ماذا ورد في بيان مجموعة السبع بشأن الحرب الإيرانية الإسرائيلية؟    ترتيب المجموعة الرابعة في مونديال الأندية بعد فوز فلامنجو على الترجي    تشكيل الهلال المتوقع أمام ريال مدريد في كأس العالم للأندية    وزير التعليم يتابع امتحانات الثانوية العامة من غرفة عمليات الوزارة    ممنوع الهواتف المحمولة والساعات الذكية.. تفتيش طلاب الثانوية العامة بفيصل قبل دخول امتحان المادة الأجنبية الثانية    تركي آل الشيخ يكشف كواليس زيارته لمنزل الزعيم عادل إمام    تفتيش الطلاب والطالبات علي أبواب لجان امتحانات الثانوية العامة في الدقهلية    وسط التصاعد العسكري.. إجلاء جماعي لعدة دول من إسرائيل وإيران    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| مواجهات نارية في كأس العالم للأندية 2025    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    وزير دفاع أمريكا: نتبنى موقفا دفاعيا في المنطقة.. ونحافظ على يقظتنا واستعدادنا    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 17-6-2025 مع بداية التعاملات    انقطاع واسع في خدمة الإنترنت في طهران    «سكاي أبوظبي»: 240 مليار جنيه مبيعات مشروع «رأس الحكمة»    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    بعد أزمة الاستبعاد.. جلسة صلح بين ريبيرو ونجم الأهلي في أمريكا (تفاصيل)    طريقة عمل كيكة الجزر، مغذية ومذاقها مميز وسهلة التحضير    8 أطعمة تصبح أكثر صحة عند تبريدها، والسر في النشا المقاوم    5 تعليمات من وزارة الصحة للوقاية من الجلطات    فاروق حسني يروي القصة الكاملة لميلاد المتحف المصري الكبير.. ويكشف رد فعل مبارك    موعد مباراة الأهلي القادمة أمام بالميراس في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    إيران تشن هجوما جديدا الآن.. إسرائيل تتعرض لهجمات صاروخية متتالية    ترجمات| «ساراماجو» أول أديب برتغالي يفوز بجائزة نوبل أدان إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين جريمة»    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    3 أيام متتالية.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    خامنئي يغرد تزامنا مع بدء تنفيذ «الهجوم المزدوج» على إسرائيل    ماكرون: نؤيد وقف إطلاق النار ومستعدون ل مفاوضات نووية جديدة مع إيران    إغلاق جميع منشآت التكرير في حيفا بعد ضربة إيرانية    أشرف صبحي يكشف كواليس تدخلاته في أزمة زيزو.. ويؤكد دعمه الكامل للأهلي    الدولار ب50.21 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء 17-6-2025    أسعار الخضار والبطاطس ب الأسواق اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025    وكالة إس إن إن: إيران تعتزم مهاجمة قاعدة جوية عسكرية إسرائيلية حساسة    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بشوارع عاصمة البحيرة| صور    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    بعد إنهاك إسرائيل.. عمرو أديب: «سؤال مرعب إيه اللي هيحصل لما إيران تستنفد صواريخها؟»    