قبل أن تقرر وزارة الثقافة مخاطبة المجلس العسكرى لرفع اسم مبارك وأسماء عائلته من على المكتبات المنتشرة فى أنحاء مصر، كان عمرو أبوبكر المسئول عن صفحة مكتبة مبارك العامة بالدقى على الفيسبوك يتلقى العديد من المطالبات بالتغيير، تلك المطالبات التى كان ينقلها على الفور إلى إدارة المكتبة. الضغط الأساسى الذى كان على إدارة المكتبة كان يأتى من قبل الآراء المطروحة على الفيسبوك، فى حين أنه على الأرض لا يبدو أن أحدا كان يهتم بالأمر. يقول عمرو: «الإدارة نفسها لا يفرق معها الأمر، هم يستمعون لكل الآراء عن تغيير الاسم، ولكن المشكلة أن قرار إنشاء المكتبة باسمها الحالى كان قرارا جمهوريا، وبالتالى فتغيير الاسم يحتاج إلى قرار جمهورى مشابه». صعوبة تغيير الاسم الخارجة عن إرادة المكتبة جعلت عمرو يتكلف بأن يرسل رسالة لكل أعضاء صفحة المكتبة على الفيسبوك يشرح فيها طبيعة الوضع، فالمكتبة لديها حسابات فى البنوك ومكاتبات مالية تتم باسم مكتبة مبارك العامة، ومن الصعب أن يتغير هذا فورا لأنه سيحتاج إلى تغيير الاسم فى كل هذه المخاطبات. ولكن أعضاء الصفحة على الفيسبوك لم تكن ترضيهم تلك التبريرات، مشيرين إلى أن هناك عدة مكتبات فى أقاليم مصر كانت تسمى باسم الرئيس السابق أو زوجته غيرت بالفعل اسمها بدون الانتظار لقرارات رسمية، مثل فروع مكتبة مبارك بدمنهور ودمياط والمنصورة أو مكتبة سوزان مبارك بالشرقية. عدم الرضا هذا دفع أحد الأعضاء للدعوة مقاطعة المكتبة وعدم تجديد الاشتراك فيها حتى يتم تحقيق مطلب تغيير الاسم. وربما جاء قرار وزارة الثقافة لينقذ هذا الموقف، إذ تقرر مؤخرا تسميتها «مكتبة مصر العامة». أزمة مكتبة مبارك هى تصغير لما يحدث فى مصر الآن من حمى لمحو اسم الرئيس السابق من على كل منشآت الدولة، إذ كان يصدّر النظام اسمه على العديد من المنشآت العامة. ويمكنك أن تلاحظ أن قرار حذف اسم مبارك من محطة المترو المسماة باسمه قد اتخذ تلقائيا من قبل الشعب، فتم حذف اسمه باليد من المحطة وكل عربات المترو وكتبت مكانه كلمة «الشهداء». هذه الرغبة جعلت البعض يجمع نفسه على الفيسبوك للحث على تنفيذ مهمة حذف اسم مبارك واقتراح أسماء بديلة؛ محمد حراز مقدم البرامج بقناتى الصحة والأسرة ولايف ستايل جمع أصدقاءه واقترح على الفيسبوك أن تتحول أسماء هذه المنشآت إلى أسماء الشهداء، الذين ضحوا بحياتهم كثمن للحرية، يقول حراز: «أنا حتى أدعو لذلك من خلال البرامج التى أقدمها، هذا هو أقل شىء يمكن أن نقدمه للشهداء»، ويضيف: «النظام السابق كان يعتقد أن البلد بلده وبالتالى كان يسمى الأماكن وفقا لأهوائه، أما الآن فالبلد ملكنا وهذه هى فرصتنا للتغيير». ولا يبدو أن حراز يريد أن تبقى أى ذكرى من النظام السابق موجودة فى الشوارع، يقول: «لم يتركوا لنا من ذكراهم سوى ما فعلوه من نهب وسرقة، هؤلاء مجرمون، ولا يليق أن يوضع اسم مجرم على منشأة عامة». تاريخ مصر يحتوى على العديد من المراحل التى تم طمس فيها أسماء حكام المراحل السابقة، وإن كان البعض يربط بين النظام السابق وبين الحكم الفرعونى، فلا ضير بالتالى من ذكر أن التاريخ المصرى القديم شهد الملك تحتمس الثالث وهو يدمر آثار زوجة أبيه الراحلة الملكة حتشبسوت عندما أصبح هو فرعون مصر. وهذا حدث من توت عنخ آمون وحكام مصر بعد إخناتون حاذفين اسم هذا «المهرطق» الدينى الذى ترك الديانة المصرية التقليدية المشركة وآمن بالتوحيد من على القوائم الملكية أو ذاكرين كلمة المجرم بدلا من اسمه، كما يروى جيمس هنرى بريستيد فى كتابه «فجر الضمير». العصر الحديث أيضا شهد تغييرات فى الأسماء خصوصا مع ثورة يوليو، فميدان الإسماعيلية المنسوب إلى الخديو إسماعيل تحول إلى ميدان التحرير، وشارع فؤاد إلى 26 يوليو وشارع فاروق إلى شارع الجيش. ولكن كثيرا ما يحن المصريون للأسماء القديمة للشوارع، فيؤكد د. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ بجامعة حلوان أنه كثيرا ما يطلب من السائق أن يوصله لميدان سليمان باشا الاسم القديم لميدان طلعت حرب. ولكن د. عاصم الدسوقى يؤكد أيضا أن الوضع هذه المرة مختلف عما حدث من قبل فى التاريخ، موضحا: «الفارق أن الناس هذه المرة هى التى تسعى لتغيير الأسماء وتطبق ذلك بنفسها، وليس الحكومة وبالتالى فهناك خصوصية لما يحدث الآن». ويضيف الدسوقى: «ما يحدث يعبر عن الكراهية العميقة التى يكنها الشعب المصرى للنظام السابق، وهى أيضا بمثابة انتقام لما فعله فيهم هذا النظام، وبالتالى فهذا الانتقام يحظى بالاستحسان من قبل الشارع». ولكن هل يمكن أن يؤدى هذا إلى نتيجة سلبية، بأن ينسى المصريون جزءا من تاريخهم، يقول د. عاصم الدسوقى: «هذا هو المطلوب بالنسبة لهؤلاء الناس وهو أن يتجاوزوا هذه المرحلة»، بل يتضامن مع فكرة تغيير الاسم معلقا: «مبارك أساء كثيرا إلى المصريين، وكان إطلاق اسمه على العديد من المنشآت خطأ كبير ارتكبه نظامه». ولكنه مع ذلك يتحفظ على فكرة أن تطلق أسماء الشهداء على شوارع لها أسماؤها المعروفة، وإنما يفضل أن يحدث ذلك مع شوارع جديدة، فأسماء الشوارع القديمة تكون ملتصقة فى أذهان الناس، ويكون من الصعب أن يعتادوا على الأسماء الجديدة.