كل القراء المتعاطفين مع أو المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين علقوا على ما كتبت خلال الأيام الماضية اتهمونى بالتحيز ضد الجماعة، والوقوف ضد الإرادة الشعبية عندما دعوت إلى وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية. أولا كل التقدير لجميع من اهتم وعلق، سأركز على الانتقادات الموضوعية وسأتجاوز الاتهامات بالعلمانية أو العمالة، لأنها صارت «نكتة»، وأحمد الله أن الذين علقوا لم يطلبوا منى الهجرة لإسرائيل أو العمل ميكانيكى كما فعلوا مع وائل قنديل قبل أيام. كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة أن الديمقراطية تعنى الانصياع لإرادة الأغلبية، حتى لو كانت ضد آرائنا. وبالتالى فعلينا احترام نتيجة استفتاء 19 مارس التى تجعل وضع الدستور تاليا للانتخابات. تخطئ القوى السياسية عندما تعتقد أن ممارسة السياسة هى التفرغ لانتقاد الإخوان وسائر التيارات الدينية فقط. الثورة ليست وظيفة.. هى قامت، ومبارك سقط، وذلك هو الجهاد الأصغر، أما الجهاد الأكبر فهو أن تنزل كل القوى السياسية التى تدعى أنها تمثل الشعب إلى الشارع، عليها أن تذهب إلى الشعب فى قراه ونجوعه ومدنه، فى حقوله ومصانعه وكل أماكن تجمعاته، عليها أن تعرض نفسها وأفكارها وبرامجها على الناس، وتدعوهم لانتخاب ممثليها فى البرلمان. إذا حدث ذلك يمكن لهذه الأحزاب والقوى التى تنتقد الإخوان أن تقول للناس إننا الأفضل والإخوان ليسوا كذلك مثلما يفعل الإخوان، ويكون الفيصل هو لصندوق الانتخاب الحر فقط، بعدها علينا جميعا احترام هذه النتائج. المشكلة الراهنة فى الحياة السياسية المصرية، ربما كان جزء كبير منها نفسيا سببه أن هناك رعبا من الأحزاب الجديدة بأن الإخوان سوف يكتسحون الانتخابات.. وحتى إذا كان ذلك صحيحا، فالحل ليس الملاسنات والشتائم، بل العمل وإقناع الناخبين بأن هذة الاحزاب هى البديل الافضل. الإخوان يعملون فى الشارع منذ عام 1928، لديهم خبرة سياسية كبيرة، ومقرات فى كل المدن وأحيانا القرى، قدموا تضحيات كثيرة، فى حين أن الأحزاب التقليدية تدفع الآن ثمن تراخيها وتواطئها مع النظام الساقط، أما الأحزاب الجديدة فهى معذورة، ساهمت فى الثورة، لكنها تحتاج وقتا كى تصبح لها قواعد شعبية. أن يكون الدستور أولا أو ثانيا ليست تلك هى القضية الرئيسية، لأنه حتى إذا وضعنا الدستور أولا، فإنه يمكن لأى قوة سياسية تحصل على أغلبية البرلمان أن تعدل الدستور بالقانون وتضع فيه ما تشاء من مواد. فى السياسة لا شىء مقدس، وكل شىء يمكن النقاش بشأنه، لكن المشكلة، أننا نعيش فى سنة أولى سياسة حقيقية، ليس لدينا تراث من أدب الاختلاف، وبالتالى سوف نعيش ونغرق فى خلافات تافهة كثيرة وسوف نسمع فى الأيام المقبلة الكثير من الصخب والعنف وربما الشتائم. الاختلاف ليس عيبا شرط أنه يكون طبقا للقواعد والقانون وبطريقة مهذبة ومتحضرة والأهم أن يكون على أفكار جادة وقضايا حقيقية تهم غالبية الناس مثل الأجور والأسعار والضرائب والوظائف وشكل الدستور وطريقة الانتخاب. من حق الإخوان وأنصارهم أن يتمسكوا بالشرعية وبنتيجة الاستفتاء، وأنا أقر لهم بذلك، لكن عليهم تذكر أنه إذا كان الدين مطلقا فالسياسة نسبية، وما هو صحيح اليوم فى السياسة قد يصبح خطأ فى الغد. مرحبا بكم فى ملعب السياسة.. قواعد هذا الملعب نسبية فالرجاء أبعدوا عنها التكفير والتخوين واحتكار الحقيقة. ولنختلف أو نتفق كما نشاء والفيصل هو رأى الناس.