تفاصيل محاضرة ريبيرو للاعبي الأهلي    تراجع أسعار الذهب العالمي رغم استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران    حرب إسرائيل وإيران.. البيئة والصحة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية والنيران النووية    إلهام شاهين تروي ل"كلمة أخيرة" كواليس رحلتها في العراق وإغلاق المجال الجوي    حدث بالفن | عودة إلهام شاهين وهالة سرحان من العراق والعرض الخاص لفيلم "في عز الضهر"    بسبب إغلاق مطار بغداد.. إلهام شاهين تكشف تفاصيل عودتها لمصر قادمة من العراق    "سقوط حر" يكشف لغز جثة سوداني بفيصل    مباحث الفيوم تتمكن من فك لغز العثور على جثة شاب مقتول بطلق ناري    محاكمة تشكيل عصابي متهم بسرقة المواطنين بالإكراه ببولاق أبو العلا اليوم    "حقوق الإنسان" بحزب مستقبل وطن تعقد اجتماعًا تنظيميًا بحضور أمنائها في المحافظات    أمريكا: حالات الإصابة بمرض الحصبة تقترب من 1200 حالة    مستشارة الاتحاد الأوروبي: استمرار تخصيب اليورانيوم داخل إيران يمثل مصدر قلق    قطع أثرية بمتحف الغردقة توضح براعة المصريين القدماء فى صناعة مستحضرات التجميل    محافظ كفر الشيخ: إقبال كبير من المواطنين على حملة «من بدرى أمان»    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    إيبارشية قنا تستقبل أسقفها الجديد بحضور كنسي    اتحاد المرأة بتحالف الأحزاب يعلن الدفع بمجموعة من المرشحات بانتخابات مجلسي النواب والشيوخ    وزير العمل والأكاديمية الوطنية للتدريب يبحثان تعزيز التعاون في الملفات المشتركة    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه حجم استثمارات قطاع التعليم خلال ال 6 سنوات الأخيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية وحروب الهواء المذهب
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 05 - 2011

ولما جاء زمن الثورة انشق أهل النظام العربى على أساس «طبقى»: تكتل أهل الثروة بالمصادفات القدرية لمواجهة الآتى مع حضور الشعوب بعد غياب طويل، وارتبكت الإدارة الامريكية لبعض الوقت قبل ان تباشر مواجهة الخطر الداهم بالنفاق السياسى لأهل الثورة بقصد استيعابهم، فى حين تبعثر الحكام الفقراء يحاول كل منهم حماية عرشه بما بين يديه من أسباب القوة.
ودخلت ميدان المواجهة أسلحة جديدة لتتولى مباشرة الهجوم المضاد على الثورة أبرزها وسائط الإعلام والتواصل، بدءا بالفضائيات وصولا إلى الفيس بوك والتويتر والرسائل البرقية التى يصعب ضبط مصدرها وصدقية «شاهد العيان» الذى يمكن استحضاره فى أى مكان أو زمان.
ولقد شهد المواطن العربى الذى كان فى الغالب الأعم، فى موقع المتلقى، غارات على عقله عبر عينيه وأذنيه، بالصوت والصورة والكلمة المطبوعة او الطائرة مع الهواء بحيث كادت تختلط عليه الأمور وتاه فى طوفان المعلومات التى يستحيل عليه تدقيقها وكشف نسبة المبالغة او التزييف فيها.
•••
فى تونس كانت المفاجأة صاعقة خصوصا وقد بدأت بمأساة إنسانية لم يقرأ فيها احد شرارة انفجار الثورة: أحرق محمد البوعزيزى نفسه احتجاجا على الظلم وعبر خطاب وجدانى مؤثر يمكن لبساطته اعتباره المانيفيستو المؤهل لرسم ملامح الغد. ولان الجو كان محتقنا بالغضب والشعور بالمهانة فقد امتد الحريق إلى قصر الطاغية فى تونس العاصمة... وحسم الجيش الأمر حين رفض التصدى للثورة، فإذا بن على ينتهى لاجئا فى مملكة الصمت الأبيض.
فى مصر كان الأمر أكثر تعقيدا حيث ليس للثمانين مليونا من البشر تنظيمات حزبية او سياسية تكتل مجاميعهم وتوحد شعاراتهم، لكن التجربة التونسية أهدتهم العنوان السحرى لبرنامج العمل: الشعب يريد إسقاط النظام.
وكما فى تونس تولى البوليس السياسى القمع فى مصر، فى حين ظل الجيش بعيدا عن التصدى للشعب... وهكذا حسم « حياد» الجيش الموقف، خصوصا وان شراسة قمة النظام فى مواجهة المواطنين العزل بلغت ذروتها الدموية بالقتل الجماعى، فكان ان انحاز الجيش إلى مطالب الشعب حرصا على شرف المؤسسة التى يحفظ لها المصريون دورها الوطنى بكثير من التقدير.
