غرفة عمليات الشعب الجمهوري تواصل متابعة جولة الإعادة للتصويت بالدوائر ال19 الملغاة    قرار جديد لوزارة البترول بشأن توصيل الغاز الطبيعي لقرى ومدن الفيوم    تشكيل فريق البنك الأهلي لمواجهة إنبي في كأس مصر    23 مخالفة ضد المخابز والمحال التجارية في حملات تموينية بالإسماعيلية    8 صور ترصد عرض "العيال فهمت" على مسرح ميامي    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    عاجل- مدبولي يترأس اجتماع اللجنة العليا للعدالة الاجتماعية لمتابعة تطبيق الدعم النقدي    محافظ الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    «الإسكان» تحدد موعد القرعة الجديدة لأراضي منطقة الرابية بمدينة الشروق    حكومة غزة: إسرائيل خرقت الاتفاق 969 مرة في 80 يوما    بريطانيا وألمانيا توقعان صفقة أنظمة مدفعية متنقلة ب70 مليون دولار    أشرف حكيمي: كأس أمم أفريقيا ليست سهلة.. وسنقاتل للفوز على زامبيا    رئيس جامعة المنصورة يتفقد سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بكليات العلوم والحاسبات (صور)    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    مؤسسة التضامن للتمويل الأصغر تجدد اتفاق تمويل مع بنك البركة بقيمة 90 مليون جنيه    الداخلية تضبط شخص يوزع كروت دعائية بمحيط لجان دمنهور    الداخلية تقضي على بؤر إجرامية بالمنوفية وتضبط مخدرات بقيمة 54 مليون جنيه    مرخصة أم مخالفة؟.. «الصحة» تحقق في فيديو هروب جماعي من مصحة بالمريوطية    1.063 مليار دولار صادرات الغزل والمنسوجات في 11 شهر    مي كساب تبدأ تصوير مسلسل «نون النسوة» استعدادًا لرمضان 2026    وصول جثمان المخرج داوود عبد السيد إلى كنيسة مارى مرقس    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    «المركزي» يقرر تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة انتهاء السنة المالية    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    «ليمتلس ناتشورالز» تعزز ريادتها في مجال صحة العظام ببروتوكول تعاون مع «الجمعية المصرية لمناظير المفاصل»    القوات الروسية تحرر 5 بلدات في مقاطعة زابوروجيه وجمهورية دونيتسك الشعبية    الداخلية تنظم دورتين للكوادر الأمنية الأفريقية بالمركز المصري لحفظ السلام    رد ناري من عمر الفيشاوي على أزمة شقيقه مع المصورين في عزاء والدتهم    ولادة عسيرة للاستحقاقات الدستورية العراقية قبيل عقد أولى جلسات البرلمان الجديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    حسام حسن يدرس إراحة مروان عطية وتريزيجيه في مباراة مصر و أنجولا    حقيقة اختطاف أجنبي بالقاهرة.. الداخلية تكشف تفاصيل الواقعة    أمم أفريقيا، التشكيل المتوقع لقمة الكاميرون وكوت ديفوار    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    الصحة: الشيخ زايد التخصصي يجري قساطر قلبية معقدة تتجاوز تكلفتها مليون جنيه على نفقة الدولة    مد غزة ب7400 طن مساعدات و42 ألف بطانية ضمن قافلة زاد العزة ال103    أمم أفريقيا 2025.. تشكيل بوركينا فاسو المتوقع أمام الجزائر    وزير الصناعة يزور مقر سلطة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي ويشهد توقيع عدد من الاتفاقيات    العراق يتسلم 6 مروحيات "كاراكال" فرنسية لتعزيز الدفاع الجوي    21 مواطنًا يحصلون على جنسيات أجنبية مع الاحتفاظ بالجنسية المصرية    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    8 أبطال بجنوب سيناء يصعدون للمشاركة في تصفيات أولمبياد المحافظات الحدودية بالوادي الجديد    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    2026 .. عام الأسئلة الكبرى والأمنيات المشروعة    2025.. عام المشروعات الاستثنائية    حبس مها الصغير شهر بتهمة سرقة لوحات لفنانين أوروبيين وتغريمها 10 آلاف جنيه    كيف ينتج تنظيم الإخوان ازدواجيته.. ثم يخفيها وينكرها؟    