تتعرض الوحدة اليمنية للخطر.. وتعد من أهم الإنجازات العربية خلال ربع القرن الأخير، بعد أن تصاعد غضب أهل الجنوب، وبدأت الأحزاب تتفكك أمام قضية الوحدة، وتحولت أحزاب الاشتراكى والإصلاح إلى جمعيات تخرج من قيد الأحزاب، وأخذت الأزمة تهدد بانهيار التحالف القبلى المؤيد للوحدة. وبدلا من مواجهة المشكلات وحلها، أخذت صنعاء تدفع الأمور إلى نهايتها!! تصور الكثيرون أن توقيع اتفاقية الوحدة سنة 1990 بين عدن وصنعاء، هو نهاية الطريق، ولم تكن فى الواقع سوى بداية، فبناء الوحدة يحتاج إلى عمل طويل شاق..ولم تستطع أطراف الاتفاق أن تسد الفجوة القائمة بين الشمال والجنوب. فقد خضع الجنوب للاستعمار البريطانى نحو 126 عاما، كان خلالها مجموعة من المحميات والسلطنات. ثم خاضت حركة التحرير نضالا باسلا، وقامت بعد الاستقلال حكومة يسارية. وفى الشمال قامت ثورة سبتمبر وخاضت مخاضا طويلا من أجل تثبيت أركانها. وظلت الفجوة قائمة بين أهل السهل وأهل الجبل، أى بين الشوافع السنة فى الجنوب وبين الزيود الشيعة فى الشمال، وبقيت ظاهرة الأوضاع العشائرية الراسخة متفاوتة وقائمة فى الشمال والجنوب، التى تمثل عقبة كئود فى بلد يسعى إلى الإفلات من العادات والتقاليد العتيقة، ويخوض صراعا حادا ضد التخلف والتبعية. وبدأ التصدع فى بنيان الوحدة مع مرور الأيام، ومع تصاعد الغضب، وشهدت عدن ومحافظات الجنوب سلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات والاشتباكات مع الشرطة. ويتهم الجنوبيون صنعاء بإقصاء أبناء الجنوب عن المناصب والوظائف، بعد وقوع الشرخ فى العلاقات عقب الصدام الذى جرى خلال عام 1994، والذى على إثره خرج على سالم البيض من البلاد. ويرصد الجنوبيون فى منشورات وكتيبات عمليات الإقصاء، فتقلص عدد السفراء من ثلاثة وتسعين سفيرا إلى ثلاثة فقط. ولم يبق لأبناء الجنوب محافظ واحد، ولم يزد عدد الوزراء من الجنوب عن ثلاثة من ثلاثين وزيرا، رغم أن تعداد أبناء الجنوب ثلث سكان اليمن، وتلاشت حقوق المواطنة المتساوية. وأخذ التوتر صورا متعددة، ومنها ما جرى مؤخرا فى مقر صحيفة الأيام فى حى كرتير بعدن، من صدام بين قوات الأمن وحرس الصحيفة. بعد اقتحام الأمن للمبنى من أجل اعتقال هاشم باشراجيل رئيس التحرير. وبدأت مرحلة جديدة من الاحتجاج، يتخلى أثناءها أعضاء الأحزاب عن أحزابهم القائمة، حتى يسترد كل منهم حريته وقدرته على إعلان موقفه السياسى الرافض للوحدة، وتشكيل ملتقيات وجمعيات، تقف ضد السلطة المركزية باستخدام وسائل العمل السياسى السلمية. وهذا ما وقع فى الحزب الاشتراكى الذى كان يحكم الجنوب قبل الوحدة، وما حدث أيضا مع التجمع اليمنى للإصلاح «الإخوان»، «و22 حزبا سياسيا آخرين». ويزعم أبناء الجنوب أن من دوافع سخط المواطنين، عمل صنعاء على تغيير التركيبة السكانية، والاستيلاء على الأراضى والبيوت، ووقف المرتبات أو تعطيلها، واقتصار الوظائف على أبناء الشمال، وغياب دور الدولة...