أما ليبيا فكانت نموذجا مختلفا إلى حد الفرادة: لقد تفجر الغضب الشعبى فى شرقها، متخذا من بنغازى قاعدة الانطلاق، ورد معمر القذافى ونجله سيف الإسلام بقرار التصدى بالسلاح للثوار الذين لم يكونوا يحلمون بإسقاط النظام الذين يعرفون طبيعته الشرسة وحجم القوى المسلحة التى يمتلكها دون ان تكون فى يد الجيش.
هكذا وفى غضون أيام تولى الحلف الأطلسى قيادة «الثورة» فى حين تصدت كتائب القذافى الموزعة على أبنائه (وكل منها جيش) للحرب بسلاح النفط أولا، ومن ثم بترسانة الأسلحة الحديثة الموزعة على الجهات المختلفة.
بنغازى مدينة عاصية منذ زمن بعيد، ولذلك فهى مهملة، وطرابلس مدينة بلا هوية، والولاء القبلى تم تجديده بالدولار، لذلك أخذت العصبية القذافى إلى سرت التى جعلها عاصمة غير معلنة ولكنها مركز الحكم ومؤتمرات القمة. الشرق مسقط من الذاكرة، والجنوب البعيد قبلى مع أقلية من الطوارق، والغرب زنتانى بطابع الامازيغ، والخطوط مفتوحة مع الجزائر التى تخشى تمدد الثورة وتتخذ من النفط درع حماية.
وبين بنغازى والشرق الليبى عموما ومعمر القذافى ود مفقود منذ زمن بعيد. وحين وافق القذافى على مشروع الشريط الممتاز عن بطل النضال العربى فى ليبيا الشهيد عمر المختار فقد عانى منه المخرج المبدع مصطفى العقاد مر العذاب، لأنه أصر ان ينتهى الشريط بثورته، متجاهلا الفجوة التاريخية الواسعة بين الحدثين.. وكان على العقاد أن يبتدع حيلة الطفل الذى يقفز إلى منصة الإعدام ليلتقط نظارة المختار، موهما القذافى انه يرمز اليه...ومع ذلك فقد أصر الأخ معمر على إضافة ما يكاد فيلما كاملا عنه وعن ثورته فى نهاية الشريط للعرض الخاص.
فى ليبيا، إذن، بدأت المواجهة بين الثورة وبين الصعوبات التى تكاد تبلغ حد استحالة النصر. وكان العنوان: النفط. والنفط معادٍ للثورة. النفط غرب والثورة شرق. الغرب ضد الثورة ومع النفط لا تلتقى الثورة والنفط.
وهكذا نزل النفط إلى ميدان المعركة ضد الثورة من أقصى المغرب إلى أدنى المشرق: أوفد حكام النفط طائراتهم المقاتلة، امريكية وبريطانية وفرنسية، وأموالهم وبعض شيوخ قبائلهم إلى ليبيا لمناصرة الحلف الأطلسى الذى سرعان ما نال تفويضا عربيا بقيادة «الثورة»، تلاه تفويض أممى.
أما إلى البحرين فقد أوفد حكام النفط جيوشهم للقضاء على انتفاضة ديمقراطية سلمية تطالب بالحد الأدنى من الحقوق الطبيعية للإنسان، فكان القمع وحشيا، قتلا وتهديما واعتقالات وتعذيبا، حتى يكون أهل البحرين الذين رفضوا فى استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة قبل أربعين عاما الانضمام إلى إيران متمسكين بعروبتهم وبروابطهم العائلية بأهلهم العرب لا سيما فى العراق.
فى اليمن المنشقة جماهيرها بين حاكمها شبه الأبدى وبين خليط المعارضات فيها، كان لا بد من استخدام السلاح الذى لا يفل: الدولار. وهكذا ذهب أهل النفط حاملين أكياس الذهب لشراء الثورة والدكتاتور والقبائل والمشايخ والمضائق معا. فخطر العدوى سريع الانتشار فى هشيم المجتمعات الممنوع عنها النور والرأى وسائر مقومات الديمقراطية.
