكلم ذو البدله الرسمية وقال له اعطني هذه الزهرة وهنا فقط اختفت ابتسامه الرجل وشعر بالقلق، وكأنما شعر الاوغاد الثلاثه بقلق الرجل وازدادت نشوتهم فقفز الثري السمين يكبل الرجل من الخلف وذو اللحيه يكبل ذراع الرجل القابض بشده علي الزهرة وذو البدله يصفع الرجل صفعات متتاليه ثم انتزع الزهرة الحمراء من يد الرجل ومزقها والقاها في وجهه. هنا فقط بكي الرجل، لقد فشلت في الحفاظ علي الزهرة!!! بالرغم من كل المشاق التي واجهت والمنغصات التي ازعجتني فشلت اللعنه علي كل شيء وقع الرجل علي الارض يجمع بقايا الزهرة بينما فتح المخمورون الثلاثه سراويلهم واخذوا يتبولون عليه وتتصاعد ضحكاتهم الهيستريه. احتضن الرجل ضعيف البنيه اشلاء الزهرة وتكور حول نفسه في الخرائب يبكي ويهتز من شده البكاء في حين انطلق الاوغاد الثلاثه بعد ان دمروا امال الرجل المسكين فقط لكي يظفروا ببعض المتعه المخمورة. سكن جسم الرجل وكف عن البكاء وظل متكورا حول نفسه قابضا بشده علي بقايا الزهرة، توقف رجال المباحث والطب الشرعي طويلا امام تلك الجثه عارية الجذع الملقاه بين الخرائب المحتضنه لبقايا زهرة حمراء رطبه ممزقه. كيف مات الرجل؟؟ ودوا لو يستنطقوا حديث الموت من بين اشلاء الزهرة لتخبرهم كيف مات هذا الرجل؟ كيف مات ؟ كيف مات؟