«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق البشري يكتب الديمقراطية ونظام 1971 (4 4)
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 05 - 2009

فى الحلقة الأخيرة من دراسته، يبدى المستشار طارق البشرى ملاحظات على المجالس النيابية التى تم تشكيلها على مدى ثلاثين عاما، منذ عام 1971 وحتى عام 2000، ويلاحظ أن ما أكمل منها فترته الدستورية غابت عنه المعارضة أو كادت، كما يلاحظ انخفاض نسبة المشاركة فى الانتخابات بشكل عام وتزايد الطعون الانتخابية مع زيادة الانتخابات.
وفيما يتعلق بحالة الطوارئ، يشير إلى أن إعلانها منذ ثلاثين عاما جاء ومصر فى حالة سلام مع إسرائيل، وأنها بطبيعتها تمنح رئيس الدولة سلطات استثنائية، وقد استخدمها السادات فى الإطاحة بمعارضيه خصوصا فى النقابات المهنية والعمالية.
أما الأخطر، فهو ما يشير إليه من ظاهرة الاندماج فى الرئاسة بين السلطات والهيئات منذ وفاة الرئيس السادات، مما أفقد هذه السلطات استقلالها وأوجد حالة من الانفراد بالسلطة، وأفرز ما بات يعرف ب«شخصنة السلطة» الذى يهدد كيان الدولة ذاته.
ويلاحظ على تشكيلات المجلس النيابى المصرى خلال هذه المرحلة من سنة 1971 إلى 2000 ما يلى:
أولا: إن المجالس النيابية التى استمرت مدتها الدستورية كاملة كانت أربعة مجالس، الأول الذى شكل فى 1971، وكانت قد جرت انتخاباته فى ظل وجود الاتحاد الاشتراكى وما كان يملك من سلطة الاعتراض على المرشحين وكانت قد أقصيت منه كل أسماء المعارضين لحكم السادات عند إنشاء المجلس. المجلس الثانى هو مجلس سنة 1979 وكانت نسبة العضوية فيه من حزب الحكومة تصل إلى 90٪ من مجموع الأعضاء، وحصل فيه حزب العمل حديث النشأة وقتها الذى كان قريبا عند إنشائه من حكومة الرئيس السادات، حصل على 30 مقعدا. فلما بدت المعارضة منه نقصت عضويته إلى 12 مقعدا فى 1981 بسبب هجران بعض أعضاء الحزب له. ثم كان المجلسان الثالث والرابع مجلسى 1990 و1995، ولم يظهر فى تشكيلهما معارضة تذكر إلا من بضعة أعضاء فقط.
والمجلس الذى انتهت مدته نهاية مبتسرة قبل انتهاء أجلها كان مجلس 1976 وقد ظهرت فيه معارضة بنسبة 19٪ وصارت عنيفة فى خصومتها لسياسة الرئيس السادات ومن أهم أسباب هذه الخصومة مهادنته لإسرائيل وإبرامه معها معاهدة الصلح. ومجلسا 1984 و1987 وهما ما حكمت المحكمة الدستورية ببطلانهما وبعدم دستورية نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية. وكان هذان المجلسان هما أكثر ما مثلت فيه أحزاب المعارضة فى المجالس النيابية منذ 1952.
وحتى هذا الوضع لم يكفل للمعارضة فى أحسن حالاتها نسبة أكثر من 22٪ حصلت عليها فى تجربة ليست لها سابقة ولا لاحقة منذ 1952 وهى انتخابات 1987، وكان للحكومة نسبة تمثيل لم تقل أبدا عن 78٪ وكانت فى غالب المجالس تناهز 90٪.
