عندى خبر مزعج للبعض، لكن مضطر أن أقوله: نحن انقسمنا بالفعل. وكل ما نستطيعه الآن هو إعادة بناء المجتمع على أساس أن نقبل انقسامنا وليس أن نتحداه. تعالوا نركز على المسلمين، رغما عن أن الانقسام حادث عند إخواننا المسيحيين أيضا. نحن مختلفون فى بعض أمور العقيدة، أغلبية المسلمين فى مصر والعالم أشاعرة (على مذهب أبى الحسن الأشعرى) الذى كان معتزليا ثم ترك الاعتزال. وقد لاقى الرجل ومنهجه انتقادا من ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فخرج لنا المذهب السلفى الذى كانت له رؤية خاصة بشأن بعض القضايا العقيدية الدقيقة مثل أسماء الله وصفاته وهل ما وصف الله نفسه به من خصائص هى على سبيل المجاز أم غير ذلك، وهناك مناقشات فلسفية بشأن حدود الجبر والاختيار وغيرها. يعلن بعض مشايخ الأزهر أن الأشعرية هى مذهب الأزهر، ويعترض عليهم بعض السلفيين. ولكل منطقه وحججه ومراجعه. أما بشأن المدارس الفقهية (أى الحكم على الشىء أو السلوك بأنه فرض أو مستحب أو مباح أو مكروه أو حرام بين صغائر وكبائر)، فإن الأزهر أخذ بقوة الدليل ومصلحة الناس أكثر من التزامه بمذهب معين، ففى بعض القضايا يحكمنا المذهب الشافعى وفى أخرى الحنفى وفى ثالثة أخذنا باجتهادات بعض المجتهدين والتابعين مثل إبراهيم النخغى وسفيان الثورى وسعيد بن المسيب والحسن البصرى وغيرهم. وعلى مستوى أولويات الدعوة الدينية والعمل السياسى فنحن كذلك مختلفون، فالإخوان يقدمون رؤية واسعة بدءا من تنشئة الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة، لذا فإن أدبياتهم السياسية حاضرة، وإن كنت أختلف مع الكثير منها، لكنها موجودة وستتطور لأن العلاقة الجدلية (التأثير والتأثر) بين عالم الأفكار وعالم الأحداث وعالم الأشخاص ستكون فى قمتها خلال السنوات المقبلة. أما السلفيون فمعركتهم الكبرى لم تكن فى الأصل سياسية (بمعنى الوصول للسلطة) وإنما كانت معركة مجتمعية (وستكون لها تداعيات سياسية) ضد البدع وتنقية العقيدة من الشوائب. أما الصوفية فقضيتهم الكبرى هى تصفية النفس عبر التخلية من المعاصى والتحلية بالطاعات الروحية حتى وإن أتوا من المستحدثات مالا يقبله كثيرون، وهؤلاء عددهم غير قليل. قطعا البعض سيقول أنا لست أيا من هذه الفرق والانقسامات، أنا مسلم فقط. المفاجأة أننا وصلنا إلى مرحلة لا يمكن معها أن تكون مسلما فقط.. لماذا؟ لأن ما عرفته عن الإسلام قد وصل إليك بطريقة ما جعلتك إما سنيا أو شيعيا، فى بعض المسائل حنبليا وفى أخرى شافعيا، فى بعض المسائل سلفيا وفى أخرى أشعريا. قل لى ممن تتلقى معارفك عن الإسلام، أقل لك على أى فريق أنت. وفى كل الأحوال هذا لا ينفى عنك إسلامك، ولكن يحملك مسئولية أن تقبل أن يكون صديقك وجارك مسلما على مذهب أو فرقة أو رؤية مختلفة. إذن الاختلاف واقع، والانقسام حادث، والتفاوت قائم، وتحديه غير ممكن، وتجاهله غير منطقى، والتعايش معه ضرورى. وصدق الحق سبحانه: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم». آمنت بالله وبحكمته.