الزمالك يخشى مفاجآت كأس مصر في اختبار أمام بلدية المحلة    إصابة شخصان إثر تصادم ميكروباص مع توك توك بقنا    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    لافروف: القوات الأوروبية في أوكرانيا أهداف مشروعة للجيش الروسي    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    عضو بالأرصاد: توقعات بأمطار متوسطة على السواحل الشمالية الشرقية اليوم    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعويم الجنيه.. وتسويات البنوك.. ومأساة الخصخصة
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 05 - 2011

هناك جرائم لا تسقط بالتقادم حتى ولو مضى عليها عشرات السنين.. وإذا كان القضاء المصرى الآن يحاسب أشخاصا ومسئولين أخطأوا واستباحوا قدسية المال العام وأضاعوا على مصر فرصا كثيرة للتقدم والرخاء فإن هناك بعض النقاط السوداء التى ينبغى فتح ملفاتها لأنها لم تكن جرائم عارضة.. لقد كانت سياسات مالية فاسدة حركتها أغراض وأهداف ومصالح وما زالت تلقى بظلالها السوداء على المجتمع المصرى كله.. وإذا جاز لنا أن نقسم أنواع الجرائم بين المسئولين فهناك مسئول تربّح أو ارتشى أو سرق مال الشعب.. وهناك مسئول آخر استولى على المصانع أو الأراضى وباع وتاجر فى أصول الدولة.. وهناك مسئول ثالث أصدر قرارات ووضع سياسات خدمت مصالح عدد محدود من الناس ودفع المجتمع كله ثمنها غاليا.
الغريب فى الأمر أن نجد مسئولا واحدا ارتكب كل هذه الجرائم فى وقت واحد، فقد تربح وارتشى وباع اصول الشعب وتاجر فيها ووضع سياسات خدمت مصالح عدد قليل من البشر.. وفى تقديرى ان هناك ثلاثة ملفات سوداء يجب أن تكون لها أولوية خاصة فى قائمة التحقيقات التى تجرى الآن مع رموز النظام السابق.
● فى تقديرى أن أول هذه الجرائم هو قرار تعويم الجنيه المصرى فى بداية عام 2003 فى حكومة د.عاطف عبيد رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.. هذا القرار من أسوأ القرارات الاقتصادية التى أضرت بالاقتصاد المصرى خاصة أن القرار لم يكن فى الوقت المناسب وترتبت عليه مخاطر كثيرة.. لا أحد يعلم حتى الآن من الأب الشرعى لهذا القرار هل كان عاطف عبيد أم جمال مبارك؟.. إن أخطر ما فى هذا القرار أنه تسرب قبل صدوره بأيام إلى عدد محدود من رجال الاعمال وأصحاب المصالح والمسئولين فى الدولة وكانت النتيجة أن قام هؤلاء باقتراض مبالغ ضخمة قُدِّرت يومها بالمليارات من البنوك بلا ضمانات وقاموا بتحويلها إلى دولارات وبعد ان صدر قرار التعويم ارتفع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50 % فقاموا ببيع الدولارات بسعرها الجديد وقد حقق هؤلاء أرباحا خيالية فى بضعة ايام، ويستطيع النائب العام د. عبدالمجيد محمود أن يطلب هذه الملفات لكى يكتشف عمليات التلاعب التى تمت ما بين البنوك ورجال الأعمال ومجلس الوزراء.
إن قرار تعويم الجنيه المصرى أعطى فرصة لعدد من الأشخاص لتحقيق مكاسب رهيبة.. كان سعر الدولار قبل قرار التعويم فى الأسواق 340 قرشا وفجأة وبعد قرار التعويم ارتفع ليصل إلى 550 قرشا ثم ارتفع مرة أخرى ولامس سقف سبعة جنيهات لكى يستقر عند 620 قرشا فى ذلك الوقت.. والسؤال هنا..
