تصور الأديب الإسباني العالمي خوان جويتسولو، سيناريو لأحد مسلسلات شهر رمضان القادم تتهم فيه السيدة الطموحة سوزان مبارك زوجها الرئيس المخلوع حسني مبارك بعدم الكفاءة والقدرة، وينفذ فيه علاء مبارك دور الابن الطيب أو المتواضع كل ما طلبته منه والدته وأخوه جمال أيضًا، وتصور كل هؤلاء الأمناء الطيبين الذين يحاولون تغيير مواقفهم، لكنهم يغرقون معه في البحر ذاته، وتصور في هذا السياق مبارك، الذي اعتقد نفسه ملك حياته، ويرى عمله وهو يغرق ويرى ما اقتنصه من أموال وهو في جنوبسيناء، مؤكدًا إن هذا عمل تاريخي من الطراز الأول الذي يحدث في العالم العربي، وسوف يتطلع عليه قراء المستقبل. وقال جويتسولو، الحاصل على جائزة الأداب الإسبانية عام 2008، خلال ندوة "رياح الحرية في البلدان العربية" التي نظمها المعهد الثقافي الإسباني (ثربانتس) والسفارة الإسبانية بالقاهرة، وكان من ضمن ضيوفها الأديب علاء الأسواني، أمس الثلاثاء: إنه يتسائل: من سيقوم بتجسيد دور مصففة الشعر التي تحولت إلى ملكة وسيدة تونس، فهل سوف تذهب إلى البنك لتأخذ الأموال التي جمعتها، وهل سيكون هناك مشهد من التأنيب المتبادل بينها وبين زوجها، كذلك ما الذي سيقوم به الممثلون في هذا السياق، هل سوف نراهم وهم يكيلون لبعضهم الضربات، وكل منهم يضع أظافره في الآخر. بائع الخضروات وأضاف الأديب الإسباني أن الثورة التونسية تحولت إلى منارة توحي بالأمل وتضيء تلك المنطقة التي تمتد من المحيط الأطلنطي حتى الخليج، مؤكدًا أن الشعوب العربية أدركت أنها تستطيع أن تكون مالكة لمصيرها، وذلك بفضل بائع الخضروات المتواضع الذي أدى موته إلى إشعال همة الملايين الذين هبوا بعد التواصل على الإنترنت والهواتف المحمولة والقنوات الفضائية، وتمكنوا من كسر عزلتهم، وعبروا عن غضبهم على هذه القيادات التي أصابتها الشيخوخة، ورفضت عليهم أن يتمتعوا بالكبرياء ويحصلوا على فرصة عمل. وقال جويتسولو إنه منذ الخامس والعشرين من يناير لم تفارق عينيه شاشة التليفزيون، وخاصة قناة الجزيرة، وكأنه مع المصريين في ميدان التحرير، مضيفًا أنه يوم أن سقط الرئيس التونسي بن علي سأله أحد الصحفيين عن البلد العربية المرشحة لانتقال عدوى تونس إليها فقال: مصر، مضيفا أنه تنبأ بذلك حينما كان في زيارة لمصر في 2008، ورأى الديكتاتورية التي لم يعد يطيقها الناس، ومستوى المعشية المتدني. ثلاث وسائل وأوضح أنه أدرك ما أشار إليه الأسواني من أن الناس يمكن أن تتحمل الديكتاتورية إذا كانت وسائل العيش متاحة، أو أن تتحمل الفقر إذا ما كان هناك ديمقراطية، أما إذا أخذ الشيئان، فإن الثورة قائمة لا محالة. ورأى الأديب الإسباني أن هناك ثلاثة وسائل مختلفة أدت إلى قيام الثورات في العالم العربي، وهي وسائل الاتصالات، مشيرًا إلى أنه إذا كانت وسائل الاتصالات من موقعي التواصل الاجتماعيين "فيس بوك" و"تويتر" وموقع مشاركة الفيديو "يوتيوب" متوافرة حينما وقعت مأساة سراييفوا لكانت قد انتهت بعد شهر واحد من بدئها. أما الوسيلة الثانية فكانت وثائق موقع "ويكيليكس"، والتي كان لها بالغ الأثر في تعرية الديكتاتوريات في العالم أجمع، وكانت الثالثة هي الوضع السيء للشعب المصري منذ اثني عشر عاما، فحينما أتى عام 2008 ظن أن الوضع تحسن، لكنه وجده أسوأ. دلالة وجمال وقال الأسواني إنه يرى أن الأدب يشبه حياتنا اليومية، غير أن الحياة على الورق أكثر عمقًا وأكثر دلالة وجمالا، كل ما يحدث في حياتنا اليومية -إذا استطاع الأديب أن يصل إلى أعماقه ويكتشف دلالاته- يكون جميلا، وبالتالي كل ما نعيشه وله معنى لا بد أن يكون موجودًا في الرواية، مضيفًا أنه في كل عمل أدبي هناك عنصران، عنصر الآن، وهو ما يحدث في المجتمع لحظة كتابة الرواية أو في زمن الرواية إذا كان الروائي يكتب في الماضي، والعنصر الأهم وهو الانساني المتمثل في قدرة الأديب على تقديم شخصيات حقيقة تحمل همومًا إنسانية، حيث إن المشكلات تتغير، لكنّ أحزان الإنسان لا تتغير. ومدح الأسواني الأديب الإسباني قائلا: إن جويتسولو يرى العالم من منظور إنساني، وبالتالي فهو لا ينحاز إلى أصله العرقي أو ديانته بقدر ما ينحاز إلى المبادئ الإنسانية، مضيفا أن كل من يقرأ أعماله يفهم بسهولة أي نوع من الكتاب هو. وألقى الأديب المصري الضوء على موقف جويتسولو حينما حاول نظام الرئيس الليبي معمر القذافي تجميل منظره القبيح بصنع جائزة عالمية تحمل اسم القذافي للرواية، وقدمت هذه الجائزة إلى جويتسولو الذي رفضها برقة كي لا يحرج أعضاء لجنة التحكيم، قائلا إنه لا يستطيع أن يقبل هذه الجائزة لأنها ضد ما آمن به من مبادئ في حياته، حيث إنه لا يستطيع أن يحصل على جائزة من حاكم مثل القذافي يتولى السلطة منذ 40 عامًا بالقوة المسلحة، ويرتكب كل الجرائم في حق شعبه. وأضاف الأسواني أن جويتسولو ساند الثورة المصرية قبل أن يعلم أحد إذا كانت هذه الثورة ستنجح بالفعل أم لا، وقد جاء تحليله للمجتمع المصري متخلصًا تمامًا من النظرة الاستعلائية التي نجدها عند عدد غير قليل من المستشرقين.