ثانيا: إن عدد المسجلين فى جداول الانتخاب كانت تتراوح نسبتهم بين 84 و43٪ وبين 47.1٪ ممن لهم حق الانتخاب قانونا، ولم تبلغ هذه النسبة 50٪ إلا فى سنة 1978. وحتى عندما بلغت نحو 68٪ فى انتخابات 1995 كان الفارق الذى لم يسجل يبلغ نحو عشرة ملايين مواطن غير مسجل فى الجداول. أما المشاركون فى الانتخابات من المسجلين فى الجداول فقد بلغت نسبتهم فى 1982 نسبة 43.29٪ وارتفعت إلى 50٪ فى سنة 1987 ثم انخفضت فى سنة 1990 إلى 44٪ ثم ذكرت وزارة الداخلية أنها بلغت 49.94٪ فى سنة 1995. وكانت هذه النسبة نادرا ما تصل إلى 30٪ فى المحافظات الحضرية وتراوحت ما بين 25.79٪ وما بين 29.17٪ فى أعوام 1984 و1987 و1990 وهبطت إلى 13٪ فى انتخابات 1995.
ثالثا: الطعون الانتخابية كانت تزداد مع الانتخابات. وانتخابات 1995 شهدت أكبر رقم من الطعون الانتخاية. وأن هذه الطعون ينظرها مجلس الشعب بعدأن تحققها محكمة النقض، وذلك طبقا لمحكم الدستور. وقد حفظت تقارير محكمة النقض فى هذا الشأن الكثير من وقائع الانتخابات، من حيث عدم الضبط وعدم انتظام السجلات المقيد بها أسماء الناخبين، ومن حيث ما يحدث من تدخلات وما يصطنع من بطاقات للتصويت.. وتتضمن الكتب والمقالات الصحفية التى نشرت أطرافا من هذه التحقيقات وقائع كثيرة يمكن الرجوع إليها والتعرض لها بشىء من التفصيل إن كان فى مجال البحث متسع.
رابعا: إن المحكمة الدستورية العليا، أبطلت انتخابات مجلس الشعب المشكل فى 1984، ثم أبطلت انتخابات مجلس الشعب المشكل فى 1987، ثم أبطلت انتخابات مجلس الشعب المشكلين فى 1990 و1995. وبهذا فإن ثمة أحكاما قضائية قضت بأن الهيئات النيابية التى تشكل الهيئة التشريع طبقا للدستور المصرى، وتكتسب السلطة التنفيذية شرعية نشاطها من أنها تتبع وتنفذ القوانين التى تصدرها هذه الهيئة، كانت هيئات باطلة لمدة ست عشرة سنة متصلة، ويتلوها المجلس النيابى الحالى المشكل فى سنة 2000 وثمة طعون انتخابية لاتزال منظورة بشأنه. وإذا كانت المحكمة الدستورية فى كل من أحكامها هذه أشارت إلى أن بطلان تشكيل مجلس الشعب لا يؤثر فى شرعية ما أصدره من قوانين وتشريعات خلال فترة انعقاده ونشاطه، فقد كان ذلك من المحكمة تطبيقا لمبدأ قانونى يتعلق بوجوب الإقرار بالأمر الواقع مراعاة لصالح من خضعوا لهذا الأمر الواقع دون أن يكونوا مشاركين فيه، ونشأت لهم مراكز قانونية وترتبت لهم أو عليهم ولغيرهم حقوق، بما لا يجوز معه إهدار هذه الأوضاع، ولهذا المبدأ تطبيقات قانونية عديدة تتعلق بفكرة «الملك الظاهر» و«الوارث الظاهر» و«الموظف الفعلى».. الخ. ولكن هذا الوضع لا يخل بحقيقة أن الهيئة التشريعية لم يكن لها وجود شرعى فى تقدير إحدى مؤسسات الدولة ذاتها وهى المحكمة الدستورية، وذلك لمدى يصل إلى العقدين من السنين.