كيف تسرب هذا القرار إلى عدد من الاشخاص قبل صدوره.. وكيف تمت عمليات الاقراض السريع من البنوك لهؤلاء دون ضمانات.. وكيف تمت صفقات شراء الدولار بالجنيه المصرى ثم بيعه من خلال البنوك فى أيام معدودة وما هى المكاسب والأرباح التى تحققت من وراء ذلك كله.. والسؤال الاخطر والاهم لماذا كان تعويم الجنيه المصرى حيث لم تكن هناك ضرورات تفرضها ظروف الاقتصاد المصرى فى ذلك الوقت.
إذا كان قرار تعويم الجنيه قد حقق مكاسب كبيرة لعدد من الاشخاص ليس من الصعب معرفة أسمائهم فقد ترتبت عليه نتائج اقتصادية غاية فى السوء حيث ارتفع رصيد الديون المصرية.. كما ارتفعت قيمة الواردات.. وزادت قيمة خدمة الديون بالضرورة وارتفعت اسعار السلع المستوردة وكل هذه النتائج السيئة دفع الاقتصاد المصرى ثمنها مقابل بعض المكاسب التى حققها بعض الاشخاص وكان هذا هو اول نتائج الزواج الباطل بين السلطة ورجال الاعمال.
قضية تعويم الجنيه المصرى وما لحقته من أضرار وخسائر للاقتصاد المصرى والمواطن المصرى جريمة لا ينبغى أن تسقط بالتقادم ولو بعد مائة عام لأنها جريمة نظام فاسد وليست جريمة مسئول أخطأ.
● القضية الثانية التى ينبغى أن تفتح ملفاتها هى ما حدث فى تسويات البنوك مع رجال الاعمال المتعثرين.. كانت البنوك قد فتحت خزائنها لعدد من الاشخاص من رجال الأعمال لا يتجاوز عددهم مائة شخص فى ارض المحروسة حصلوا على مليارات الجنيهات بلا ضمانات وكان من السهل ان يقتحم احد هؤلاء اى بنك مصرى ويحصل على ما يريد والغريب فى الأمر أن هؤلاء كانوا يحصلون على قروض من عدد من البنوك وليس من بنك واحد دون تنسيق أو ضمانات.. كان رجل الاعمال يحصل على مليار جنيه من بنك و500 مليون من بنك آخر و300 مليون من بنك ثالث وكانت النتيجة ان وجدنا أشخاصا مدينين بثلاثة او خمسة مليارات جنيه لأكثر من بنك.. وكانت المفاجأة أن البعض منهم هرب والبعض الآخر تعثر وهناك من رفض السداد وبلغ حجم القروض المتعثرة فى عام 2003 ما يقرب من 300 مليار جنيه وأمام الموقف الضعيف للبنوك المصرية تنازلت عن مبالغ طائلة فى ظل تسويات مخلة حيث ضاع عليها - كما اكد طارق عامر رئيس البنك الاهلى فى احد البرامج التليفزيونية- اكثر من 100 مليار جنيه فى هذه التسويات.. والغريب فى الأمر أن 25 مليار جنيه من هذه القروض التى ضاعت كانت تخص 38 من رجال الاعمال المدينين للبنوك.
إن جريمة اهدار اموال الشعب فى البنوك بهذه الصورة الوحشية واحدة من اهم واخطر الجرائم التى لن تسقط ايضا بالتقادم لانها كانت تمثل جزءا من مدخرات المواطنين.
وسوف نجد من بين هذه الاموال الضائعة رموز الحزب الوطنى الذين سيطروا على الاراضى وتاجروا فى الدولار وحصلوا على ملايين البنوك بلا ضمانات. إن الشىء المؤكد أن وثائق كل هذه التجاوزات والتسويات ما زالت أصولها فى البنوك ويجب أن نفتح هذه الملفات لأنها ايضا لن تسقط بالتقادم.. وكانت كارثة تسويات البنوك من أسوأ نتائج الزواج الباطل بين السلطة ورجال الاعمال.
