أثبتت الأحداث التى مرت بها الجماعة المصرية خلال العقود الأخيرة أنَّ الوسيلة المثلى للقضاء على أى مخالف فى الرأى أو مجدد فى الفكر هى اتهامه بالكفر. ومما يدق ناقوس هذا الخطر اليوم أن يتم تكفير أحد كتابنا المتنورين، وهو الدكتور خالد منتصر فى نفس ذكرى مقتل مفكر متنور آخر هو المفكر الشجاع فرج فودة بسبب تكفيره أيضا. ومما يؤسف له أنه رغم انطلاق ثورة الشعب المصرى للخروج من مستنقع التخلف بأنواعه، نرى تكرارا نمطيا لسيناريو التحريض الذى يعود تاريخه إلى محاولة قتل أديبنا العالمى نجيب محفوظ للسبب نفسه. ●●●● ومن المعلوم أنَّ القانون الجنائى المصرى يضع تحريض أى شخص على ارتكاب فعل فى نفس مرتبة الفعل المجرم. غير أنه بإمعان النظر يتبين لنا أن التكفير يتجاوز فى الواقع التحريض الموَّجه إلى شخص معين بارتكاب جريمة ليخاطب الجميع ويدعو أى شخص منهم للانسياق بالفعل وراءه وفى ذلك ما يجعل قتل من تم تكفيره أمرا أكثر احتمالا. ولا يخفى أنَّ كل من اندفعوا إلى ارتكاب جريمة القتل فى هذا الصدد لم يكونوا مدركين للأبعاد الحقيقية الدافعة لهذا الجرم بل كانوا منصاعين دون وعى وراء القرار الصادر بالتكفير، إذ إن هذا القرار قد أصبح فى تقديرهم يحمل فى طياته ضرورة إهدار دم من تم تكفيره، وذلك فى ضوء الفهم الخاطئ للشريعة الإسلامية السمحة لدى أنصار الإرهاب الدينى. ●●●● وجدير بالذكر أن القضاء الجنائى الدولى الذى شرفتُ بالانتماء إليه قد قرر أن إلصاق صفة على فرد أو مجموعة من الناس من شأنها التحريض على إلحاق الأذى به أو بهم يشكل فى حد ذاته جريمة حتى وإن لم يترتب وقوع أذى نتيجة لذلك. ويتعين فى رأينا عدم الاقتصار على اعتبار التكفير بمثابة تحريض يتم تجريمه حال ارتكاب الجريمة فحسب بل يجب اعتباره كذلك جريمة من جرائم الإرهاب، التى حان الوقت لمنعها بتشريع رادع.