«ايوه يا باشا، كده حسابك جنيه ونص». بملامح من الجدية يرد عم فتحى صاحب أشهر عربة عصير برتقال فى ميدان التحريرعلى أحد الواقفين أمام عربته الصغيرة، بعد تناول كوب عصير البرتقال الطازج. وتحت ظلال جمعة الغضب الثانية ازدحم المشاركون فى المظاهرة على عربة «عصير الثورة» التى أكل الصدأ بعض أجزائها المصنوعة من الحديد. عم فتحى وأحمد ابنه الذى لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، يساعدان الزبائن بسرعة مذهلة. عم فتحى يقسم البرتقالة نصفين ويقوم بعصرها بمهارة وسرعة، وأحمد ابنه يكسر قوالب الثلج الكبيرة ويضعها على البرتقال المعصور فى أحد الجرادل بجانبه. طول الأسبوع يعمل عم فتحى على نفس العربة لكن فى ميدان العتبة عدا يوم الجمعة، ينقلها إلى ميدان التحرير. «يوم الجمعة هنا أحسن من العتبة طبعا، مصر كلها بتبقى فى الميدان والحمد لله بكسب كويس لما بكون هنا». يتحدث عم فتحى ويده لا تترك عصارة البرتقال. «شوفوا بقى الشعب ده عايز ايه، طول ما المطالب مش بتتحقق الناس دى هتنزل التحرير. أنا بفك الخط بس فاهم كل حاجة، البلد دى لسه ماتغيرتش، التليفزيون لسه بيضحك على الناس، قولولى بقى فين الثورة إلى حصلت؟». كل جمعة فى الميدان يبيع عم فتحى نحو 300 كوب، الكوب الواحد بجنيه ونصف. عربة عم فتحى تحمل البرتقال والعصارة وجرادل يضع فيها البرتقال بعد عصره وأكواب زجاجية وقوالب من الثلج يأتى بها من محال الثلج المجاورة ليقدم العصير باردا منعشا للمارة فى الميدان. «كيلو البرتقال تمنه أكتر من 3 جنيه، معرفش حد بيبيع جملة مع إنى بشتغل الشغلانة دى من 25 سنة». تظهر قطرات العرق على جبينه ويداه لا تتوقفان عن عصر البرتقال. أحمد ابن عم فتحى فخور باسم العربة. «هو فى أحلى من اسم عصير الثورة؟، ابويا الصراحة هو اللى اختار اسمها، بس فى العتبة الناس عارفين العربية باسم عربية عم فتحى». يقاطع عم فتحى ابنه ويقول: «عيب حتى عليا اسميها اسم غير كده، ده انا واقف بيها حتى فى قلب الميدان». تكلفت عربة عم فتحى 900 جنيه. «الحداد هو اللى عملى العربيه، وخليتها حديد أحسن من الألومنيوم عشان الحشرات ماتنامش فيها». يقول عم فتحى. أما صورة عم فتحى على العربة كانت فكرة ابنه. «أخدت صورة بابا ورحت عند مصوراتى فى الشارع وقولتله يكبر الصورة ويعمل الخلفية اللى وراها فاكهة». يكمل أحمد ضاحكا: «عشان تليق الصورة على اللى بنبيعه». بعيدا عن أهداف جمعات ميدان التحرير، يأتى عم فتحى بعربته المحملة بالبرتقال بانتظام إلى الميدان. ويرحل من الميدان عندما يرحل المتظاهرون. يذهب إلى منزله هو وابنه بضواحى الجيزة، يوقف عربته المتواضعة تحت منزله الصغير دون قفل ولا يخشى سرقتها. يبتسم عم فتحى والعرق قد نال من كل وجهه ويكمل: العربية عمرها ما تتسرق، أهل الشارع بيحموها وكلهم حبايبى.