عندما تسيقظ من النوم صباحاً _واتكلم عن المواطن المصري العادي_تستعد لبدء يوم جديد في حياتك وها انت تغسل وجهك ثم تبدل ملابسك للذهاب الى عملك أي كان نوع عملك في تلك الاثناء تسمع تلك الاصوات المختلطة تأتيك من الشارع. تسمع عبر موجات الاثير ثمة قرءان يأتي بصوت الشيخ محمد رفعت من راديو احد المحلات التي تقبع تحت منزلك وثمة اصوات باعة جائلين ولاسيما بائعي الفول الطازج الذي يناديك لوجبة افطار مغرية وايضا اصوات بكاء بعض الاطفال الذين لا يريدون الذهاب للمدرسة وتنهرهم امهاتهم بشدة. وصوت سيدة تنادي احد الباعة وتسدل اليه (سبت) من شرفتها ليضع فيها بعض الاغراض.. وتسمع دعاء احدى الامهات لبنتها ان يستر عرضها (ويجعل لها في كل خطوة سلامة) وهي ذاهبة للعمل.. وصوت شاب متأخر عن الجامعة يصيح على زميله الذي يسكن احد العمارات الاخرى ويحثه على الاسراع حتى لا تفوتهم المحاضرة. هذا المشهد ليس من فيلم سينمائي انما من سينما الحياة المصرية التي كادت ان تندثر وهذا الاندثار ليس بفعل عوامل النحت والتعرية ولكن بفعل عوامل القحط و محو الهوية. نعم.. لنعلنها صريحة ولا ندس رؤوسنا في الرمال إننا نمر بأزمات ونكبات متتالية إنها في مجملها أسوأ من الاحتلال العسكري.. أسوأ من حالة اللاسلم واللا حرب التي عاشتها البلاد في القرن الماضي . انت وانا وهو وهي ..الكل اصبح فجاة في عالم تطارد فيه النمور الافيال وتفتك الذئاب بالحملان والكل يجري ويلهث وراء الكل.. ترى الكلاب تنهش في اخاك او اختك وتحملق بقوة وتهم فطرتك أن تطلق صرخة قوية تعبر بها عن مدى تمزقك والمك لما ترى ولكن سرعان ما تتحول هذه الصرخة إلى شهقة مكتومة بل وتضع يداك على أذنك وتغمض عينيك حتى لا تسمع صراخهم وهم يموتون ويتمزقون إلى أشلاء ودمائهم الذكية قد تتناثر على وجهك وتشعر بحرارتها تلفح جلدك وقد تشم رائحة الموت وهو يرفرف فوق رأسك ليخطف من حولك الاخ والصديق والجار والزميل ولا تتكلم ولا تتحرك وتصمت وتصمت وتصمت. إلى متى الصمت؟ ألا تدري أنه سيأتي اليوم الذي تطاردك الوحوش في هذا الوطن وتجعل منك وجبة دسمة شهية لها ولرفاقها وسوف تتناثر اشلائك ودمائك على الارض وتتطاير بعض منها على وجه احدهم ولن يحرك فيه ذلك ساكنا؟!!.. اسمعك تصب اللعنات على هذا الجبان الذي تركهم يمزقوك واكتفى بنظرات الاسى والتململ مما راك عليه.. أتدري.. أنت تصب اللعنات على نفسك الان فما حدث لك اليوم وأغضبك كثيرا قد حدث لأحد من بني جلدتك وقررت الصمت والاكتفاء بالاسى ونظرات الحسرة. يا سادة الوحوش تقترب ببطئ كلنا نسمع وقع اقدامها ونشم رائحة لعابها وهو يسيل من بين انيابها.. الوحوش التي تتربص بنا ليل نهار وترسل مندوبا عنها ليقتنص لها ضحية او اثنتين لتقذف الرعب فينا وترى ردة فعلنا وبعد قنصة تلو القصنة.. ستقفز علينا جميع الوحوش كاشفةً عن وجهها القبيح لتمحونا وتمزقنا إرباً إرباً. تمزق هذا الجسد إلى أشلاء ودماء.. هذا الجسد يا سادة الذي صنع هذا التاريخ وتلك الحضارة الشامخة.. هذه الحضارة وهذا التاريخ حاولت الوحوش هدمه وتدميره ولما لم تقو على ذلك.. قررت محو العقل والكيان والروح والجسد التي صنعت هذا المجد التليد. نحن يا سادة دماء واحدة وكيان واحد ولسان واحد والوطن واحد والارض واحدة والمحنة واحدة.. فلا تجعلوها بأيدينا أشلاء ودماء فعندما تتناثر الاشلاء لا يعرف هذا من ذاك وتجمع في نهاية الأمر في كفن واحد .