خامسا: إن رئيس الجمهورية كان هو ذاته رئيس الاتحاد العربى الاشتراكى فى عهد التنظيم السياسى الشعبى الوحيد طبقا للمادة 5 من دستور 1971 قبل تعديل النظام. ثم صار وهو رئيس للاتحاد الاشتراكى رئيسا لمنبر الوسط، فلما صار المنبر حزبا مع انتخابات مجلس الشعب فى نوفمبر 1976، صار هو رئيس حزب مصر العربى الاشتراكى الوارث لمنبر الوسط، ثم شكل الحزب الوطنى الديمقراطى ورأسه وانضم إليه فيه الغالبية الغالبة من قيادات وقواعد حزب مصر العربى الاشتراكى. بمعنى أن رئيس الجمهورية الممثل للحكومة انتقل إلى الحزب الجديد فانتقل معه أعضاء الحزب كلهم «إلا آحادا صعب على كرامتهم أن يهرولوا لحزب جديد بمجرد إشارة من الرئيس صاروا من المعارضة». ثم لما تولى رئيس الجمهورية الجديد رئاسة الجمهورية فى أكتوبر 1981 صار هو رئيس الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم وجمع ويجمع بين الرئاستين وهو من يشكل الحكومة والوزارة وحزبه هو من يحوز أغلبية فى مجلس الشعب تبلغ عادة ما لا يقل عن 90٪ من الأعضاء، ولم تقل أبدا ولا فى النزر اليسير عن 90٪ من الأعضاء. والعناصر القيادية هى هى ذاتها فى الحكومة وفى الحزب وفى مجلس الشعب، بما يتأكد من أن ثمة دمجا والتحاما بين هذه التكوينات الدستورية والسياسية الثلاثة. وإن ثمة توحدا أيضا فى رئاستها الفردية.
(10)
عندما صدر دستور 1971 كانت حالة الطوارئ معلنة، منذ قيام حرب 1967، وكان القانون رقم 162 لسنة 1958 هو ما ينظم حالة الطوارئ، ويجيز إعلانها فى حالة الحرب أو التهديد بها أو حالات الاضطرابات الداخلية أو الكوارث العامة مثل انتشار الأوبئة. وإعلان حالة الطوارئ بموجب هذا القانون يكسب رئيس الجمهورية سلطات أهمها وضع القيود على حرية الاجتماع وحريات الانتقال والإقامة والمرور كما يجيز له القبض على الأشخاص واعتقالهم وتفتيش المنازل والأماكن، كل ذلك دون التقيد بقانون الإجراءات الجنائية وبما ينظمه من حقوق للأفراد وسلطات مقيدة للدولة. ويزيد على ذلك أن حالة الطوارئ تمكن رئيس الجمهورية من تكليف أى شخص بأن يؤدى عملا ما. ويخول رئيس الجمهورية أن يفرض الرقابة على الصحف والنشرات والمطبوعات والرسائل والمحررات والرسوم، ويخوله أيضا سلطة الاستيلاء على أى عقار أو منقول وفرض الحراسة عليه، مع إمكان إخلاء المناطق وعزلها.
وهنا نلحظ فكرة تجميع السلطات فى يد الممسك بسلطة الطوارئ، فهو ينفذ أوامره وقراراته بواسطة الشرطة، فإن لم تسعف فبواسطة القوات المسلحة، وهو يملك أن يفرض العقوبات والجزاءات على كل من يخالف أوامره ونواهيه، وله أن يفرض من أنواع العقوبات ما يصل إلى الأشغال الشاقة. وهو ينشئ محاكم أمن الدولة، ويملك أن يقرر طريقة تشكيلها من قضاة فقط، أو من الضباط وحدهم، أو أن تكون ذات تشكيل مختلط من القضاة والضباط، وكل هذه المحاكم تخضع أحكامها لتصديق رئيس الجمهورية.
وبقيت حالة الطوارئ مفروضة حتى رفعت فى شهر يونيو 1980، وعندما رفعت كانت هناك مجموعة من القوانين قد صدرت من قبل أيام الرئيس السادات وتتيح للسلطة التنفيذية العديد من السلطات وإمكانات اتخاذ التدابير الاستثنائية، وقد سبقت الإشارة إليها، ومنها قانون حماية الوحدة الوطنية الذى كان قد صدر برقم 34 لسنة 1972، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى الذى صدر برقم 33 لسنة1978 ، ثم قانون حماية القيم من العيب الذى صدر برقم 95 لسنة 1980 الذى صدر فى شهر مايو قبيل رفع حالة الطوارئ حتى اغتيل الرئيس السادات فى أكتوبر 1981 فأعيد فرضها من جديد، وصدر قانون برقم 50 لسنة 1982 بتعديل بعض أحكام القانون الذى ينظمها رقم 162 لسنة 1958. وذلك فى يوليو 1982. وكانت تجدد حالة الطوارئ كل سنة ثم صارت تجدد لثلاث سنوات، فثلاث سنوات وهكذا حتى الآن فى سنة 2004.