ويطالبون بالإفراج عن المعتقلين ووقف الاعتقالات، وتوفير فرص الانضمام للجيش. وطالبت هذه الجمعيات بالتصالح والتسامح، ليس مع حكومة صنعاء، بل التسامح فى الأحداث الدامية التى وقعت خلال صراع السلطة فى عدن، التى شهدت ذروتها فى 13 يناير 1986، والتى وقعت بين الرفاق، وكان ضحيتها 13 ألفا من أبناء الجنوب!!. وانتقل الاحتجاج خطوة واسعة إلى الأمام، عندما بدأ تحالف القبائل المؤيدة للحكومة فى التصدع. وخاصة أن النظام الحالى يقوم على ركيزتين إحداهما القوات المسلحة التى تفوق فى قوتها القبائل مجتمعة، والركيزة الثانية تقوم على تحالف قبلى مؤيد لصنعاء ويتزعمه الشيخ عبد الله الأحمر شيخ مشايخ حاشد. وقد أدى رحيل الشيخ الأحمر إلى خلخلة هذا التحالف. وكان تحالف قبائل الجنوب المؤيد لصنعاء يضم الشيخ طارق ناصر الفضلى، والشيخ عبد الرب النقيب بن يافع، وبدأ هذا التأييد يتلاشى، فطارق الفضلى الذى سبق وانضم إلى المجاهدين فى أفغانستان، وهو ابن السلطان السابق لسلطنة الفضلى، الذى التحق بالثورة قبل الاستقلال وغادر الأب الجنوب بعد مؤتمر لندن سنة 1965. ويلاحظ أن العديد من القادة الإسلاميين هم أبناء السلاطين والقادة قبل الاستقلال. فمثلا الحبيب الجفرى هو ابن محمد على الجفرى «مؤسسة رابطة الجنوب العربى»، وهذا بعض ما قرب من مواقف شيوخ قبائل الجنوب، موقف طارق الفضلى مؤيدا، لآلاف المتظاهرين فى شوارع زنجبار فى 27 أبريل الماضى ضد حكم صنعاء، كما أيد المظاهرة التى قامت فى شوارع المكلا فى حضرموت. وأعلن بعض زعماء القبائل تأييدهم لحركة الاحتجاج، واختلت بذلك التحالفات القبلية. ولم تكترث كثيرا صنعاء بما يجرى فى الجنوب، مدعية أن ما تعانى منه محافظات الجنوب هو ذاته الذى تعانى منه محافظات الشمال. وقامت مؤخرا بإعادة أكثر من ألف متقاعد عسكرى إلى الجيش. وربما يتوقف استمرار الوحدة على نجاح صنعاء فى إعادة كسب تأييد القبائل، وإلى أى جانب تقف، وهل ستختار الاحتجاج مع بقايا الحزب الاشتراكى، أم تقف مع الوحدة؟ وهل يمكن أن تغيب عن الذاكرة صدامات ما قبل قيام الوحدة؟ هذا، وتعانى اليمن من وجع استمر نحو خمس سنوات. عقب التمرد المسلح الذى انفجر عام 2004، والذى يقوده فى صعدة «الحيثيون»، وأصبح الحيثيون فى صعدة فى الشمال، وحركات الاحتجاج الانفصالية فى الجنوب. يقول أحد أبناء الجنوب فى أسى: «وجدنا أنفسنا فى ظل وحدة اليمن، وتدفعنا صنعاء دفعا إلى هذا الاختيار المر، وهو المطالبة بالاستقلال! ولا أعرف أين على ناصر محمد أحد قيادات الجنوب والمقيم فى دمشق، ولماذا لا يعود حتى يدافع عن الوحدة؟ فحل الصراعات والتوفيق بين الأهداف المتباينة هو المدخل الطبيعى للحل». وفجأة وبلا مقدمات دخلت «القاعدة» على الخط، وأطل علينا من شبكة الإنترنت أبو نصير الوحيشى مؤيدا حركات الانفصال، وذكر مخاطبا أبناء الجنوب: «إن ما تطالبون به هو حقكم، كفله لكم دينكم..»، وليس ذلك بعيدا عن إعلان القاعدة مساندتها للطرف المناوئ للحكومة فى الصومال. إن اليمن والصومال هما الدولتان اللتان تطلان على خليج عدن وفى قلبه باب المندب. هل هذه مصادفة العمل على إشعال الفتنة، فى أحد النقاط الإستراتيجية وأحد مفاتيح الكتلة الإستراتيجية العربية فى حلقة الوصل بين أفريقيا وآسيا وأوروبا. فماذا تريد القاعدة؟ هل تعمل على تحويل اليمن إلى أفغانستان؟! فموقف القاعدة هذا دعوة صريحة إلى تدخل الغرب فى الشئون الداخلية لليمن!.