ما حجم الدين الحكومى الذى يجب أن يصادق عليه رئيس ما قبل أن يُصنف بأنه «غير مسئول»؟.. يبدو أن ذلك يمثل أكثر بكثير من الديون الضخمة التى يقترحها أوباما. وتعد النسخة النهائية من موازنة عام 2010 التى أُعلنت الأسبوع الماضى بمثابة نموذج للنفعية السياسية والمقامرة الاقتصادية. دعونا نرى. وفقًا لخطة أوباما، سوف يبلغ إجمالى عجز الموازنة فى الفترة بين 2019-2010 7.1 تريليون دولار. وبينما كانت نسبة دين الحكومة الفيدرالية إلى الناتج المحلى الإجمالى عام 2008، 41%، فسوف يرتفع هذا المعدل ليصل إلى 70% عام 2019 وهو ما يمثل المعدل الأعلى من نوعه منذ عام 1950 (حينما بلغت نسبة الدين 80% من الناتج المحلى الإجمالى). ووفقا للتوقعات الأقل تفاؤلا التى يطرحها مكتب الموازنة التابع للكونجرس، قد يرتفع إجمالى عجز الموازنة فى الفترة المذكورة إلى 9.3 تريليون، بينما سوف يمثل دين الحكومة الفيدرالية 82% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2019. لكن مهلا، فحتى تلك الأرقام يمكن أن نتفهم أسبابها. ووفقا لتقديرات عديدة، يُتوقع أن تُكلف خطة أوباما للرعاية الصحية 1.2 تريليون دولار على مدى عقد من الزمن، بينما يقدر أوباما أن هذه الخطة سوف تكلف 635 مليار دولار فقط. ومن ناحية أخرى، يُتوقع حدوث مثل هذا العجز الضخم بالرغم من الإعلان عن تجميد نفقات الدفاع. ذلك أنه خلال الفترة من 2008 2019، سوف يرتفع الإنفاق الفيدرالى بمقدار 75%، لكن الإنفاق على الدفاع سوف يزيد بمعدل 17% فحسب. غير أنه إذا لم تتراجع التهديدات الخارجية، فمن المتوقع أن يتزايد الإنفاق العسكرى وكذلك العجز. وباستثناء الجمهوريين المتذمرين، لم تلق هذه الخطط سوى قليل من الاهتمام. ويرجع ذلك إلى قدرات أوباما على احتواء الانتقادات الحادة لسياسته. فقد أصبح الجميع منشغلين بالأزمة الاقتصادية الراهنة، والتى تفسر وتبرر زيادة العجز (فى ظل الخسائر فى الإيرادات وزيادة الإنفاق بهدف مواجهة الركود) خلال سنوات قليلة قادمة. لكن أحدًا لا يلاحظ أن هذا العجز الضخم سوف يستمر إلى أجل غير مسمى. ولعل أحد أسباب شعبية أوباما أنه وعد الجميع تقريبا بتخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق. ذلك أنه سيتم خفض الضرائب بالنسبة لمن يقل دخلهم السنوى عن 250 ألف دولار، وهؤلاء يمثلون 95% من الأسر الأمريكية. وسوف يضاعف أوباما الإنفاق الفيدرالى على قاعدة الأبحاث فى «الهيئات الرئيسية»، حيث يرغب فى تأسيس شبكات سكة حديد فائقة السرعة، وهو ما يتطلب إنفاقًا مستمرًا. ويستطيع أوباما تنفيذ كل هذه الخطط وأكثر منها عن طريق الاقتراض. ويجب الأخذ فى الاعتبار أن زيادة الدين يمكن أن تكون وسيلة للمراوغة السياسية. فالرئيس الأمريكى لا يريد الدخول فى مواجهة مع الشعب الأمريكى بشأن خيارات من قبيل تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب. كما أنه لم يتخذ أى إجراءات عملية للحد من الإنفاق على جيل المتقاعدين الذين ولدوا فى فترة الرواج. وبالرغم من مزاعمه بشأن السعى لاحتواء الإنفاق الإجمالى على الصحة، فإنه على الصعيد العملى يقترح زيادة الإنفاق فى هذا