القلب عضلة فريدة فى تركيبها، لها قدرة هائلة على العمل فى دأب وانتظام، يبدأ قبل ميلاد الإنسان جنينا فى رحم أمه، ولا يتوقف إلا ليعلن عن نهاية رحلته طالت أو قصرت. تنقبض عضلة القلب وتنبسط لتدفع الدم وتستقبله فى إيقاع ثابت كما لو كانت خلية واحدة، وفقا لقانون يعرف بقانون الكل أو لا شىء all or non rule أى أن خلايا القلب كلها تنقبض وتنبسط فى آن واحد، وذلك سر قوتها المذهلة التى تضمن للإنسان قدرا من الدم يكفى حاجة كل عضو فيه ليعمل بكفاءة فى منظومة صحة البدن وسلامته.. ماذا يمكن أن يحدث من تداعيات إذا ما اختل الإيقاع وانفرط العقد وحل النشاز محل الرتابة؟ كيف يتداعى الجسد إذا ما ارتجف القلب؟ يتكون القلب تشريحيا من أربع حجرات: أذينان «الحجرتان العلويتان» أيمن وأيسر، وبطينان «الحجرتان السفليتان» أيمن وأيسر. لكل منها وظيفة محددة تكمل عمل الحجرات الأخرى وتعاونها فى تمام وظيفة بالغة الأهمية وهى ضخ الدم الذى يحمل كل مقومات الحياة من أكسجين نقى وعناصر غذائية كالماء والمعادن والأملاح والفيتامينات والمواد الدهنية والسكرية والبروتين، إلى جانب الهرمونات المختلفة إلى كل أعضاء الجسم. سلامة عمل القلب ترتبط بسلامة بنائه التشريحى المحكم: 1 حجراته العضلية «الأذينان والبطينان» التى تستقبل الدم القادم من كل أنحاء الجسم لتدفعه إلى الرئة للتخلص من الفضلات وغاز ثانى أكسيد الكربون وتزوده بالأكسجين النقى ليعود مرة أخرى للقلب الذى يضخه بقوة فى شريان الأورطى ليجرى فى تلك الشبكة المحكمة من الشرايين التى تتضاءل فى سعتها حتى تتحول إلى شعيرات دموية رفيعة تصل إلى أطراف الأصابع ليعود الدم مرة أخرى عبر شبكة الأوردة إلى القلب الذى يدفعه مرة أخرى فى اتجاه الرئة. حركة دائمة دائبة مع كل نبضة من نبضات القلب التى تتعاقب فى انتظام ورتابة فى الأحوال الصحية الطبيعية. 2 أربعة صمامات تسهل تدفق الدم فى اتجاه واحد بين حجرات القلب بعضها البعض، أو بين البطين الأيمن والشريان الرئوى والبطين الأيسر وشريان الأورطى. 3 شرايين تاجية تمد القلب بما يحتاجه هو أيضا من دم يحمل كل ما يحتاجه من غذاء وأكسجين ومواد عضوية وكيميائية تدعم عمله. يظل هناك المحرك الرئيسى الذى يضمن القوة الدافعة الدائمة لتلك المنظومة المعجزة: النبضة الكهربائية التى تشعل شرارة المحرك لتعمل العضلات بكفاءة بين انقباض وانبساط فى تناغم ورتابة تضمن سلامة المنظومة وتكرارها. ●من أين يبدأ سريان تيار كهرباء القلب؟ يبدأ سريان كهرباء القلب مما يسمى العقدة الأذينية الجيبية SAN وهى عبارة عن تجمع لخلايا من نسيج عضلة القلب عالية الحساسية فى تركيبها، لها خاصية فريدة فى استحداث ذلك السيال الكهربائى الذى يبدأ منها ليسرى فى ممرات خاصة لينتهى بشبكة رهيفة من الأعصاب التى تغطى عضلة القلب بأكملها، بل وتخترق جدرانها شبكة متصلة تتلقى أوامرها من سيد آمر يسمى العقدة الأذينية الجيبية يسكن فى الأذين الأيمن. تبدأ النبضة الكهربائية من الأذين الأيمن لتسرى إلى الأذين الأيسر فينقبضان معا لتكمل مسارها إلى البطينين عبر عقدة أخرى تسمى العقدة الأذينية البطينية «AVN» مهمتها إبطاء سرعة السيال الكهربي الواصل إلى البطينين. فإذا ما وصل انتشر بسرعة كبيرة تمكن البطينين من الانقباض بقوة فى آن واحد ليضخا الدم فى شريان الأورطى والشريان الرئوى. ● كيف إذن يحدث الخلل فى النشاط الكهربائى؟ تظل المنظمة على رتابتها إلى أن يحدث ما يتسبب فى انفراط عقدها. فجأة قد تتولد نبضات كهربائية من موقع آخر تستجيب لها خلايا فى الأذين فتنقلها بسرعة لخلايا مجاورة فيبدو الأمر كفرقة موسيقية لها أكثر من قائد أوركسترا. فى الطبيعى نبضة منفردة من العقد الاذينية الجيبية تحفز خلايا الأذينين على الانقباض في تزامن وقوة لكن وجود أكثر من مصدر قادر على دفع نبضات كهربية يجعل الأمر شبيها بمعركة تتدافع فيها فورة من النبضات الكهربية التى تتسبب فى انقباضات فى أماكن مختلفة من الأذينين بصورة سريعة أشبه بالفوضي التي ينتج عنها تلك الذبذبة الأذينية فى كل من الأذين الأيسر والأيمن على حدة، والتى يمكن التعبير عنها أيضا بالرجفان الأذينى بدلا من الانقباض الطبيعى، فينزل الدم من الأذينين إلى البطينين دون قوة دافعة عبر الصمامات. من مظاهر الرحمة بالإنسان المصاب بالارتجاف الأذينى والذى ينقبض فيه الأذينان أكثر من ثلاثمائة مرة على الأقل فى ارتعاشة فى الدقيقة غير طبيعية، فإن البطين لا يستقبل على أكثر تقدير إلا مائة وثمانين نظرا لوجود العقدة الأذينية البطينية التى تبطئ من مسار السيال الكهربائى، الأمر الذى يحفظ على الإنسان حياته وإن ظل فى خطر. ● ما هى الحالات المرضية التى قد يصاحبها ارتجاف الأذينين؟ قد تحدث رجفة الأذينين بلا أى سبب سابق، أو حتى إنذار. وقد تنتهى أيضا بلا مقدمات. لكن هناك حالات مرضية قد تصاحبها حالة من الذبذبة الأذينية مثل أمراض الصمامات المختلفة، خاصة ضيق الصمام الميترالى أو فى حالات هبوط عضلة القلب، تصلب الشرايين التاجية، الإصابات الروماتيزمية، جلطات الرئة أو ازدياد نشاط الغدة الدرقية. ● ما مدى خطورة ارتجاف الأذينين؟ تعتبر السكتة الدماغية أخطر مضاعفات ارتجاف الأذينين، إذ يمكن أن تحدث إثر تخثر الدم. فإذا انفصلت إحدى تلك الخثرات وسارت فى تيار الدم الصاعد للمخ فإنها بلا شك تتسبب فى انسداد الأوعية الدموية فى أى مكان فى المخ، الأمر الذى يعرض الإنسان للإصابة بالشلل. تكون تلك النهاية فى نحو 15٪ من الحالات، الأمر الذى يتطلب سرعة التحكم فى تلك الحالة المرضية المنذرة بالخطر. هناك أيضا العديد من الأعراض التى تتراوح بين تسارع نبضات القلب وآلام الصدر والإغماء، خاصة لمن يعانون من أمراض الصمامات. ● هل من علاج؟ يبدأ علاج رجفة الأذينين عادة بالأدوية التى تعاون القلب على استعادة رتابة نبضه، وإن كانت فى أغلب الأحيان تحمل أضرارا جانبية كثيرة. قد تجدى الصدمة الكهربية فى استعادة رتابة النبض مرة أخرى، يعقبها اختيار الدواء المناسب الذى يمكن الاستمرار عليه. هناك أيضا القطع بالقسطرة وهى تقنية حديثة تهدف إلى السيطرة على تلك الفوضى الكهربائية فى الأذينين، وإن كانت لا تأتى بنتائج مؤكدة فى أحوال كثيرة.