في حي فقير في العاصمة البحرينية نظم عدة مئات مسيرة وسط أزقة ضيقة متهالكة وهم يقرعون على أواني طهي ويهتفون "يسقط يسقط النظام". لكن لم يسمعهم أحد على بعد نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر في وسط المدينة بما يحتويه من أسواق تجارية براقة ومبان تجارية حديثة. وبعد أسبوع من إلغاء البحرين الأحكام العرفية، وعلى الرغم من استمرار وجود عدد محدود من نقاط التفتيش، عاد الكثير من أجزاء المنامة لطبيعته فيما يبدو. قال رجل ذكر أن اسمه خليفة، بينما كان يتجه إلى مقهى (ستار باكس) لاحتساء القهوة: "الأمور هادئة.. ليس هناك ما يسوء. لم أسمع عن أي مشكلات". لكن الحال ليس كذلك في الأحياء التي تسكنها أغلبية شيعية، والتي اندلعت بها الاحتجاجات للمرة الأولى في فبراير. وقال أحد المحتجين بينما كان يحتمي في منزل أحد الجيران بعد سماع قنبلة صوت أطلقتها الشرطة: "إنهم يقولون إن الأمن عاد.. انظروا إلى هذا.. لا يوجد أمن". وأعلنت عائلة آل خليفة السنية الحاكمة -التي تواجه أسابيع من الاحتجاجات التي يقودها في الغالب الشيعة- إلغاء الأحكام العرفية في مارس، وفضت اعتصاما في دوار كان يعرف باسم دوار اللؤلؤة بوسط المنامة، والذي تغير اسمه لاحقا إلى تقاطع الفاروق. كما هدمت السلطات نصب اللؤلؤة الذي كان يميز هذا الدوار، والذي أصبح رمزا للاحتجاجات، ما زالت الأسلاك الشائكة وعشرات العربات المدرعة تحيط المنطقة. وتقول الحكومة إن البلاد التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي عادت لوضعها العادي. وكان من المقرر تنظيم سباق الجائزة الكبرى بالبحرين في إطار بطولة فورمولا 1 للسيارات، كنه أرجئ في مارس عندما بلغت الاحتجاجات أوجها. ويرى سكان شيعة إنه إذا كان هذا هو الوضع الطبيعي الجديد فإن هناك توترات مقبلة. وقال النشط نبيل رجب "أعتقد أننا سنبقى في هذا الوضع غير المستقر حتى يتم التوصل إلى نوع من الحل السياسي. لم تعد الأوضاع لطبيعتها". أصبحت أعداد المحتجين أقل وانتقلت المعركة إلى المناطق التي تسكنها أغلبية شيعية لكن الاحتجاجات تندلع بشكل غير متوقع وتهرع شرطة مكافحة الشغب من مكان لمكان في محاولة لإخمادها. وفي أحد الأحياء صعد فتية صغار إلى أسطح المنازل لرصد تحركات أفراد الشرطة بينما كان فتية أكبر سنا يقيمون حواجز من الطوب وصناديق القمامة لمنع هجوم متوقع. وتعقد قوات الأمن العزم على منع احتشاد أعداد كبيرة في هذه الاحتجاجات التي يشارك فيها أعداد متفاوتة بين عشرات ومئات من الرجال والنساء. وتحاول الشرطة تفرقتهم بقنابل صوت وقنابل الغاز المسيلة للدموع بينما تحلق طائرات الهليكوبتر عاليا. وفي حين أن مشاهد مثل تلك تحدث في الأحياء الشيعية فإن الهدوء يسود المناطق الثرية والأحياء التي يسكنها السنة في وسط البحرين. يلتقي الأصدقاء في المقاهي أو يلتقون على العشاء. وأصبحت الاختناقات المرورية تنتج عن توجه الناس إلى مصالحهم لا بسبب نقاط التفتيش. وكثيرا ما شهدت البحرين احتجاجات من الشيعة الذين يشكون التمييز خاصة في الإسكان والوظائف. وكانت الاضطرابات هذا العام الأسوأ منذ التسعينات ويقول البعض أن الهدوء الحالي ربما لا يدوم طويلا. ووضع النشط رجب أمام منزله كومة من قنابل الغاز المسيلة للدموع المستخدمة والتي أطلقتها الشرطة لإخماد المتظاهرين. وضحك قائلا "هذا العدد منذ يوم الأربعاء فقط". وأصبح منزله الآن نقطة التقاء للاحتجاجات منذ رفع الأحكام العرفية. ومضى يقول "ليست هناك عائلة واحدة لا يوجد بها فرد لم يعتقل أو يفصل من وظيفته أو يقتل" وبدت على وجهه علامات الجدية. وتابع "أخشى أن نفقد كنشطاء القدرة على إسكات غضب الناس." وقال الشيخ عبد العزيز إن المحتجين لا يمثلون الأغلبية من الشيعة. وأضاف "إنهم حتى لا يمثلون أقلية كبيرة من السكان". وأردف قوله "لا أقول إن القضايا ليست مهمة فالجميع من حقه التعبير عن شكاواه. لكني أتحدث عن الطريقة التي يعبرون بها." ويقول محتجون إن احتجاجاتهم سلمية وإنهم يلقون تأييدا واسع النطاق لكن كثيرين ممن احتشدوا في دوار اللؤلؤة يخافون من الانطلاق إلى الشوارع قائلين إنه يصعب التغلب على الطرق التي تتبعها الشرطة لفض الاحتجاجات. وقالت أمل وهي من المحتجين بينما كانت تختبيء من الشرطة في منزل أحد الجيران "ما زالت أعدادنا صغيرة. المشكلة هي أنهم يظلون يطلقون قنابل الغاز المسيلة للدموع ونضطر لفض الاحتجاجات... الغاز المسيل للدموع لا يحتمل.. لا يمكننا مواصلة التحرك." ومع دخول الشرطة الحي الفقير الذي نظمت فيه احتجاجات كسر حاجز الصمت فتية في مبان مجاورة وهم يرددون الهتاف المعتاد "يسقط يسقط حمد". وتأهبت أمل وأصدقاؤها للخروج إلى الشارع مرة أخرى قائلين "الموت لآل خليفة". ومضت تقول "كل خطوة نخطوها نقترب بها من دوار اللؤلؤة... إذا وصلنا إليه فهذا يعني أننا انتصرنا".