واضح أن وزراء الخارجية العرب أصابهم الملل من التعامل مع الملف الفلسطينى، وأنهم يتحرجون من الإفصاح عن ذلك الشعور، من التطرق إلى هذه المسألة صراحة، لذلك فإنهم أصبحوا يفضلون الهروب من الموضوع بمختلف الوسائل، وفى اجتماعهم الأخير الذى عقد بالقاهرة فى «7/5 الحالى» بعثوا إلى الجماهير العربية برسالتين، الأولى معلنة صراحة تقول إنهم قرروا اللجوء إلى مجلس الأمن لمواجهة مخططات إسرائيل لتهويد القدس، والثانية معلنة ضمنا تقول إنهم ضاقوا ذرعا ببحث الموضوع، ولم يعد لديهم شىء بوسعهم أن يفعلوه، وبالتالى فإن على الأمة العربية أن تبحث لها عن جهة أخرى تتعامل مع الموضوع. اجتماع الوزراء العرب كان استثنائيا ولم يستمر لأكثر من يوم واحد، إذ دعوا للنظر فى أمر الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة لتهويد القدس، خصوصا قرارها ترحيل ستين ألف فلسطينى منها وهدم بيوتهم والتوسع فى المستوطنات المحيطة بها، وتحويلها فى النهاية إلى «مملكة توراتية» يطمس فيها وجود المسلمين والمسيحيين، وهو الجهد الذى يتواصل بشكل حثيث طوال السنوات الثلاث الأخيرة، ويلقى دعما وتعزيزا قويين فى ظل حكومة نتنياهو التى شكلت مؤخرا، وتتوازى معه بطبيعة الحال عمليات الحفر والتنقيب تحت المسجد الأقصى، التى أصبحت تهدد أساساته. موضوع تهويد القدس بند واحد فى الملف الفلسطينى المتخم بعناوين تتراوح بين استمرار حصار غزة وبين استمرار الاحتلال الذى هو جوهر الموضوع وأصل المشكلة، ماذا فعل وزراء الخارجية العرب فى موضوع القدس؟ حسب الكلام المنشور فإنهم عقدوا اجتماعا «هادئا» فى مقر جامعة الدول العربية، تصورت أنهم ذهبوا إليه وهم يجرُّون أقدامهم ويتثاءبون، فى حين اعتذر عن عدم حضوره وزراء خارجية سوريا وقطر ولبنان، أما جدول الأعمال فقد كان مقصورا على ثلاث نقاط هى: تهويد القدس، وبحث تقرير التحقيق فى جرائم إسرائيل فى غزة، وبلورة موقف عربى إزاء السلوك الإسرائيلى فى ظل التطورات السياسية الراهنة، فى النقطتين الأولى والثانية قرر الوزراء اللجوء إلى مجلس الأمن لاتخاذ اللازم، وفى الثالثة فإنهم قرروا أمرين أولهما انتظار الطرح الدولى للموضوع، وثانيها التمسك بالمبادرة العربية وعدم الاستجابة لضغوط تعديلها. حين يتأمل المرء هذه الخلاصة، فإنه لا يكاد يجد منها خبرا يستحق الذكر، سوى أن الوزراء اجتمعوا وانفضوا، ولا تفوته ملاحظة أن الوزراء تصرَّفوا كما لو أن دولهم لا تملك سوى الشكوى إلى مجلس الأمن والتعلق بأهداب المبادرة العربية، التى أطلقت نحو سبع سنوات، وتحولت فى نهاية المطاف إلى ورقة توت تخفى عورة النظام العربى. إذا أردنا أن نتكلم بصراحة أكثر فسنجد أن ما صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب هو فى حقيقته من تجليات إشهار لإفلاس النظام العربى وعجزه لا عن الفعل فحسب، وإنما عن الغضب أيضا. إن الدول العربية تملك ورقة العلاقات مع إسرائيل، السياسية مع البعض والاقتصادية مع البعض الآخر. فسحب السفراء ممكن وتجميد العلاقات الأخرى والمعاهدات ممكن أيضا، وإعلان وقف المفاوضات خيار ثالث. حتى المبادرة العربية التى أعلن فى قمة الكويت أنها لن تظل مطروحة على الطاولة إلى الأبد، فإن أحدا لم يهدد بسحبها أو بطلب تجميدها، ولم يفكر أحد فى أن يحدد أجلا لقبولها. أعنى أن كل ما بوسع الدول العربية أن تفعله لم يشر إليه بكلمة، واقتصر موقف الوزراء العرب على مجرد إلقاء تبعة القرار والفعل على كاهل مجلس الأمن. إذا سألتنى لماذا ألقوا بالكرة فى ملعب مجلس الأمن والمجتمع الدولى؟، فردى المباشر أن ذلك حدث لأن الإرادة المستقلة غير موجودة أصلا، الأمر الذى يردنا إلى بديهية تغيب عنا كثيرا، خلاصتها أن تحرير الإرادة العربية هو المدخل الوحيد لتحرير فلسطين. وطالما غابت الأولى فعلى فلسطين السلام.