والحاصل أن المتابع لحالة الطوارئ فى التاريخ المصرى الحديث على كثرة ما فرضت منذ 1939 «وكان اسمها العرفية طبقا للقانون المنظم بها الصادر فى 1923 والقانون الصادر فى سنة 1954، ثم سميت حالة الطوارئ مع القانون رقم 162 لسنة 1958» يلحظ أنها كانت تفرض مع إعلان حالات الحرب، ففرضت لأول مرة مع الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1939 ورجعت بعدها، وفرضت مع حرب فلسطين فى مايو 1948 ثم رفعت، ثم رفعت مع العدوان الثلاثى على مصر فى سنة 1956 واستمرت مدة طويلة حتى 1964 ثم رفعت، وفرضت مع حرب 1967. وهى لم تفرض فى غير حالة الحرب إلا مع حريق القاهرة الحادث فى يناير 1952 وكانت مصر وقتها فى حالة شبه حربية بسبب إلغاء الحكومة لمعاهدة 1936 مع الإنجليز فصار الوجود العسكرى الإنجليزى فى مصر وجودا عدوانيا وبدأت حركة كفاح القنال بنوع من المقاومة الشعبية الضيقة التى تتخذ أسلوبا من أساليب حروب العصابات، ووقع حريق القاهرة فى هذا السياق وأتبعه إعلان حالة الطوارئ.
ولكن إعلانها فى أكتوبر 1981 كان مع اغتيال الرئيس السادات، وجاء إعلانها بعد انتهاء الحرب مع إسرائيل بوجه رسمى وتوقيع مصر اتفاقية السلام معها واعتراف مصر بإسرائيل وتبادل التمثيل السياسى معها. يأتى إعلان حالة الطوارئ هذه المرة مع السلام وليس مع الحرب، والمفروض أن ما يتعلق بعمليات الإرهاب الداخلى وأحداثه، إنما تتكفل بها القوانين العادية وأجهزة الأمن. وعلى كل حال فإن أحداث الإرهاب المحلى انتهت وبقيت حالة الطوارئ وامتدت مدتها بما يجعلها أكثر مدة متصلة حتى الآن وهى تقارب الأربع والعشرين سنة حتى اليوم. ومن ثم فإنها بسلطانها تضاف إلى ملامح الحكم ونظام الدولة فى هذه المرحلة. ويمكن القول إنه خلال المدة من بدء العمل بدستور 1971 حتى الآن لم ترفع حالة الطوارئ إلا من يونيو 1980 حتى أكتوبر 1981 أى مدة سنة وأربعة أشهر، ولذلك حق القول إنها من ملامح النظام السياسى وملامح نظام الحكم خلال الفترة عينها.