● القضية الثالثة هى ملفات برنامج الخصخصة وبيع اصول الدولة المصرية وانا أعلم ان هذا الملف مفتوح الآن فى مكتب النائب العام.. فى برنامج الخصخصة كوارث كثيرة سواء فى عمل لجان التقييم أو عمليات البيع أو تغيير الانشطة وتجارة الاراضى، خاصة أن ذلك كله قد تم فى حكومة رجال الاعمال فى عهد د. أحمد نظيف حيث تم إعلان الزواج رسميا بين الحكومة ورجال الاعمال وهو الزواج الذى انتهى مع ثورة 25 يناير التى أطاحت بالنظام كله.
لا أحد يعلم حتى الآن حجم الاموال التى حصلت عليها الدولة من بيع مشروعات القطاع العام فقد تفرقت هذه الاموال وصارت مشاعا بين القبائل.. كان تقييم ثمن هذه المشروعات اول الجرائم.. وكان تقسيط الثمن على عدة سنوات والسماح للمشترين بالاقتراض من البنوك المصرية بضمان المشروع جريمة أكبر.. ثم بعد ذلك كان توزيع ثمن البيع مابين خزينة الدولة.. والمعاش المبكر وتعويض العاملين فى هذه المشروعات.
لم تكن لجان البيع على درجة من النزاهة فى تحديد سعر بيع هذه المشروعات.. ولم يكن المسئولون الكبار بعيدين عن الشبهات فى الاخلال بقوانين المناقصات والمزايدات فقد تم بيع مشروعات كثيرة بالأمر المباشر.. وبعد ذلك كله فإن بيع هذه المشروعات لم يحقق للدولة الدخل المناسب.. كان رجل الأعمال يشترى مصنعا بخمسين مليون جنيه رغم أن قيمة معداته تزيد على مائة مليون جنيه وقيمة سعر الأرض تتجاوز مائة مليون أخرى ويقوم المشترى بطرد العمال وبيع المعدات وتقسيم الأراضى كمنشآت عقارية ثم يحصل على قرض من احد البنوك لسداد ثمن المصنع وهذا يعنى انه لم يدفع شيئا على الاطلاق بينما حقق مكاسب وارباحا تزيد على 300 مليون جنيه.
وقد حدثت كوارث أخرى، حين قامت الحكومة بتجديد واحلال عدد من المصانع ثم باعتها بأسعار اقل كثيرا من تكاليف عمليات الاحلال والتجديد.. حدث هذا فى مصانع لها امتيازات خاصة حيث تقع على مساحات هائلة من الاراضى كما حدث فى مصنع البيبسى كولا والمحالج والمطاحن والغزل والنسيج والزيوت والكتان والمراجل البخارية وقد بيعت هذه الأراضى كعقارات بأسعار خرافية.
لا أحد حتى الآن يعرف حصيلة بيع أصول الدولة المصرية فى برنامج الخصخصة هناك من يقول ان الحصيلة بلغت 35 مليار جنيه وهناك من يقول إن الحصيلة 85 مليار جنيه ولكن المؤكد أن عدد المشروعات التى تم بيعها قد تجاوز 100 شركة ومؤسسة ووحدة انتاجية.. حدث هذا رغم ان تقديرات البنك الدولى كانت تؤكد أن اصول القطاع العام المصرى تتجاوز قيمتها 500 مليار جنيه. كانت هناك دائما محاولات اخفاء للحقائق حول عمليات بيع المشروعات فى برنامج الخصخصة حتى تم الإعلان صراحة عن فشل هذا البرنامج ولكن بعد خراب مالطة.
هذه الملفات الثلاثة: تعويم الجنيه.. وتسويات البنوك.. وبرنامج الخصخصة كانت أهم وأخطر جرائم النظام السابق.. إهدار لقيمة الجنيه المصرى.. وضياع مدخرات الناس فى البنوك وبيع مستقبل الاجيال القادمة فى برنامج الخصخصة ومثل هذه القضايا لا يمكن أن تكون جزءا من الماضى فقط لأنها تركت لنا هذا الحاضر المؤلم وسوف تهدد مستقبل أجيال قادمة لن تترحم أبدا على من باعوا أصول الوطن واستباحوا ترابه المقدس ولم يكونوا على مستوى المسئولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.