المجال، كما ذكرنا سابقًا. وقد يتطلب الحد من العجز فى المستقبل عبر زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق حدوث تغييرات هائلة. ويقدر مارك جولدوين من «اللجنة لأجل موازنة فيدرالية مسئولة» أنه بعد استبعاد التأثيرات المتوقعة للركود على العجز، من المتوقع أن يبلغ العجز الهيكلى أى الفجوة الأساسية بين التزامات الإنفاق الحكومى وقاعدته الضريبية 3% أو 4% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يمثل نحو 400 600 مليار دولار. وفى واقع الأمر، حققت الموازنة الفيدرالية عجزا فى كل السنوات الممتدة من عام 1961 إلى الآن عدا خمسة أعوام. غير أن الدين الحكومى الناتج عن ذلك ظلت نسبته إلى الناتج المحلى الإجمالى أقل من 50%. ويشبه ذلك حالة أسرة دخلها السنوى 100 ألف دولار بينما يبلغ دينها 50 ألف دولار. (لاحظ أن العجز يعبر عن الفجوة السنوية بين الإنفاق الحكومى والإيرادات الضريبية، بينما يمثل الدين الاقتراض الكلى الناجم عن هذا العجز). وقد ظلت التأثيرات الاقتصادية السلبية لهذا العجز متواضعة إذا كان هناك تأثيرات من الأساس. لكن العجز الضخم المتوقع فى ظل حكم أوباما سوف يؤدى إلى نتائج أكثر خطورة. وفى أفضل الأحوال، سوف ينجم عن ارتفاع تكلفة الدين تكثيف الضغوط من أجل زيادة الضرائب والحد من الإنفاق وإما سيحدث عجز ضخم لا يمكن تحمله. ووفقا لتقديرات مكتب الموازنة التابع للكونجرس، يُتوقع أن يتضاعف نصيب الفائدة على الدين إلى الإنفاق الفيدرالى بين عامى 2008 2019، من 8% إلى 16%. وسوف يحد عجز الموازنة الضخم من النمو الاقتصادى لأنه سوف يمثل عاملاً طاردًا للاستثمار الخاص. وفى أسوأ الأحوال، من الممكن أن تؤدى زيادة الدين إلى أزمة مالية فى المستقبل. ويقول رودى بينر، الخبير الاقتصادى الذى ترأس مكتب الموازنة التابع للكونجرس فى الفترة من 1983 1987 «يكمن الخطر فى أننا لن نستطيع بيع دين الخزانة وفقا لمعدلات فائدة مناسبة». لكنه فى ظل مناخ القلق الراهن، لم تتحقق هذه النبوءة، لأن المستثمرين الأمريكيين والأجانب من مصلحتهم استقرار الخزانة الأمريكية. ومع ذلك، فإن الزيادة المفرطة فى السندات أو المخاوف من التضخم أو أى عوامل أخرى قد تؤدى إلى انهيار الثقة يوما ما. وقد تهبط أسعار الأسهم بحدة فى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار الفائدة. ومن المحتمل أن تنعكس آثار هذا الوضع على العالم بأسره، لأن الأجانب يملكون نصف دين الخزانة الأمريكى. وتنتعش موازنات أوباما لأن الأزمة سيتم إرجاؤها. غير أننا لا نعلم الشكل الذى سوف تتخذه أو توقيت حدوثها. فمكاسب اليوم قد ينجم عنها متاعب غدا. فكما تبين الأزمة الراهنة، تؤدى السياسات غير الحصيفة إلى نتائج عكسية فى النهاية، حتى إذا كان توقيت وطبيعة التقلبات المتوقعة غير معروفين. وما يدعو للغرابة أن هذه الأمور قد تم تجاهلها. لكن تخيل ماذا كان سيحدث لو أن ماكين تقدم بميزانية تماثل ميزانية أوباما. كان سيُواجه بصرخات احتجاج عالية تقول إن «ماكين يقامر بمستقبلنا». ويجب أن يُعامل أوباما بنفس الدرجة من الصرامة. (c) 2009, The Washington Post Writers Group