(11)
فور أن سيطر الرئيس السادات على أوضاع الحكم كاملة بإخراج الناصريين المعارضين له مما كانوا يسيطرون على مفاتيح السلطة السياسية، وذلك فى مايو 1971، حتى أصدر قرارا بحل مجالس إدارة النقابات المهنية، ومن أهمها نقابة المحامين ونقابة الصحفيين ونقابة المهندسين ونقابة الأطباء البشريين، وأجريت الانتخابات فى النصف الأخير من العام ذاته، وذلك ليتخلص من مؤيدى النظام الناصرى فى هذه النقابات ذات الأهمية الحيوية، لما تضم من نخب مهنية يتكون منها جهاز الدولة فى الغالب والمهم من مستوياته، فحل مصطفى البرادعى فى نقابة المحامين محل أحمد الخواجة، وحل فى الصحفيين على حمدى الجمال محل كامل زهيرى، وحل عبدالخالق الشناوى فى المهندسين محل على زين العابدين، وهكذا فى النقابات المهنية الأخرى وفى أعضاء مجالس الإدارة. ولم يكن المطلوب وقتها وفى هذا الظرف السريع تنصيب أهل الثقة فقط للنظام الجديد، إنما كان المطلوب العاجل تنحية من اعتبرهم النظام الجديد أنصارا للنظام الناصرى السابق. لذلك فإن بعض هذه النقابات ما لبث أن اتخذ موقفا غير موات للرئيس السادات، سيما بعد أن حدثت حركة طلبة الجامعة ومظاهراتهم فى يناير 1972 فأيدوا هذه المظاهرات، ولكن النظام احتمل بعضا من هذه المواقف حتى جرت حرب 1973 واسترد شيئا من العافية السياسية فبدأ يفرض أنصاره، ويلحظ ذلك فى نقابة المحامين بعد البرادعى وفى المهندسين بعد الشناوى، وذلك بصفة خاصة، وصارت النقابات المهنية فى عمومها إلى مواقف المساندة للحكومة، باستثناء ما كان من بعضها مع أحداث انتفاضة سنة 1973. واتجه الرئيس السادات إلى ربط النقابات برئاسة الجمهورية بالقرار الذى أصدره رقم 352 لسنة 1979 بتعيين رؤساء النقابات المهنية والعمالية مستشارين لرئيس الجمهورية بحكم مناصبهم ومع احتفاظهم بهذه المناصب النقابية.
وبالنسبة للنقابات العمالية اتبع الأسلوب السابق فى إعادة تشكيل مجالسها فى يونيو 1971، وبدأ يستقر الأمر فيها للحكومة من سنة 1975 تقريبا. وكانت سهولة المسألة ترد من أن نظام الانتخاب المتصاعد للنقابات العمالية يجعل الانتخاب فى المستويات الأعلى من مجالس الإدارة ذاتها وليس من الجمعيات العامة للعمال، فيصير الانتخاب على أكثر من درجة حتى يتكون الاتحاد العام. وذلك طبقا للنظام القائم منذ العمل بالقانون رقم 91 لسنة 1959، وهو النظام الذى اتبعه واعتمده القانون والصادر فى عهد السادات برقم 35 لسنة 1976، الذى زاد مركزية البنيان النقابى بمنح الاتحاد العام للعمال صلاحيات واسعة تتعلق بوضع اللوائح النموذجية بالاشتراك مع وزارة العمل.
وقد اتبع نظام السادات أيضا سياسة قابضة فى هذا الشأن بأن كان حريصا على أن يدمج بين منصبى وزير القوى العاملة ورئس الاتحاد العام لنقابات العمال.. وذلك منذ سنة 1972، يضاف إلى ذلك وجود القيادات النقابية العمالية فى مجال إدارة شركات القطاع العام وهو القطاع المسيطر على التجمعات العمالية الأساسية فى البلاد، وهذا الوجود مع مجالس الإدارة كان يراد به فى عهد عبدالناصر تطعيم الإدارة الفنية والبيروقراطية بعناصر عمالية. فصارت هذه الوظيفة على العكس من ذلك فى العهد التالى إذ ساعدت على إعداد فئة عمالية مندمجة فى البيروقراطية الإدارية فى هذه الشركات، وصارت تشكل رباطا وثيقا من الدولة وعلى الحركة النقابية العمالية.
وعلى مدى الثمانينيات ركزت المعارضة السياسية فى شق مهم منها على النشاط فى النقابات المهنية، وكانت الحركة السياسية ذات التوجه الإسلامى هى الأكثر نشاطا، واستطاعت أن يكون لها ثقل واضح فى تشكيلات النقابات المهنية المهمة، بخاصة فى نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين، وكانت الدولة فى هذه الفترة منشغلة بجهودها ضد نشاط جماعات العنف السياسى ذات التوجه الإسلامى وما كانت تقوم به من حوادث الإرهاب، فلما بدأت موجة الإرهاب تنحسر وتضعف من منتصف التسعينيات، صار لدى الدولة من الوقت وفضل الطاقة ما توجهه لوجود النشاط المعارض فى النقابات المهنية.