أما فى سوريا فالأمر أكثر تعقيدا، لأن النظام كان يحظى بتزكيات دولية وعربية عديدة، وكان يبدو متميزا بنشاطه فى نسج التحالفات... لكنه كان فرديا، يرتكز إلى حزب شاخ وفقد مبرر وجوده ولم يعد يمثل طموح شعبه، ولم يعد مفيدا لحجب مواقع السيطرة الفعلية ولا مؤهلا لطمس الطبيعة الأمنية للنظام. ثم ان موضوع البحرين، ومعها اليمن ومن قبلهما العراق تحت الاحتلال، ثم لبنان بالخلافات المفتوحة على الطائفية لقواه السياسية المتعددة، كل ذلك قد أعاد طرح المسألة المذهبية وبقصد مقصود... وهذا يصيب مقتلا فى النظام السورى العلمانى نصا، وفى مجتمع متنوع عنصريا وطائفيا وان ظلت الهوية العربية هى الأساس.
نعود إلى الإعلام ودوره فى الثورة كما فى الثورة المضادة.
•••
ليس اكتشافا القول إن أهل النفط هم من يملكون الإعلام الأوسع انتشارا والأقوى تأثيرا فى زمن البؤس العربى. لقد انتقلت القيادة السياسية الفكرية الثقافية من البلاد ذات الأهلية بالنضج السياسى وغنى التجربة الثقافية إلى دويلات النفط التى تكاد تكون محميات امريكية ومنصات توجيه إسرائيلية. لقد صادر أهل النفط الهواء، وصادروا الكلمة المطبوعة وصادروا شعارات الثورة فباتوا يتحكمون بعقول المشاهدين والمستمعين، مستفيدين من غباء الدول ذات الأنظمة البوليسية التى ترى فى الإعلام مجرد بوق يعمم الجهل والتخلف على رعاياها.
وليس اكتشافا القول إن الإعلام الخاص المحكوم بمصالح أهل المال والولاء السياسى المحدد إنما ينطق باسم هؤلاء جميعا، ولا يتردد فى نشر ما يرون فيه نفعا لهم ولو على حساب بلادهم. وبديهى ان إعلام الفقراء لا دور له ولا تأثير الا فى التفاصيل المحلية.
إن الذهب الأسود يحاول أن يشترى ثورات الفقراء من أبناء الشعوب العربية. انه يخادعهم وينافقهم ليضللهم، فيقدم درع الجزيرة على أنها قوة تحرير، ويقدم الحلف الأطلسى على انه قيادة ثورية.
لقد انتفخت أحجام شيوخ النفط، فتصوروا أنفسهم أصحاب القرار فى الشئون العربية المصيرية، بوصفهم الوكلاء المحليين للإدارة الامريكية، ترسم لهم الأدوار فيبادرون إلى تنفيذها بطائراتهم المحملة بصناديق الذهب.
وها أن مجمع أهل النفط يغدو أشبه بمجلس الأمن القومى المضاد للثورات فى الوطن العربى. وتصور بعض الشيوخ الذين يعطيهم المال الذى لم يتعبوا فى تحصيله انهم باتوا أصحاب القرار فى مصائر الدول الفقيرة: يذهبون إلى حسنى مبارك فى الساعة الأخيرة للنجدة، ويذهبون إلى الرئيس السورى بشار الأسد بما يشبه الإنذار المساومة: «اقطع مع إيران ونحن جاهزون والا اعتبرناك من الخوارج!»
إن الثورات الوطنية محاصرة بالمال العربى بقدر ما هى محاصرة بالضغوط الامريكية والتهديدات الإسرائيلية التى تعززت بالتحالف غير المقدس مع أعداء التغيير من أهل النظام العربى.
ومؤكد أن الإعلام الفضائى النفطى يلعب دورا تضليليا خطيرا ويشوه الوقائع والمواقف، يزور طبيعة الثورات ويزكى القيادات المشبوهة، ويحرك النعرات الطائفية والمذهبية من خلال تشويه الحقائق وتزوير الوقائع خدمة لأغراض مموليه ورعاتهم الأمريكيين.
وبين ابرز مهام الثورة العربية الجديدة ان يكون لها إعلامها القومى القادر على إلحاق الهزيمة برعاته مرة ثانية، بعدما هزمتهم باقتلاع بعض كبارهم من مواقع الطغيان التى كانوا منها يتحكمون برعاياهم ماضيا وحاضرا ومستقبلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.