ولا يتسع المجال لتفصيل ما يتعلق بصلة الدولة بالنقابات المهنية، وتكفى الإشارة إلى أمثلة عن ذلك مما أثبته الأستاذ أحمد عبدالحفيظ عن كتاب «نقابة المحامين» مما عرفته هذه النقابة لأول مرة فى تاريخها منذ إنشائها فى سنة 1912، مما عرفته من عبث بصناديق الانتخابات فى 1979 ثم ما حدث بعد ذلك فى انتخابات 1985 و1989، وكذلك حل مجلس النقابة بقانون صدر برقم 125 لسنة 1981 وتشكيل مجلس بديل، وفرضت الحراسة على النقابة نحو عشر سنوات. وهذا الوضع ذاته تكرر فى نقابة المهندسين ولايزال قائما حتى الآن وقد صدر القانون 100 لسنة 1994 لقيم صعوبات لم يعرفها النظام الانتخابى من قبل وليتمكن بذلك من فرض الإدارة الحكومية للنقابات عن طريق وزارة العدل.
ومن جهة أخرى، فإن المتابع يلحظ أن الهيكل التشريعى لمصر، قد تغير وتعدل على مدى السنوات الثلاثين الماضية، فى كل من مجالات النشاط الاجتماعى والاقتصادى بسبب تدابر السياسات المتبعة عما كانت عليه من قبل، كل ذلك جرى إلا ما كان مع قانون تنظيم الجمعيات والمؤسسات الذى كان صدر فى عهد جمال عبدالناصر فى مارس سنة 1964 برقم 32. وهو قانون كان يمكن لجهات الإدارة الحكومية سلطات عديدة على الجمعيات الخاصة، من جهة تأسيسها أو من جهة نوع نشاطها أو من جهة وجود الرقابة الحكومية عليها. وبقى هذا القانون بعد العمل بدستور 1971 على حاله حتى صدر القانون رقم 153 لسنة 1999، وقد قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته لأنه لم يعرض على مجلس الشعب رغم أنه فى تقرير المحكمة الدستورية من القوانين المكملة للدستور الواجب عرضها على هذا المجلس بنص الدستور، فعاد القانون الصادر فى 1964 للعمل من جديد حتى صدر القانون الأخير رقم 84 لسنة 2002. بمعنى أن قانون سنة 1964 ظل واحدا وثلاثين سنة معمولا به فى عهد دستور 1971، ولم يكن القانون الأخير فى أحكامه أكثر إطلاقا لحرية الجمعيات، لا فى تكوينها ولا فى وجود نشاطها ولا فى أقل رقابة وهيمنة عليها من جهات الرقابة الحكومية.
(12)
نظام حكم 23 يوليو تميز فى ظنى بأنه أولا نظام تندمج فيه سلطات الدولة، السلطة التشريعية تندمج فى السلطة التنفيذية، ويكون القضاء محاطا بهذا التوحد بين من يصدر له القوانين ومن يملك قوة التنفيذ المادية. وهو ثانيا نظام لا يؤمن بالحزبية فهو لم يكن نظام حزب واحد كما قال عن نفسه، لأن الحزب الواحد الذى أنشأه دائما لم يكن حزبا مؤسسا باستقلالية عن جهاز الدولة ولا كان صاحب قرار يصدر من داخله متميزا عن الدولة ولا كان صاحب أداء ووظائف متميزة عن أجهزة الدولة الأمنية والمعلوماتية والإعلامية إنما كان واجهة للدولة. وهو ثالثا نظام يقوم فى قمة السلطة المندمجة، المترجمة على قيادة فردية لشخص واحد.
اختلف النظام من منتصف السبعينيات من حيث الصورة فقط، وبقى النظام الدستورى كما هو، فلا يقوم فارق مهم بين خريطة توزيع السلطات فى دستور 1971. إنما جاء وجه الاختلاف فى أن المجلس النيابى التشريعى الذى وجد فى الخمسينيات والستينيات أحيانا واختفى أحيانا أخرى، هذا المجلس وجد بصفة ثابتة ودائمة فى ظل دستور 1971 بانتخابات تجرى تباعا. ووجه الاختلاف التالى أن النظام السياسى أقر فى السبعينيات بالتعددية الحزبية بدلا من مبدأ الحزب الوحيد الذى كان مقررا من قبل.
ولكن يظهر من العرض السابق فى هذه الدراسة أن جرى ثمة اندماجا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والحزب الحاكم، فبقيت هذه التكوينات الثلاثة تتمثل فى ذات الأشخاص والأفراد على مدى ثلاثين سنة، وذلك بالنسبة للقيادة الفردية المتبوئة رئاسة الدولة ورئاسة الحزب وبالنسبة لهيمنة السلطة التنفيذية من خلال رئاسة الجمهورية على المجلس النيابى، وبقى النظام فى حقيقته هو نظام اللاحزب باعتبار أن الحزب الحاكم بقى لا يعدو أن يكون واجهة لسلطة الدولة المركزية.
وقد لاحظ الدكتور نزيه نصيف الأيوبى منذ سنة 1989 أن الرئيس السادات جعل الدعوة إلى الحرية والديمقراطية هى أهم ما يختلف فيه عن برنامج الرئيس عبد الناصر. ومع ذلك فقد انتهى السادات إلى جمع عدد من المناصب والألقاب يفوق كثيرا ما كان لعبد الناصر.. «منها» رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس الأعلى لقوات الشرطة، رئيس الهيئة القضائية، رئيس الحزب الوطنى الديمقراطى «الحاكم»، مفوض عام فى جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والاتفاقات المتصلة بالأمن القومى، كذلك كان الرئيس مسيطرا على مجلس الصحافة.
وفى تقديرى أنه مع بقاء ظاهرة الاندماج فى الرئاسة بين السلطات والهيئات، على مدى يزيد على عشرين سنة بعد وفاة الرئيس السادات، فإن الظاهرة تكون أفدح. وصار الوضع أن ثمة سلطة تشريعية ولكن بغير استقلال، وثمة سلطة قضائية ولكن محاط بها ولوزارة العدل نفوذ كبير فى إدارتها. وثمة أحزاب ولكنها، حزب حاكم مندمج فى السلطة ورئاسة الدولة، وأحزاب معارضة تقوم بنشاط صحفى وباجتماعات لأعضائها فى الغرف والقاعات المغلقة ولا تصل إلى مؤسسات الدولة بنفوذ ذى أثر. وثمة صحافة خاضعة للسيطرة ونقابات وجمعيات خاصة للسيطرة من جانب أجهزة الدولة.
وإذا كان عبدالناصر وجد مقاومة ومعارضة من داخل السلطة وممن سموا بمراكز القوى فى القوات المسلحة أيام المشير عبدالحكيم عامر، وإذا كان السادات وجد مقاومة ومعارضة فى فترة وهو يغير مسار دولة ومجتمع وينقلهما من الاستقلال إلى التبعية كما يعبر عن ذلك عادل حسين. فإن السلطات التى يملكها رئيس الدولة الآن لم يقم لها فى ماضى النظام نفسه ما يماثلها فى تفردها.
والحاصل أن السلطة السياسية، تكون بالمشاركة عند تعدد الحائزين عليها أفرادا وأجهزة، وتكون أيضا بنوع مشاركة حتى إذا انفرد بها أحد القادة الرؤساء، ولكنه كان مع تفرده يواجه ضغوطا ومخاطر من خارجها تجعله دائما على حرف فى التنبه والحساب وتقدير الخطوات وردود الفعل مثل عبدالناصر، وتكون مشاركة أيضا إن كان من يشغلها يشغلها لمدة محدودة، يتلوه غيره وهكذا، فيمكن للأجهزة أن تستقل عن الأشخاص لامتداد عملها وقصر عدد من يتولون رئاستها على التوالى.
أما إذا حدث الانفراد بالسلطة بغير مشارك فى اتخاذ القرار، وبغير تهديدات لها ولا مخاطر خارجية عليها، وعلى امتداد زمان لا ينتهى بتداول، فإنه فى هذه الحالة تكون السلطة قد تشخصنت أى اكتسبت سمات العمل الخاص. وتكون الدولة أهم الهيئات العامة وأدومها وأبقاها تكون قد انتقلت من العموم إلى الخصوص، فصارت شأنا خاصا للقائم عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.